بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
أعترف أني ومنذ فترة انشغلت عن متابعة ما يحدث في السينما المصرية واكتفيت بالقليل من أعمال أعرف العاملين بها من الفنانين والمهنيين، كانت كورونا من أسباب عدم دخولي دور العرض فأنا من أصحاب فوبيا المرض والخوف من التجمعات كنت قد اكتفيت بالنتفليكس وشاهد وأمثالهما ثم انتابني الفضول وتابعت بلهفة أكثر من عرض سينمائي، وأقول بكل صدق لقد صدمت في تسعين في المائة من الأعمال السينمائية والمحزن والمرعب أن بها نجوم من شباب الفنانين المبدعين الحقيقيين، لكن الورق ياسادة مفجع، مجرد اسكتشات وافتكاسات مبنية على صدف يعتقد كتابها إنها مصدراً للضحك.
لكن العكس والدليل أن تلك الأعمال لا تصمد فى دور العرض ثم تنتقل سريعاً إلى شبكات البث وأمثالها لتأتي لمنتجيها ببعض الأموال وتتكرر تلك المهذلة وتتوه السينما المصرية والكبار من العاملين بها من نجوم ومخرجين وكتاب فقط يشاهدون فيتحسرون علي زمن كانت فيه السينما ونجومها يفتخر بها كل مصري محباً للإبداع فقد انسحب الكبار وفضلوا المتابعة من منازلهم، قد يردد البعض بطيبة!: ـ هكذا هي السينما ومنذ الستينيات وما قبلها هناك أُفلام فقط للضحك يتخللها بعض من مواقف كوميدية قد يكون البناء الدرامي لايحمل أي قيم أو مواعظ وإنما فقط للترفيه وزراعة البسمة!
إقرأ أيضا : هدى العجيمي تكتب: أحسن الأفلام في تاريخ السينما
والإجابة نعم أوافق ولكن كانت نسبة الأعمال الساذجة في السينما الي الأعمال الجيدة لا تتجاوز العشرة فى المائة ولكن ما يحدث الآن العكس أصبحت الأعمال الخفيفة والاسكتشات إنما تشكل أكثر من السبعين في المائه من إجمالي الأعمال، والواقع المؤكد أن الأزمة أزمة كتابة فلا نجد الآن إلا القليل بعد وحيد حامد وأسامة عكاشة ومن قبلهما علي سبيل المثال: طه حسين وثروت أباظة وأحمد رشدي صالح ويحيي حقي ونجيب محفوظ ويوسف السباعي، وقد زاد تجاهل الاعتماد على الروايات إلا قليلاً ثم ظاهرة الورش وهي عملية سريعة وتجارية، وأصبحنا نفتقد السينما والفنون الواعية التي تقدم قيمآً مضافة اعتقد أننا في اشد الحاجة إليها.
أعمال السينما والدراما التلفزيونية
فحين يدرك الكاتب تاريخ بلده ويتجاوز ذلك باستنارة ثم يتابع العالم من حوله، ويعرف قيم الانتماء والوطنية وتأثير البيئة المحيطة من المنزل للشارع للوطن على أداء الشخوص في أعماله في السينما والدراما التلفزيونية ويتميز بقيم العاشق المهموم بوطنه ويمتلك بصيرة تخترق تفاصيل وتجليات النفس البشرية بكل تفاصيلها وتناقضاتها أحياناً، حين يعشق الحارة بصفاتها من التلاحم والحميمية والتناقض الذي تظهره صدمات الحياة وتعاريجها، فحين يعشق الكاتب الإسكندرية فيكتب (زيزينيا والراية البيضا، والإسكندراني)، ويعشق البيت المصري والأسرة فيكتب الشهد والدموع ويعشق الوطن فيكتب (ليالي الحلمية)، وحين يكتب (أرابيسك، و رحلة أبو العلا البشري وضمير أبله حكمت والمصراوية) نحن حينها نستمتع عقلاً بكتابات العظيم أسامه أنور عكاشة.
إقرأ أيضا : فوضى (مهرجانات العار السينمائي) في مصر !
حين يمتزج وعي المبدع بالمجتمع فتخرج لنا شخوص يلتقطها الممثل ويعبر عن مكنونها فنشاهد أعمالاً تحترم المشاهد وتعيش فنبحث عنها حتى الان فما زال البعض منا يشاهد ماسبيروزمان ليستمتع بأعمال مثل (رأفت الهجان، أحلام الفتى الطائر)، ونندهش الآن من غياب الوعي عند البعض وقليل من إعلاميين يحاولون والبعض منهم يفتقد المصداقية فقد كنا نشاهده فيما سبق يصرخ ويمتدح الموجود والمسؤل، فالعقل الجمعي المصري في معظم الحالات يمتلك ذاكرة يسترجعها حين يفتقد البوصلة: أدعوك أخي وصديقي في الوطن لتدرك مخاوفي من حالة التلاسن والسبهللة التي انتابت بعض المصريين.
عليك أن تتجول بتؤدة علي اليوتيوب والتويتر ثم الفيس بوك و تستعرض جهابذة السياسة والاقتصاد وخبراء الصراعات والأيدوليچيات والتحليل لما يحدث في الوطن الغالي، وهنا سوف تجد إجابة للسؤال الصعب هل هؤلاء يمثلون الشعب المصري بتاريخة وصراعاتة والاطماع التي تحاصره، دول من حوله كانت كبيرة كيف أصبحت؟، قد نجد بعض وجهات النظر إننا نعاني اقتصاديا فمعظم الناس تتحدث عن غلاء الأسعار ثم ارتفاع الدولار وتأثيره على الحالة الاقتصادية، وتكون الإجابه أكيد وللموضوعية نعم ولكن بعد الجوله علي صفحات وسائل المعارف المسيطرة للأسف الأن مثل تويتر ويوتيوب والفيس بوك هل لا ينتابك القلق من أن هناك حاله منظمة لتكريس اليأس والغضب والإحباط وجلد الذات، فهل الصورة بتلك السواد في السينما والدراما التلفزيونية أيضا؟
السينما والسوق السوادء قديما
ثم أين الإنجازات من كهرباء لا تنقطع واستصلاح أراض والتخلص من العشوائيات والخدمات الطبية للفقراء والطرق والقضاء علي فيروس سى؟، كثير من مشاريع لن أتطرق لها فالبعض أسمعه متوقعاً يسأل؟: أين المردود على المواطن؟، وآخر يهمهم أنت تكتب تطبل وأعتقد وبالعمر فقط لا يستقيم التطبيل فليس لي طلبات إلا محاولة إعمال العقل والمنطق فقد عشت وعاشت أجيال دون رفاهية اللحوم أحيانآ مرتين بالأسبوع والبحث عن اتوبيس مكتظ مرات وإنقطاع الكهرباء ومشاكل التليفونات والإسكان ثم أزمات انبوبة الغاز، لكن لم نجد كتائب الإحباط والسواد فحين يخاصمني النوم بعد مطالعة أخبار العالم ثم السواد والتشاؤم المسيطر على شبكات التباعد
أتذكر أننا ننام في آمن وأمان، لدينا جيش قوي قادر علي حماية أرضنا، الأزمة ياسادة أن تصبح السلبيات على السطح ويعجز الإعلام والفنون ممثلة في السينما والمثقفون في بث الأمل وقيم الولاء والانتماء لدى الناس، ثم نترك الفنون تقدم أعمالاً تفتقد لكثير من القيم الهدف منها فقط ملء الهواء، العالم من حولنا يصارع البقاء والخريطة العربية تتحرك بخباثة تحركها أطماع أراها مقلقة والقيادة المصريه تتابع لما يحدث، فقد أصبح واضحاً أن الصراع حولنا وبات يحاصرنا! وقد يكون بدافع التفتيت، ثم الطبيعة غاضبة والأنهار تجف والغابات تقطع والبيئة تلوث ولكن للأوطان حق علينا وهو الدفاع عنها.
ومن هنا أطالب بضرورة الدقة في اختيار ما يعرض على المواطن المصري من إعلام وفنون مثل السينما والدراما التلفزيونية، فهناك من يحاولون فقط التركيز علي السلبيات وتجاهل الإيجابيات وأهمها الأمن والأمان، إنها دعوة لتفعيل الموضوعية والتفائل بحذر ومتابعة واقع البعض منا يتجاهله عمداً متجاهلاً لكل ما يحدث في العالم من حولنا!.. رجاء الانتباه فمصر تستحق.