بقلم الإعلامي : علي عبد الرحمن
أصبحت مصر قبلة الاستقرار في المنطقه بفضل الله ووعي جيشها ومؤسساتها وشعبها، وذلك منذ إندلاع مايسمي بثورات الربيع العربي، والتي تكشفت فيما بعد أسرارها، لتتضح أنها مؤامرة تستهدف التقسيم والإضعاف وإذكاء الفتنه بين مكونات نسيج دولنا العربية، وأصبحنا نستبدل تسميته بأيام الخريف العربي التي جلبت خرابا ودمارا وإضعافا وإنقسامات وتأخرا وشهداء ومصابين وأسر غارقة في المعاناة، منذ ذلك التاريخ، وبعد أن أفسدت ثورة 30 يونية في مصر كل هذه المخططات.
ولكن قدر مصر ومسئوليتها أمام أشقائها العرب جعلها أيضا قبلة للفارين من هذه الصراعات الداميه في ليبيا وسوريا واليمن وأخيرا السودان، ورغم أن دول أوروبا التي تجاهر بأنها ديمقراطيه وأنها تعلي حقوق الإنسان في حريات التعبير والتنقل والإقامه والعمل والعيش وغيره، إلا أنها وفي نفس الوقت ترفض الوافدين إليها، بل ويعتدي أهلها علي الوافدين إليهم وتضيق الخناق على المعيشه والعمل والعباده، كل ذلك يحدث في أعتي ديمقراطيات الغرب.
إقرأ أيضا : الإعلام المصري بحاجة إلى يد حانية من جانب الرئيس السيسي
أما عندنا في مصر فقد فتحت أبوابها للأخوه الليبيين معيشة وتملكا واستثمارا وعملا حتي امتلأت الأسكندريه ومطروح ومدن الظهير الصحراوي الغربي بإقامة الأشقاء من ليبيا وعملهم، ثم جاء الأخوة السوريين ليكونوا أحياءا سوريه في أكتوبر ومدينة نصر والرحاب ومواقع أخري كثيره داخل مصر، بل ويشكلون جانبا كبيرا من اقتصاد اليوم وخاصة في مجال المأكولات والحلويات والملابس، وتلا ذلك إخوتنا من اليمن إقامة وعلاجا وعملا في مجال المأكولات والعطارة وغيرها.
تمتعوا كأبناء مصر
وعاش الجميع بيننا إخوة لافرق بيننا نعيش متجاورين ونأكل سويا وندعم وجودهم وعملهم بيننا، وتمتعوا كأبناء مصر بكل أنواع الدعم المقدم في مجال المواصلات والأكل وغيرها، ثم جاءنا أشقاؤنا من السودان ليقيموا بيننا كأبناء مصر تماما، يتحركون ويتنقلون ويأكلون ويعملون بيننا بلا فرق ولا تصنيف، ولقد تجاوزت أعداد الوافدين من هذه الدول الأربع مايقرب من 10 ملايين عربي منهم مايقرب من 6 ملايين سوداني، ومازال الآلاف منهم ينتظرون دورهم في المعابر والمنافذ لدخول مصر، وأصبح ظهورهم ملحوظا في مناطق كثيرة حتي يتضح أن عددهم يقارب أبناء مصر في بعض أماكن التجمعات الخاصه بهم.
ورغم أن ظروف توافدهم تتزامن مع ظروف اقتصادية طاحنة وحالة غلاء عاتية وإنخفاض سعر عملتنا المحليه، إلا أن مصر لم تتأخر أبدا عن استقبال الأشقاء العرب من دول الصراعات الدامية، والأجمل أن أهل مصر رغم معاناتهم المعيشيه يرحبون في تعبير واضح بقدوم وإقامة الأشقاء العرب ويواسونهم في مايحدث في بلادهم، ويحمد الله أهل مصر كثيرا علي نعمة الاستقرار في بلدهم مما جعل أشقائهم يفرون إليه حفاظا علي حياتهم بعيدا عن أجواء الحروب والصراعات والقتل والنهب والاغتصاب.
إقرأ أيضا : الإعلام المصري في قبضة (أسد جريح) لايسمح بالاقتراب من عرينه!
ورغم أن لجان الإغاثه والإيواء بالأمم المتحدة تحاول دعم مصر لإستيعاب هذه الملايين من الوافدين والعالقين والنازحين واللاجئين إلي مصر، إلا أنه مهما كان الدعم فما تقدمه مصر للوافد إليها أكبر بكثير فهو يتمتع بإقامة ومياه وكهرباء وغاز ومواصلات وطرق وسلع وتداوي كما يتمتع ابن مصر الدافع للضرائب، فلافرق بين الوافد وابن مصر المقيم، وطبعا نرحب كلنا بإخوتنا وأشقائنا في بلدهم الثاني والأخت الكبري قيمة وقامه مصر أم الدنيا وأبيها وسائر أهلها.
أسعار العقارات في مصر
ولكن مع توافد هذه الأعداد الكبيرة ومع أن الوافد هو من يملك تكاليف السفر والمعيشة خارج وطنه أثر هذا الوضع سلبيا على أسعار العقارات تحديدا وأسعار السيارات وبعضا من السلع نظرا لإقبال الوافدين على الشراء بأرقام تفوق سعر السوق المعتاد لدي أهل مصر، فبعد أن كان إيجار شقة سكنية خمس أو ستة آلاف جنيه شهريا قفز ليصبح من 15 – 20 ألف جنيه شهريا في الاماكن المتوسطة مثل الهرم وفيصل وما في مستواهما، وقفز الإيجار في أماكن مثل المهندسين ومدينة نصر وما شابههما إلي 40 و50 ألف جنيه شهريا وكذا المحلات، أما عن أسعار التملك في مصر فحدث ولاحرجت قاربت عنان السماء ارتفاعا، ومغالاة وجشع واستغلالا لظروف هذه الهجرات ذات الأعداد المليونية.
والسؤال هل يمكن كبح جماح هذا الإرتفاع؟، وماذنب الشاب المصري الباحث عن شقة أو محل أو غيره وسط هذا الجنون في تسعير هذه الوحدات السكنية والتجارية؟، وهل يستمر هذا الوضع في المعاناة التسعيريه باستمرار الصراعات في دولنا العربيه الشقيقه؟ أم هل تزيد هذه المغالاة من معاناة أهل مصر الكادحين المصارعين من أجل الحياة أيضا؟، وهل فكرت الحكومة وأزرعها الاستقصائية في دراسة الآثار المترتبة على دخول هذه الملايين إلي مصر وأثر ذلك على تسعير السلع والخدمات والوحدات العقارية؟، ثم هل نحن بحاجه لوزارة للوافدين أو العالقين أو النازحين أو الفارين من مواقع الصراع العربي الدامي.
إقرأ أيضا : (الاحتكار) أجهض كل محاولات تحسين المحتوى الدرامي المصري!
وهل يمكن إنقاذ البسطاء من أهل مصر من زيادة أخري لاتفرضها الحكومة وتفرضها القوه الشرائيه للوافدين مع تدني قيمة عملتنا أما الدولار وعملات عربيه أخرى؟، وهل يمكن تسعير الخدمات والسلع والوحدات للمصريين وآخر للأشقاء الوافدين، أم هل يمكن دعم هذه الأسعار بما تحصل عليه مصر من هيئات الأمم المتحدة نظير كل هذه الاستضافات طويلة الأمد، حتي لاندخل أهلنا البسطاء في سباق تسعير مرتفع لايقدرون عليه بدخولهم الضعيفه وحياتهم المعيشيه التي تتطلب أكثر من قدراتهم المالية.
قدر مصر الكبيرة
إنها مجرد فضفضه حول قدر مصر الكبيرة المستقرة وقدرتها علي الترحاب والاستيعاب، وقدر شعبها الذي يدخل في سباقات ماليه لاقبل له بها، وهل يعي العالم المتقدم هذا الترحاب والاستيعاب والتعايش داخل مصر لشعوب شقيقة ضاقت بها بلادها نتيجة للتدهور الأمني والخدمي والمعيشي جراء هذه الصراعات والحروب، وهل يستحي من تصرف بعض حكوماته وبعض أحزابه وبعض مكوناته من سوء تصرفهم تجاه الفارين من الحروب واللاحثين عن طاقة نور وشباك أمان، لعل هذه الشعوب تستوعب الدرس المصري والتجربة المصريه علها تقلع وبعضا من شعبها عن سوء معاملة الوافدين والمقيمين والفارين إليهم نجاة وطلبا لحياة آمنة.
ولا أطمح أن تعلم هذه الحكومات شعوبها فن وآلية استقبال الوافد بابتسامة حقيقه وترحاب صادق وتعايش سلمي وتقاسم لمكتسبات الحياه اليومية وكفي عليهم الفرار والتنقل وترك الأوطان والأهل والممتلكات، وهذا مطلوب جدا، ورغم كل هذا السرد وإعلامنا في غيبوبته ينعم بتقوقعه، فلو أنه تابع أعداد الوافدين وذهب لأماكن تجمعاتهم وحاور أهالي هذه التجمعات ونقل صورة حضارية للعالم عن سلوك أهل مصر مع القادمين إليها، ولعل إعلامنا يدرك انه كان بمقدوره نقل وتسجيل وحفظ مفردات هذه التجربة المصرية، ولكنه إعلام متكاسل منعزل.
وكان بإمكان هذا الإعلام غير البرامج والنصائح أن يدشن عدة أفلام وثائقية عن الأشقاء في مصر وعن أماكن تجمعهم وعن رفعهم لأسعار الوحدات العقاريه وعن تمتعهم بكل دعم يحصل عليه مصري مستحق، وكان بوسعه إعادة تقديم مصر للعالم وشعبها على أنها الدولة المستقرة الحاضنه لشعوب المنطقه الداعمه لمعيشتهم المقدره لظروف بلادهم، ولكن إعلامنا نفض يديه من الوطن وأهله وأصبح هو من يقرر ماذا يفعل ومتي ولمن ولكن لا ينصحه او يوجهه أحد!
وأخيرا أهلا بأشقائنا في بلدنا وبلدهم، وأصلح الله ظروف أوطانكم، وعدتم سالمين لدياركم، ورفقا بإخوتكم المصريين من حولكم.