بقلم : محمد شمروخ
حتما كان الإعلان هو السبب.. لما ثار الغبار فجأة ودوت أصوات عالية ثم تباطأت حركة السيارت على كوبرى أكتوبر وما لبثت خلال ثوان أن توقفت تماما في الاتجاه القادم من ناحية العباسية، لم أتمكن في البداية من تميز الصوت إلا أننى ظننته صوتا صادرا عن الرياح التى هبت في ظهيرة يوم الخميس الماضي، كما سبق أن جاء في تحذيرات الأرصاد الجوية، لكن ما لفت انتباه سائقي السيارات هو خلو الاتجاه المقابل القادم من رمسيس من أنواع المركبات كافة، ثم ما لبثت أن فوجئت بهرولة بعض الشباب الذين تركوا سياراتهم وترجلوا مستطلعين ما تسبب في شلل الكوبرى.
وتجاوبت نداءات مستغيثة مع ظهور سيارة شرطة تسير عكسيا في الاتجاه المفابل والخالى تماما علي غير العادة من السيارات تماما مما أوجس خيفة في القلوب، ولكن الكثير يرددون مذعورين: يافطة الإعلان يافطة الإعلان.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب : خطايا المجتمع المصري وذنوب الإعلانات !
واكتشفت أنى على بعد ما بين 150 إلى 200 متر من سقوط لافتة إعلانات عملاقة على كوبرى أكتوبر في المنطقة ما بين الكوبرى المعلق والدمرداش، ولم يكن أحد يدرى عدد السيارات تحت اللافتة في البداية حتى تبين أنها من سيارتين إلى ثلاث وكذلك موتوسيكل.
سقوط يافطة الإعلان
وكانت حصيلة سقوط يافطة الإعلان هى مصرع شخص وإصابة أربعة، وهو عدد – ولله الحمد والمنة- أقل بكثير من المتوقع.. ورحمة الله على الفقيد وربنا يكون في عون أهله ونتمنى الشفاء للمصابين جميعاً ونهنئهم مع أهاليهم بنجاتهم.
لكن هل يمر الحادث عرضا، خاصة أن موضع يافطة الإعلان من بين من 15 إلى 20 إعلان تهجم على الكوبرى في تلك المسافة القصيرة وكأنها ستختطف قائد السيارة أو تجبره على التوقف ليطالع ما تعرضه.
والعجيب أن بعضا من لافتات الإعلان تلك يعرض فيديوهات عن المواد الإعلانية يمكن أن تؤثر على تركيز قائدى السيارات في جزء من الكوبري لا تهدأ عليه الحركة ليلاً ونهاراً، بالإضافة إلى أن به انحناءات ويمتاز بالضيق الذي يؤدى لكثافة في عدد السيارات تصل إلى التكدس فى ساعات الذروة أو عند تعطل الحركة على الكوبرى لأي سبب، خاصة عند الاتجاهين المعلقبن من الكوبرى.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف: إعلانات التوعية المصرية تحتاج إلى توعية!
لكن السادة أصحاب امتياز الإعلان في الشركات المتوالية على الكوبرى لا يهتمون بذلك، مدفوعين بأن هذه المنطقة هى من أميز أجزاء كوبرى أكتوبر لنفس الأسباب السابقة، فالانحناءات تتيح وضع اللافتات في مواجهة راكب السيارة فلابد من رؤيتها، فهي ليست مثل اللوحات الجانبية التى لا يكاد يلتفت لها قادة السيارات، كما أن كثافة السيارات مع هذا الجزء الضيق على الكوبري، تجعل من متابعة ما يتم الإعلان عنه أمرا جبريا!
ولا يهم أن تقع حوادث، ولا يهم أن تصاب حركة المرور بالشلل مابين أحياء القاهرة التى يربط كوبري أكتوبر بينها.
غير أن المهم أن هذا الموقع متميز للعرض وليكن ما يكون.
والغريب أن الأضواء الناتجة مع ضخامة اللوحات، تؤثر على الرؤية تأثيرا سلبيا، لكن افلا يكفي أن تشتيت الانتباه مع زغللة الأضواء، يصير سببا كافيا لوقوع كوارث؟!
أسباب سقوط الإعلان
وأول الأسئلة: هل درست وكالات الإعلانات هذه الاحتمالات قبل أن تدير أمور هذه اللافتات وتختار أماكنها وتشرف على كيفية العرض واختيار الأسلوب المناسب للإعلان (كتابة – صور – فيديو)؟!
وسؤال آخر: هل تضع الجهات المانحة لوكالات الإعلانات معايير للالتزام بها ويكون أولها الحرص على سلامة قائدى السيارات بعدم بث مواد فيلمية أو وضع إضاءة مبهرة أو أى شيء يشتت الانتباه؟!
أو على الأقل عدم تأثير الإعلان على حركة السير على كوبرى أكتوبر ذلك الإنجاز العملاق يعد أهم شريان مروري في القاهرة الكبرى وهو عمل معمارى مرورى عملاق يستحق الوصف بأنه إنجاز تاريخى عظيم!.
ونحن هنا لا نطالب بإزالة الإعلانات من جوانب كوبرى أكتوبر، لكن على الأقل يجب أن توضع معايير لهذا الإعلان تراعى كل ما كل سبق!
أعرف تماما أن الإعلان كوسيلة لجذب الأموال، صار له ركن ركين في موارد الجهات المحلية بل أحيانا يصبح جلب الإعلان من بين أهداف بعض المشروعات في تطوير الطرق وإنشاء الكبارى!.
ومن جهة أخرى نجد أنه في كل عام تحدث عواصف ترابية مرتين لاسيما في الربيع حيث رياح الخماسين أو في الخريف المعروف بتقلباته الجوية ما بين الصيف والشتاء.
وفي كل عاصفة تسقط لافتات ولوحات مختلفة الأحجام للإعلانات على الطرق والكبارى أو من أعلى أسطح المبانى وتتسبب في إعاقة الطرق أو في وقوع حوادث وسقوط ضحايا.
ومع ذلك لا يوضع في الاعتبار شدة الرياح، كما أن الرياح التى شهدها يوم الخميس وإن اشتدت أحياناً، لكنها لم تصل سرعتها إلى حد العاصفة وتسميتها بالواصف الترابية جاء على سبيل الشهرة.
الإهمال وراء سقوط الإعلان
وما حدث على كوبرى أكتوبر وتناولته بعض برامج المتابعات الإخبارية على مختلف القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، وكأنه حادث عارض، مع أنه يقع في نطاق الجريمة أو على الأقل الإهمال الجسيم، فمن الواضح أن تثبيت اللوحات العملاقة لم يكن بالقوة التى تمكنها على مقاومة التقلبات الجوية، فسقوطها جاء إثر موجة رياح متوسطة والشدة لم تسقط غيرها، ولكنها لضخامة اللافتة مع ضعف دعائمها سقطت لتوقع الحادث الذي كان من الممكن أن يتضاعف في حال وجود كثافة مرور أكبر على الكوبرى أو لو اشتدت الريح لربما طوحت بعدد من اللوحات العملاقة فتقع الكارثة الأكبر.
إقرأ أيضا : دراما وإعلانات رمضان.. تسطيح الأفكار وسفه يخاصم البسطاء !
إن ما حدث من الممكن أن يتكرر مع مهرجان الضوضاء الإعلانية في منطقة الحادث، ليحصد أرواحا بريئة كل ذنبها أنها تسير على كوبرى أكتوبر
ولابد من متابعة ما بعد التحقيقات، خاصة بعدما طلبت النيابة العامة، الاطلاع على ملف تراخيص اللافتة المنهارة وفحصه وبيان مدى سريانه أو انتهائه، وفي الحالة الأولى بيان مدى الالتزام بأعمال الصيانة بها والمسئول عنها ومدى إجرائها وفق المعايير المحددة بمعرفة جهة الإدارة، وفي حالة انتهائه بيان المتسبب عن بقاء اللافتة بعد انتهاء ترخيصها؛ لتحديد المسئول عن الحادث لاتخاذ الإجراءات القانونية قبله.
لكن المفاجأة التى أسفرت عنها تحقيقات النيابة العامة هو حسب ما ورد في بيان النيابة أنه (سألت النيابة العامة مدير الإيرادات والإعلانات بحي حدائق القبة، فشهد بأن اللافتة محل الحادث منتهية الترخيص، وأن الجهة الإدارية حررت محضرا بمخالفتها في فبراير الماضي، وقدم صورة من ملفها).
وهذا يكفى لمعرفة الإجابة عن أي أسئلة سابقة أو لاحقة حول هذا الحادث!