بقلم : بهاء الدين يوسف
مرة جديدة ولن تكون الأخيرة يصدمنا عدد من الفنانين المصريين على رأسهم محمد فؤاد ، خلال تواجدهم في المملكة العربية السعودية الشقيقة العزيزة علينا جميعا بتصريحات وتصرفات أقل ما يمكن أن توصف به إنها مسيئة لهم أنفسهم في المقام الأول، ثم تسيىء لبلدهم الذي قدمهم للجمهور العربي من المحيط الى الخليج، وأخيرا لجمهورهم الكبير في مصر.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف: الرسائل المبطنة في (سر خالد يوسف الباتع)!
أتحدث هنا عن تصريحات المطرب محمد فؤاد الذي يحتل مكانة مميزة لدى الجيل الذي تفتح وعيه الموسيقي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تحديدا، والذي رغب فيما يبدو بطبيعة ابن البلد البسيط في تحية المملكة على استضافتها له فوقع في شرك إغضاب جمهوره المصري وربما في دول عربية أخرى منه، حين قال ولم يكن موفقا “حلم أني أغني لأحسن ناس على وجه الأرض.
محمد فؤاد وأحمد سعد
وأتحدث أيضا عن تصرف المطرب الشعبي أحمد سعد الذي ظهر في حفل غنائي مرتديا بدلة غريبة الشكل يمكن أن تثير الغمزات حين ترتديها مطربة، حيث يفهمها البعض على إنها محاولة للتغطية على تواضع امكانياتها الصوتية بلفت انتباه المشاهدين الى مفاتنها، فما بالك بصدمة الجمهور المصري حين يرى مطربا يرتدي مثل هذه الملابس الخادشة للحياء، وما يزيد الاستغراب وربما الاستنكار أن أغلب جمهور سعد من أبناء الطبقات الشعبية والبسيطة يرتبطون به عبر صوته الذي يصدح في كاسيت الميكروباص أو السيارة او حتى التوكتوك، ما يعني إنه لم يكن مضطرا بأي شكل للإبهار بارتداء البدلة الغريبة، اللهم إلا إذا كان يستهدف إبهار أشخاص معينين!
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف: وراء كل منظمة عصابية مسؤول فاسد!
دعونا من مناقشة ما فعله أحمد سعد أو ما قاله محمد فؤاد خصوصا أن هناك الكثير من الحبر سال في وصف ما حدث في الصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى في البرامج التليفزيونية، لننتقل الى مناقشة أرحب وهي سبب تكرار وقوع الفنانين المصريين في فخ التقليل من أنفسهم وبلدهم ظنا منهم أن هذا يمكن أن يكون (عربون محبة) للدولة التي تستضيفهم وتشير كل المؤشرات الى إنها تستعد لتكون قبلة الفن العربي في المستقبل القريب، وقد وقع في نفس الفخ من قبل كما أتذكر الفنان حسن الرداد، لكنني لم أجد فيما كتب عن الأمر تساؤلات منطقية من عينة، هل ما فعله ويفعله وسيفعله الفنانون المصريون في الرياض مجرد زلات لسان في محاولة عبيطة لمجاملة الدولة التي تستضيفهم والمسؤول الذي يبالغ فيما يبدو في إكرام وفادتهم؟!
تصرفات محمد فؤاد وأحمد سعد
إذا كان هذا هو الحال مع محمد فؤاد وأحمد سعد فلماذا لم نرد تصرفات مشابهة من فنانين آخرين لمعوا في أزمنة سابقة وفاقت شهرتهم حدود مصر مثل أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وعادل إمام ونور الشريف وغيرهم كثيرون؟!، وإذا كانت الحجة هي تواضع ثقافة الفنانين الذين جاملوا السعودية وجمهورها على حساب جمهورهم في مصر فإن فناني الأجيال السابقة كان بينهم من هم أقل ثقافة ولنا في أم كلثوم نموذجا مثاليا، فهي لم تتلق تعليما دراسيا سوى في كتّاب قريتها البسيطة، ومع ذلك حرصت على أن تحيط نفسها بمجموعة من أبرز مثقفي عصرها وأكثر العقول استنارة بداية من أحمد رامي مرورا بمصطفى أمين وبيرم التونسي وغيرهم، وتعلمت على أيدي هؤلاء ان تنطق بميزان الذهب.
لا شك أن غياب المستشارين المثقفين المحترمين عند محمد فؤاد وأحمد سعد يكون سببا مهما من أسباب التصريحات المعيبة للفنانين وربما الكثير من السياسيين والاقتصاديين أيضا في الفترة الماضية، لكنه ليس سببا وحيدا ولا حتى الأكثر أهمية في اعتقادي وإنما تبدة المشكلة أعمق من ذلك مع الأسف وهي تتعلق بالمجتمع المصري نفسه الذي يعتبر الفنانين مرآة لما يحدث فيه.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: الأغاني الوطنية السرية!
المشكلة تتمثل في تراجع الشعور الوطني لكثير من المصريين لدى محمد فؤاد وأحمد سعد، وهي مشكلة بدأت في الظهور في العقود الأخيرة لكنها تفاقمت مؤخرا مع تدهور الأحوال الاقتصادية العامة وظهور تصريحات رسمية تبالغ في تفخيم المساعدات والمواقف الخليجية، هذه التصريحات التي عكست مشاعر رسمية وشعبية لم تكن معتادة في أزمنة سابقة التي لم يكن الدعم الخليجي يتوقف فيها، لكن استقبال ذلك الدعم لم يكن يُظهر هذا القدر من التواضع المبالغ فيه، وربما أيضا لم يكن أشقائنا في دول الخليج يشعرون أنه بدون دعمهم يمكن للبلاد أن تغرق في ظلام الفقر والديون.
أقول أن هذا الشعور الذي بات عاما ومنتشرا في الكثير من الأوساط والطبقات المختلفة في مصر يمكن أن يكون قد انتقل الى الفنانين، خصوصا ممن يواجهون صعوبة في التواجد على الساحة الفنية في بلدهم، لأسباب ليس هنا مجال مناقشتها، وفي المقابل تُفتح (طاقة النور) وأبواب الأمل أمامهم من الخارج، وفي هذه الحالة يكون تصرفات وتصريحات النجوم منطقية حتى لو لم تكن مقبولة من البعض.