بقلم: محمد شمروخ
لم أستغرب ما حكى عنه صديق لى وقصه على مسامعى، عن حفلة المورتديلا الصاخب لـ جاتسبي الذي تم تنظيمه بمناسبة افتتاح منتجع سكنى جديد في منطقة التجمع الخامس شرقي مدينة القاهرة، فما فيه من صخب وإسراف في شتى المظاهر الاحتفالية، لم يعد مثيرا للتعجب
ليه بقى؟!
لأن الصخب والإسراف الذي يصل إلى حد السفه العمدى في الإنفاق، هو سلوك مقصود لذاته وبذاته، فلن يجد هؤلاء المسرفون السفهاء أى لذة في احتفالاتهم وتجمعاتهم حول جاتسبي أو غيره إلا باستفزاز باقى فئات المجتمع، بل يستمتعون باعتراضهم وغيظهم وحنقهم عليهم، ولن يجدوا غير هذا الحقد الطبقي سبيلا للاستمتاع بوضعهم الطبقى الذي لا يمكن التعبير عنه إلا بهذا الاستفزاز والتلذذ برود الفعل حياله!.
لكن ليست حفلة المورتديلا هذه هو المهم كما قلت لك، فالذي نبهنى إليه صديقي المنتمى ماليا واجتماعيا – وليس سلوكيا – لفئات هؤلاء المستفزين، هو أن هذا الحفل كمثل بقية حفلات الطبقة الاستفزازية، لابد أن يكون له (تيمة، أو سمة، أو أيقونة) وهذا بالكاد ما فهمته، فتلك هى أساسيات الاحتفالات.
وكان سمة هذا الحفل هو جاتسبى العظيم
مين يا خويا؟!
جاتسبي.. أنت ما تعرفش جاتسبي العظيم؟!
إقرأ أيضا : معشوق الملايين .. طَب وبعدين؟!
وأتارى جاتسبى شخصية أمريكية سينمائية شهيرة في رواية الأديب الأمريكي (فرنسيس سكوت فيزجيرالد) الذي أبدعها في منتصف عشرينات القرن الماضي وسخر بها من المجتمع الأمريكي الغارق في عبادة المال، وتم تحويلها لفيلم خمس مرات، أولها في السينما الصامتة سنة 1926 وآخرها في 2013، حيث جسد فيها ليوناردو دي كابريو شخصية جاتسبي العظيم ذلك الثري الفاحش المتفحش الفحشان.
وشخصية جاتسبي روائيا وسينمائيا تم اختصارها، أنه رجل أثرى بطرق ملتوية غير أخلاقية وغير شرعية بتحالفات من ملوك السوق، بداية من تجار الخردة ومهربي الخمور، وحتى زعماء المافيا في عموم زمام الولايات المتحدة الأمريكية -كعادة كثير من الأثرياء الكبار خصوصا في بلاد العم سام- حتى صار على درجة خرافية من الثراء وكالعادة لابد من انكسار عاطفى يحدث لـ جاتسبي الذي كان دافعا له ليستمتع بإذلال الناس الذين يلبون دعوته لحضور حفلات صاخبة ماجنة ينظمها في قصره المنيف، تدور ما بين درجات الإسراف والتبذير والسفه والمجون!.
ومن أهم سمات جاتسبى أنه مغرم بتهزيء ضيوفه ومدعويه في كل حفل، يفعل ذلك فقط رغبة في الاستمتاع (بتهزيئهم) كما يحلو له وبأى وسيلة، متبعا منطق الأغنياء قليلى الأصل من نوعيته وهو بعينه ما يعبر عنه المثل الشعبي المصري (بفلوسي يا كلاب).
والكلاب لا يهمها كيفية إشباع رغبات المعلم جاتسبي، مادام يصرف، ويسرف في الصرف، على أكلهم وشربهم ورقصهم وأبتايزرهم!
ولا أدرى – وكذلك اتفق معى صديقى- هل قصد منظمو الحفل هذا المعنى، لاسيما أن الكمباوند مملوك لأحد أشهر الأثرياء في مصر والذي صار مضربا للمثل في الثراء الفاحش ونموذجا يحذى به في المال والأعمال؟!.
جاتسبي تيمة الحفل
أم أن الذي اقترح عليهم أن يكون جاتسبي العظيم تيمة الحفل، هو المياردير نفسه؟!، خاصة وأنه يهوى الغرائب والمقالب وأن يكون ملفتا مثيرا وأحيانا يسخر من كل شيء حوله وكثيرا ما سببت له سخريته في تويتاته وبوستاته مشاكل كثيرة كان في غنى عنها.
ولكنه يبدو أحيانا كفنان بوهيمي يقوم بتصرفات غريبة تتناقض مع وضعه المالى والاجتماعى والدور “شبه السياسى والتنويري” الذي يصر على لعبه كثيرا ويتعمد فيه الظهور في هيئة (اللى ما بيهموش حد) و(أنا تلاتين عتريس في بعض)
ويعلم جاتسبي أنه محصن ومحمى وليس لأحد سبيل إليه وحصانته وحمايته ليست فقط فى (فلوسه) ولكن في علاقاته الخارجية التى جعلت منه وكأنه يحمل في رأسه مؤسسة عالمية متنقلة يجول بها في العالم عبر طائراته الخاصة.
عموما ربنا يبارك له.. ولكن المؤكد أن المدعوين على الأقل من فئة (التعليم إنترناشيونال أمريكان بريتش آى جى آي بي آي لايكت).. يعنى يا صاحبي أكيد أكيد عارفين حقيقة قصة الحج جاتسبي العظيم، لكن يا ترى وسط الصخب والهرجلة المنظمة في الحفلة، ممكن يخطر ببالهم كده؟!
إقرأ أيضا : هاني شاكر ينهي عصر غربان (المهرجانات) الغارقة في ظلام الجهل والتردي!
وحتى لو خطر يا حج مؤمن.. فهل تعلم أن هناك فرقا أجنبية تم استقدامها خصيصا من هاواى؟.. ده غير الشاشات والدي جيهات وفرق الموسيقات والرقاصين والرقاصات.
يعنى لو حسبتها بالدولار أبو خمسة وتلاتين جنيه ممكن يحصل لك حاجة في مخك!
حفلة جاتسبي في التاسعة
تصدق يا أبو عمو، إن تكلفة ساعة واحدة في حفلة جاتسبي دي التى بدأت حوالى التاسعة بعد حلول الظلام حسب التوقيت الصيفي لشرق القاهرة، وظلت حتى مطلع الفجر، ممكن تكون أكبر من كل ما حصلت عليه أو تكلفته طول عمرك من أموال وكونته من مصروفات وإيرادات ونثريات في مسيرة حياتك بداية من أجرة الداية وحتى نفحة التربي بعد عمر طويل.
ولو حسبت ثمن (الأبتايزر) وحده، فممكن يأكل سكان نجع بحاله لأسبوعين، فطار وغدا وعشا، وسناكس بين الوجبات كمان!.
بس تصدق.. حتى لو كانوا يعرفون حكاية جاتسبي أمريكا العظيم، وأن السيد جاتسبى مصر الجديد، قد أحضرهم بغية الاستهزاء بهم أو حتى السخرية من معيشة طبقته أو سلوكيات شلته، أو حتى للتسلية أو يجوز طقت في دماغه، فإن هذا لن يؤثر فيهم إلا لو أثرت رفرفة يمامة اتمخطرت فوق هرم خوفو، لأن هؤلاء يا قريبي، حضروا خصيصا إلى حفلة الأساس فيها الأكل والشرب والموسيقى والرقص والهجص، ولا يهم الطقوس المحيطة.
فلو مارس جاتسبي العظيم، طقوس عبادة الشيطان لاتبعوه وصبغوا وجوههم بدماء بشرية، ولو طلعت معاه واستسلم لهفهفة نسمات الفجر مع نهاية الحفلة، ثم إذا به وقد قام وأذن بنفسه ليصلى بهم، لتزاحموا للوضوء من ماء البيسين الطاهر وتدافعوا للحاق بالصف الأول!.
بس الصراحة حكاية جاتسبي العظيم، كانت حركة جريئة جدا أيا كان مقترحها!
ولا أستبعد أن يكون بتوع الماركتن بتاع الحفلة فعلوها كنوع من التقليد الأعمى وأن اختيارهم لنموذج ثري فاسد كجاتسبى، جاء خبط عشواء، أو إعجابا بالشخصية كنوع من الاننبهار بكل ما هو أمريكي!.
جاتسبي نتاج متوقع
وعلى فكرة: جاتسبي نتاج متوقع وطبيعي، حسب المنظومة الاقتصادية المنبثقة عن هيمنة الأفكار البرجماتية والتى تبلورت منها النيوليبرالية بشقيها الاجتماعى والاقتصادي والتى أنتجت في النهاية ملامح الثقافة الأنجلوسكسونية والتى تولدت عنه السمات الشخصانية الأمريكية المعاصرة، فجاتسبي أساسا شخص مجتهد جدا، إذ أن اجتهاده في تنمية ثروته، هو المعيار الأساس والوحيد للنجاح، ومن ثم فلا يسأل عن مصادر هذه الثروة، ولابد من التعامل مع هذه الأموال الطائلة من حيث انتهت، لا من حيث بدأت، أى التعامل معه بنظرة (فينومولوجية – هوسرلية)، بغض النظر عن معرفة ما هى (الفينومينولوجبا) ولا من هو (هوسرل).
واعتبرها طريقة ما بعد حداثية، عن طريقة خبيز العيش الفينو، فلا يهم ما هى مكوناته إنما المهم طعمه وسهولة مضغه والاستمتاع بالجبنة السايحة في سندوتشاته!
ليس من المهم من يكون جاتسبى، إن كان بدأ لصا أو محتالا أو مهربا أو قرصانا “كما بدأ الشيخ مورجان عين أعيان الولايات المتحدة الأمريكية على سن ورمح” إنما المهم ماذا انتهى إليه جاتسبي الملقب بالعظيم.
ولا أدرى لماذا تذكرت صديق لى – سامحه الله وتغمده برحمته – كان يعشق أكل المورتديلا مع أنها من لحم الخنزير، إذ أنه في البداية أغراه الاسم وظن أنه أكل الذوات مثل اللانشون والبلوبيف وكانوا أكل الدلع والمدلعين على أيامنا، وراح أحمد بيه يتفاخر بأنه يأكل سندوتشات لانشون ومورتديلا عند بقال كان مشهورا ببيع السندوتشات على عادة كثير من من محلات البقالة الكلاسيكية حتى عهد قريب كما نراهم في الأفلام القديمة.
والمصيبة الحقيقية أنه لما الأستاذ (أحمد) اكتشف أن المورتديلا لحم خنزير، كان قد أدمنها، لكنه تظاهر أنه (ما يهموش أنها خنزيرية المنشأ) بل اعتبر أكلها نوعا من التفاخر والمنظرة بأنه واد مخلص ومقطع السمكة وديلها.. طبعا مش بياكل مورتديلا؟!
فأظن أن نظرية المورتديلا هى الدافع الأساسي للأخ الماركتن بتاع الحفلة، لكن لا أظنها الدافع لو كانت فكرة الباشا صاحب الكمباوند والحفلة والكل كليله والمستحق لقب جاتسبي مصر العظيم عن جدارة، ذلك لأنه رجل غويط جدا، والنعمة أغوط من البيسين اللى كان ممكن يتوضأ منه المدعوون لو أفورت معاه ونسي وقرر يصلى الفجر على أنغام الموسيقى الهاواوية!