علي عبدالستار يكشف سر حذف أبيات من (دع الأيام) للإمام الشافعي
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها.
كتب: أحمد السماحي
أدرك علي عبدالستار سفير الأغنية القطرية منذ بداية مشواره أن معنى الغناء أنه أحد وسائل التعبير الإنساني التى تختزل أعقد المعاني، وأكثرها تركيبا في جمل بسيطة، تمتزج بالإيقاع أو اللحن، ويسهل استيعابها كما يسهل ترديدها، لهذا أقبل منذ بدايته على غناء القصائد.
علي عبدالستار على مدى مشوار لم يبتذل الغناء، ولم يتاجر به في الصالات والجلسات الخاصة، ولم ينزلق إلى الفن الهابط، ولم ينساق خلف الأغنية الشبابية الماجنة، وإنما كان محترما وملتزما بأصول الفن والطرب الراقي العفيف، نشأنا معه وكبرنا معه، وأورث فينا طهر المحبة والسموّ في المشاعر.
علي عبدالستار ودع الأيام
من القصائد الأولى التى قام بغنائها علي عبدالستار قصيدة مهمة للغاية بعنوان (دع الأيام) كلمات الإمام الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان، الذي استمتعنا بجزء من مشواره في المسلسل الجميل الذي عرض في شهر رمضان الماضي رسالة الإمام بطولة خالد النبوي، وإخراج الليث حجو، القصيدة من القصائد التى نجحت بقوة، وساهم اللحن المتسارع في إيقاعه بخفة مع الكلمات لتأكيد معنى التسليم بالقضاء والقدر والإيمان بالله.
إقرأ أيضا : قطر تكرم ابنها البار (علي عبدالستار) فى ليلة غنائية بحضور أمير البلاد
يقول الشاعر في كلمات قصيدته التي غناها علي عبد الستار: (اترك الأيام تتقلب كيفما تشاء، وكُن بالقضاء راضيًا، وتقبّل مرارتها كما تتقبل حلاوتها، واصبر على كلّ حوادثها ونوائبها فلا شيء يدوم بهذه الدنيا، وقابل كلّ ما يُفزعك ويُؤلمك، بجلادة واصطبار، واجعل السماحة والوفاء من خصالك، فهما يرفعان من شأن صاحبهما، وتُغطّى بهما عيوبه وإن كثرت).
ويرجع الشافعي ويقول بداية من جملة (ولا ترى للأعادي، حتى جملة فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ، إياك أن تُظهر شيئًا من ألمك أو محنتك أمام الأعداء، لأنّ محنتك لن تُسبب الحزن في صدورهم بل على العكس سوف تُسعدهم، ولا تأمل من البخيل شيئًا، ومهما اشتدت حاجتك لا تسأله، لأنّه لن يجود عليك، وتوكّل على الله سبحانه وتعالى في رزقك، كما عليك العلم بأنّ التأني والعجلة المصحوبة بالمشقة سيان في طلب الرزق، فما هو مقدر لك ستناله، وحالك في الدنيا متقلّب لا يدوم أبدا، فأنت ما بين بؤس ورخاء وحزن وسرور، وعليك بالقناعة فهي سرّ الرضا والسعادة، وإن قلت مصادر رزقك ستكون بالقناعة كمن ملك الدنيا.
إقرأ أيضا : علي عبدالستار : احتفي باللغة العربية من خلال (ربيع العمر) في عيد الفطر المبارك
وفي نهاية قصيدته بداية من جملة (من نزلت بساحته المنايا) إلى نهاية القصيدة يقول الشاعر: إذا جاء موعد الأجل فلا شيء يحمي الإنسان من الموت لا أرض ولا سماء، وصحيح أنّ الأرض واسعة لكن لا ملاذ من الموت، ويُنهي قصيدته كما بدأها بجملة (دع الأيام)، اترك الأيام وغدرها، فمهما كان غدرها شديد القسوة والإيلام، يكفيك بأنّها ستنتهي بالموت الذي لا دواء له.
على عبدالستار وظروف غنائها
عن ظروف غناء هذه الدرة الغالية يقول المطرب الكبير علي عبدالستار: هذه القصيدة عرضت علي في بداية مشواري الفني تقريبا عام 1979، ونظرا لصغر سني وقلة تجربتي، وعدم ثقافتي في هذا الوقت أعتقدت أن كلماتها تقتصر على الأبيات التى عرضت علي، لكن فيما بعد دخلت كلية (دار العلوم) جامعة القاهرة، وكانت القصيدة من القصائد التى مرت علي أثناء دراستي، وتبحرت في معانيها الرائعة، وعرفت أنني غنيت فقط بعض الأبيات، وليست كل الأبيات.
هذا الأسبوع في باب (محذوفات الأغاني) ننشر كلمات قصيدة (دع الأيام) كاملة مع كتابة كلمات القصيدة المحذوفة باللون الأحمر:
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً
فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي
وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ
فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا
فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن
إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ حِينٍ
فَما يُغني عَنِ المَوتِ الدَواءُ