بقلم الأديب الكبير: حجاج أدول
نعود لفيلم شباب إمرأة، وثنائية شخصية (إمام) الطيب بالفطرة، و(شفاعات) السيئة بالفطرة، فلا ننسى أن اسم (إمام) موازي للقب (الإمام)، ويوحي لنا بأن الذكور كل منهم (إمام)، فعلى هذا الشباب الذي يمثل الذكر الملائكي الذي خدعته الأنثى، عليه الابتعاد عن شفاعات، والتعلق بالسلوى.
ما فعله المخرج الكبير صلاح أبو سيف في شباب امرأة، يهون بجوار ما فعله الثنائي (بديع خيري وسيد درويش) في أغنية (أوعى يمينك أو شمالك)، والأغنية تحذيرية من العيوب السائدة في المجتمع المصري، الأغنية رأت أن المرأة ترتكب عيوبا خطيرة في حق المجتمع!، وبينا للمرأة بعض موبقاتها لتتعظ ولتأخذ حذرها!، فماذا قالت أغنية (ياهون الله)؟، قالت: (ياللي ماشية خطوة خطوة/ طالعة فيها/ عاملة حلوة/ غطي إيدك غطي رجلك غطي وشك غطي صدرك/ أوعى تترقصي في السكة/ أوعى تقولي دا ألا فرانكة/ أوعي تتغمزي بعينيكي، والناس ملمومين حواليكي/ الراجل لو بصبص ليكي/ إيه ذنبه دا الحق عليكي/ يمينك شمالك).
إقرأ أيضا : حجاج أدول يكتب: فيلم الثلاثية وشفاعات (2)
وبمقارنة الأغنية مع فيلم شباب امرأة، نجد أن الغريب أن كاتب هذه الأغنية هو الفنان الكبير بديع خيري!، والغريب أيضا أن ملحنها ومؤديها هو الفنان الكبير سيد درويش!، هل يتخيل أحد أنهما معا يناديان بخنق المرأة؟، يقولا لها (غطي إيدك غطي رجل/ غطي وشك) المقصود والذي تؤكده صور الفيلم المصاحبة للأغنية، أنه يقصد المرأة في الشارع المصري، أي ليست على البلاج ليقول لها غطي صدرك!، هى في الشاعر المصري ترتدي الملاءة اللف وتردي اليشمك!، أي هى محتشمة بالزيادة، لكن التراث يطالب بخنقها أكثر وأكثر، والغريب أن سيد درويش أحب جليلة العالمة، ولما أقصته غنى لها موال (جليلة أم رُكَبْ) أي أحب عالمة فلما أتعبته غنى لها هو وبديع خير مطالبان بسجن المرأة العادية التي تسير في الشارع بملابس أصلا محتشمة!
شباب امرأة وسيد دروش
يقول في الأغنية (الراجل لو بصبص لك/ إيه ذنبه دا الحق عليكي) أليست تلك حجة من حجج المتطرفين؟ رغم أن السيدات في زمن سيد درويش كن محتشمات في الشارع، لكن مهما يكن فالحق عليها!، والآن المماحكات السخيفة من نسبة من الرجال، تقع حتى على المحجبات، لكن السلفية المتخشبة تقول مقولة بديع ودرويش.. (برضة الحق عليها)، وهذا ما حدث ويحدث أيامنها هذه، فالشاب الذي ذبح الطالبة نيرة، مظلوم في نظر قطاع عريض من المجتمع، والمتطرفون قالو إن الحق على نيرة لأنها متبرجة! يقصدون غير محجبة، وقد ألصقوا نعت (متبرجة) لأنه يوحي بالتهتك، لكن عندما قتل قاتل شاب آخر فتاة محجبة وهى (سلمى) صمتوا عن نعت المتبرجة، لكن القطاع الذكوري المتخلف، مستمر في أسلوب (برضة الحق عليكي!).
عودة لدرويش وخيري – بعيد عن فيلم شباب امرأة – الغريب أن الوعي السياسي ممتاز عن الثنائي بديع/ درويش، فلنقرأ تلك الأسطر من نفس الأغنية:
اسمع مني كلمة إن كنت صحيح بدك تخدم
مصر أم الدنيا وتتقدم
لا تقول نصراني ولا مسلم ولا يهودي
يا شيخ اتعلم
اللي الأوطان تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم
أوعى يمينك شمالك.
إقرأ أيضا : هدى العجيمي تكتب : من عام لعام تحيا السينما المصرية
كلمات رائعات، فلماذا كل هذا السمو مرادفا لكل هذا الظلم على المرأة؟، أليس هذا يبين لنا أن تراثنا الظالم للمرأة أعمق مما نظن؟، أليس هذا يبين الازدواجية التي تشق نفوسنا؟، وهذا التراث ليس من وقت الهجمة الوهابية في سبعينيات القرن الماضي، لا، إنه سابق عليه، والوهابية أتت لتضيف طيات من التخلف على طيات سبقتها من التخلف، فنبع التخلف واحد فيهما وهو الشرح القديم الخاطئ لبعض التفاسير الدينية البشرية والتدليس المدسوس في تراثنا الديني، وديننا أجل وأنبل وأسمى من أن يقسو ويَنبذ إنسانا واحدا.
المتع الفنية في شباب امرأة
شباب امرأة، يحوي العديد من المتع الفنية كما يحوي العديد من الرسائل المخفية الطاعنة في إنسانية المرأة، وبالتالي هى رسائل طاعنة في الإنسانية عموما، وعليه أعتبر هذا الفيلم شباب امرأة فيلما تابعا لتراثنا الذكوري الظالم القاسي، اعتبره يحظى برضاء عصابات المتطرفين، فهو يرمي لنفس هدفهم في طي إنسانية المرأة طيا، وإن كانوا سيعترضون على ظهور المرأة بأنوثتها الراغبة، أقول هذا وآتي لما أعلنه الفيلم من بداياته، فقد قال بالمباشرة (إلى كل شاب يغترب عن أهله وبلده طلبًا للعلم، وإلى كل والد يريد أن يحقق لابنه مستقبلا مرموقا نهدى هذا الفيلم.. ليعرف الأول مواطن الزلل فيتجنبها، ويدرك الثاني طريق الاستقامة فيسلكه!).
يا سلام على هذا الكلام!، بداية مخزية لم تؤثر كثيرا في فيلم جميل فنيا مسيء إنسانيا.. بداية يقول الفيلم بكل وضوح: لقد أتينا لسحق المرأة التي خرجت من طوعنا، فتلك المقدمة هو اتهام منذ البداية للمرأة (شفاعات) في فيلم شباب امرأة، هو حكم طائش متهور لقاضي قرر عقوبة السحق من قبل بداية المرافعات، والفيلم كله تأكيد على هذه المقولة الساذجة التي تبين هدف الفيلم منذ البداية، أهذا (صلاح أبو سيف) الفنان المرموق المحترم، أم متطرف من الكارهين المهزوزين؟ أم كانت عينه على شباك التذاكر هو وفريق الفيلم بدليل إحضارهم لشادية لتقوم بدور هامشي لا لزوم له، فقرروا أن ينسابوا في التيار السلفي المتطرف، وأن يسبحوا في التراث الغالب والقائل بكبت المرأة، أن يحولوا السينما من دورها التنويري الأساسي لتتهاوى في الفرع الذين يحاول إطفاء نور التنوير، قرر المسئولون عن الفيلم أن ينالون الرضا فيتكالب الناس على شباك التذاكر فتكون المكاسب المادية، ولتسقط المبادئ ولتنطفئ أنوار التنوير.
نصيحة فيلم شباب امرأة
والملاحظ أن النصيحة المباشرة التي أتيت بها مرتين من وحى فيلم شباب امرأة: (إلى كل شاب يغترب عن أهله وبلده طلبًا للعلم، وإلى كل والد يريد أن يحقق لابنه مستقبلا مرموقا نهدى هذا الفيلم… ليعرف الأول مواطن الزلل فيتجنبها، ويدرك الثاني طريق الاستقامة فيسلكه!)، نصيحة موجهة إلى والد من يغترب وليس للوالدة، ولا حتى للوالدين معا، بل للوالد الذكر، للرجل فقط رغم أن الفيلم يبدأ بالوالدة وهى تبيع الجاموسة من أجل تعليم ابنها! أي البداية المصورة بفنية ممتازة من كل النواحي، والتي تمجد تضحية المرأة الأم، بعكس البداية المكتوبة الضحلة ضد المرأة عموما، والبداية المصورة تُنسى مع توالي المشاهد، وتبقى الرسائل الظلامية لتثبت جوانب من تراثنا الغاشم، تراث دفن إنسانية المرأة، وتخصيص جسدها للنكاح والولادة.
علما بأن هذا المشهد الفني الرافع من المرأة (بالوالدة وهى تبيع الجاموسة من أجل تعليم ابنها) يمحوه مشهد يأتينا فيما بعد فيلم شباب امرأة، مشهد (إمام) وهو يرقب تجمع في الشارع وراقصة شعبية ترقص، تراه شفاعات فتأخذه من أذنه من سط الجمع، وتقوده وهى مستمرة في إمساك أذنه حتى البيت، لماذا؟ لأنه كان يتمعن في جسد الراقصة، ولترقص له شفاعات في شقتها تبين له أنها أمهر في الرقص من تلك الراقصة، وأجمل منها أيضا، لا يهم رقصها أو إن كانت أمهر أو أجمل، يهمنا أنها قادته وهى ممسكة من أذنه من التجمع المزدحم لطول الشارع، لم تحفل أن يشاهد الناس هذا المشهد المهين لعشيقها إمام إهانة بالغة، فهو مُساق من أذنه فصار أقل قيمة من الجاموسة التي ساقتها أمه لتبيعها! طيابة المرأة الأم في البداية، ثم قسوة وتجبر المرأة العاشقة فيما بعد.