بقلم: محمد حبوشة
عندما شاهدت محمد رمضان في مشهده المزري في طائرته الخاصة وهو يلقي عشرات الآلاف من الدولارات بطريقة عشوائية بجواره في الكرسي الذي يجلس عليه، لا أدري لماذا قفز إلى عقلي مشهد حفل تكريم أوبرا وينفري بالذات، هذه الموهوبة السمراء والتي تعد من أيقونات الإعلام الأميركي لربع قرن من النجومية المستحقة، لم يكن حفل الاعتزال تكريما من الجمهور والإعلام لمشوارها المهني الباهر، ولم يكن هذا السبب الأصيل هو السبب لتكريمها، كان الحفل في استاد رياضي بشيكاغو، وحين أعتلت المنصة النجمة أوبرا وينفري في وسط الملعب، أعلنت مذيعة الحفل للجمهور أن 65 ألفا من البشر قد كفلتهم أوبرا عبر مؤسستها الخيرية قبل أكثر من ربع قرن، ولم تتابع إلى أين وصل بهم الحال، وقد جاءوا من كل حدب وصوب ليقولوا لها (شكرا أوبرا)، هؤلاء جميعا قدمت لهم أوبرا وينفري منحا دراسية وحياة كريمة غير منقوصة وبلا منة ودون أن يعرف أحد ذلك وهى أشهر إعلاميي أميركا والعالم.
ذهلت أوبرا وينفري، من المشهد وجاء أبناؤها بمطربة أميركية تغني لها، وأثناء ذلك خرج لها أربعمائة وخمسون طالبا ممثلين لهذا الجمع يسيرون بشمع في منظر بالغ الدلالة كأنها شموع أوبرا لهم في أول حياتهم ترد لها، ثم تحدث خمسة علماء هم نخبة هذا الجمع الكبير وقد أصبحوا أساتذة بجامعة (هارفارد) وباحثين وقادة مجالاتهم بأميركا اليوم وقد تبرعوا بثلاثمائة ألف دولار لمؤسستها الخيرية، وقال أحد العلماء (لولا أوبرا ربما كنت في مكان غير هذا الذي أنا فيه)، لن أقول هنا كم أوبرا لدينا؟، ولكن لا تمزقوا آذاننا أن المجتمعات الغربية لا خير فيها ولا تكاتف بينهم و(أننا خير أمة قد أخرجت للناس) فما فعلته أوبرا ضالة كل مسلم ثري.
حفل تكريم أوبرا وينفري
من شاهد حفل تكريم أوبرا وينفري ، لابد أن يلحظ ذلك الدمع الغزير الذي ذرفته، أنه أغلى من دمع نجاحات ربع قرن من نجاحها المهني، وهو ما يذكرنا عندما غنى الراحل طلال مداح قبل ما يقارب من ربع قرن (عَطْني في ليل اليأس شمعة)، ربما هو ذات الوقت الذي قدمت أوبرا فيه الشمع للناس دون أن تشترط فيهم عرقا أو لونا أو جنسا أو دينا!!!
معقولة؟.. شخص واحد يغير حياة 65 ألف فرد؟ وفى السر؟، ياله من الجمال والرقى والنظافة والأصالة والعراقة والنخوة والشهامة؟، ولعل مشهد اعتزالها يبكيك من الفرحة إننا مازلنا نعيش فى عالم نقى مازال فيه فرسان وأميرات يمتلكن هذا القدر من النبل والإنسانية.
إقرأ أيضا : محمد رمضان .. المشبوه في (مشواره) الفاشل دراميا !
في المقابل يبدو لي أن مشهد محمد رمضان وهو يظهر دولارته – متباهيا بين الحين والآخر – أنه شخص سفيه لايشعر بآلام الناس البسطاء في بلاده التي توجته على عرش النجومية، غير مبالى بما يفعله من أعمال مستفزة ومشينة تؤكد أنه سلط على نفسه فلا يفوت فرصة إلا ويلقي حجرا في المياه الراكدة يحدث دويا علي السوشيال ميديا كي يركب (الترند)، لذا أشفقت عليه ولسان حالي يقول له: عليك أن تعلم علم اليقين أن نفسك أخطر عليك من الشيطان، فهي أصل الشر كله ومصدره إذا لم تروض وتجاهد.
انظر كيف فعلت النفس بالشيطان؟!، جعلته متكبرا رجيما مطرودا من رحمة الله، فقد زينت له نفسه أنه الأفضل، وأنه الأعلى رتبة ووسوست النفس للشيطان أن يعصي أمر الله تعالى بالسجود لأبونا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، لأنه الأرقى فهو من نار وآدم من طين، فنال بذلك اللعنة هو ومن اتبعه إلى يوم الدين.
فالشيطان أنسته نفسه أن العبرة ليست بالمادة الفانية سواء كانت نار أم طين، ولكنها بالنسبة الشريفة إلى رب الكون الذي خلق آدم بيديه ونفخ فيه من روحه، لذا على محمد رمضان أن يدرك حكمة أوبرا وينفري التي تقول: (ما دمت تساعد الآخرين بصمت فأنت تتذكر طوال الوقت أنك إنسان)، هذا ما فهمته وأنأ أشاهد ذلك المنظر الإنساني المهيب والمؤثر والذي يستمطر الدمع في أثناء تكريمها.
محمد رمضان يصحح نفسه
صحيح أن محمد رمضان ، حاول تصحيح موقفه بحذف الصورة التي جلبت له سيلا من السخرية، وفي ذات الوقت استجاب لمنشور الدكتور جمال شعبان، عميد معهد القلب السابق، الذي طالبه الأخير بشراء أجهزة طبية للمستشفيات، بدلا من الاستعراض بالدولارات، في البداية، نشر عميد معهد القلب السابق، عبر حسابه الرسمي على (فيسبوك)، منشورا به صور محمد رمضان، بجانب الدولارات، وكتب: (يا ريت بالدولارات دي، اللي واضح إنك مش محتاج لها، تشتري منظمات كهربية للغلابة الكتير اللي في العناية المركزة وعندهم احتمال السكتة والتوقف القلبي المفاجئ ومحتاجين جهاز لإنقاذ حياتهم، يمكن دا يشفع لك يوم الزحام).
إقرأ أيضا : محمد رمضان يحذف صورة الدولارات بعد سخرية خالد سرحان
من جانبه، رد محمد رمضان، في جانب التعليقات، قائلا: (شكرا يا دكتور، يا ريت تبعتلي أسماء المستشفيات اللي محتاجة الأجهزة وتليفون حضرتك ع الخاص، بينما رد عميد معهد القلب السابق، دكتور جمال شعبان، قائلا: (شكرا على رد حضرتك المحترم، بعت لحضرتك على الخاص رقم التليفون والمرضى في مستشفيات كتير منها معهد القلب.. بيت القلب بتاع الغلابة).
ترى: هل تعلم محمد رمضان راجع نفسه فعلا؟، وهل تعلم من درس أوبرا وينفري التي خلد عملها الإنساني أكثر من 65 ألف إنسان في السر، ولم تعلم عنها وسائل الإعلام أو السوشيال ميديا إلا يوم تكريمها؟
درس شادية لمحمد رمضان
نتمنى أن يكون هذا هو الدرس الأخير لملك الاستفزاز الأول في مصر محمد رمضان، وأن ينتبه إلى أن عمل الخير لايكون على الملأ، وهو أمر ليس بجديد على نجوم الفن المصري والعربي الذين أعرف الكثيرين منهم يقتطعون جزء كبيرا من أموالهم في فعل الخير سرا وفي طي الكتمان، ولن أذكر أسماءهم احتراما لخصوصيتهم في علاقتهم مع الله والناس، فقط أذكر موقفا للراحلة الكبيرة شادية – أكثر من غنت لمصر في تاريخ الغناء – ففي أثناء في عرض مسرحية (ريا وسكينة)، كان الممثلون يتقاضون أجورهم في المسرحية كل 15 يوم، لكل ممثل مظروفا خاصا بيه، إلا شادية الأعلى أجر كانت تتسلم 41 ظرفا، واحد (مليان فلوس) وهذا أجرها عن دورها في المسرحية وأربعين ظرف فاضي.
الست شادية كانت تأخذ الفلوس من المظروف المليان وتضعهم في الأظرف الأربعين الفاضية، وتمر على عمال المسرحية والكومبارس وتعطي لكل واحد مظروفا خاصا به، واللافت للنظر إن شادية لم تكن تستدعيهم ولا ترسل لهم أحد ولكنها بتذهب بنفسها إليهم لتسلمهم مظاريفهم بنفسها، وهذا ليس غريبا على شادية التي ما أن عرفت إن الممثلة الكبيرة سميحة توفيق (الهبلة الحمارة أم بدوي في المسرحية) مريضة بالكبد ظلت تصرف على علاجها لمدة تقترب من 30 عاما حتى وفاة سميحة توفيق في 2010.
وفي بداية الثمانينات علمت شادية إن الدكتور مصطفى محمود يبني مركزا طبيا بجوار مسجده بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، فقامت على الفور بالتبرع بشقتها لبناء أول وحدة لاكتشاف مرض السرطان وكانت الشقة سبع غرف وقيمتها وقتها كان 150 ألف جنيه، يعني أكثر من 10 مليون جنيه حاليا، وسكنت شادية مع والدتها في شقة إيجار بالقرب من حديقة الحيوان بالجيز ، أيضا تبرعت بأرض تملكها في حي الهرم لبناء مجمع طبي، لتؤكد الآية الكريمة (96) في سورة النحل (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).. رحم الله شادية الإنسانة وأسكنها فسيح جناته، وليت محمد رمضان يتعلم درسا آخر من العظيمة شادية.