بقلم الإعلامي: أسامة كامل
مضى عيد ميلاد عادل إمام نجم مصر الجميل يوم (17 مايو)، وكان لابد أن نحتفل بابن المنصورة الأصيل احتفالا شعبيا يليق بهذا الفنان العظيم باعتباره خريج الحارة المصرية الأصيل وخليفة (نجيب الريحاني)، فهو صانع بهجة المصريين والعرب لأكثر من 50 عاما، ولعل ما قدمه عادل إمام خلال أكثر من نصف قرن هو تبويب لمصر الحقيقية، ومعاصرة كل الأحداث وهى عديدة، فقد كان عادل إمام حاضرا ومؤثرا حتي لو مارس القليل من السياسة والدبلوماسية، نعم نحن بلد عادل إمام أبو دم خفيف، إن مجرد ظهور هذا الفنان الجميل يشع الضوء والنور والجمال، وحتى حينما يقدم عملا ربما تختلف أو تتفق ولكن (بننبسط) بالمعني الدارج.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : عادل إمام .. صمت الكبار
قابلت عادل إمام من زمان في (الأهرام)، وقلت له: لماذا تقدم مسرحية واحدة سنوات طويلة وربما لا تستحق؟، وكنت أنتظر أن يغضب، ولكن قال لي: هات ورق وأنا أعمل كل سنة أو حتى كل شهر مسرحية، وبهت الذي كفر.
ربما كان حول عادل إمام مجموعة من المستشارين لم يقدموا كل ما يرغب الجمهور، ولكن كان حرصهم على (عادل) النجم الأول والأخير الذي يدر خيرا كثيرا وأموالا لا تنتهي، فقد كان (عادل) قادرا على تقديم أعمال كثيرة عظيمة، ومع ذلك ترك بصمة كبيرة وأصبح أسطورة تعيش دائما.. كل سنة وأنت جميل وزعيم و أمير الكوميديا في مصر.. سنة حلوة يا عادل إمام.
ولد عادل إمام نجما
لم يكن يدور في خلد عادل إمام إمام أنه سوف يصبح نجم النجوم رغم ما قدمه على مسرح الجامعة مع زملاء جيله، وكان اختيار الأستاذ فؤاد المهندس له ينم عن عبقرية الرجل الذي يحسن انتقاء عناصره، ويتيح لهم الفرصة كاملة، كما فعل مع شويكار (الغندورة) التي قدمت أدوار عديدة قبل (أنا وهو وهى)، ولكن هذه المسرحية كانت بدايتها الحقيقية وأول خطواتها نحو التألق والنجومية في المسرح والإذاعة والتلفزيون، وطبعا السينما حتى ظلت الجماهير تنتظر مسلسل رمضان سنويا بعد المغرب.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب : عادل إمام .. مرض في المزاد !
وبعد نكسة 1967 وتوسع وتعويض الدولة للناس بمساحات كوميدية حتي تسمع (فؤاد المهندس وشويكار) في البرنامج العام، وهنيدي وصفاء أبو السعود في صوت العرب، وأحيانا فاتن حمامة أو شادية في الشرق الأوسط، وربما عمر الشريف أو عبد الحليم حافظ وعادل إمام.
المهندس وعادل إمام
كانت مدرسة (فؤاد المهندس ومدبولي) تقدم عناصر وكوادر لازالت حاضرة بكل أمانة وتعليم واحتراف، وبالطبع من بينهم عادل إمام الذي لم يكن يحلم أن يصل إلى عبقرية (إسماعيل ياسين)، الذي ظل متربعا علي عرش الكوميديا أعواما طويلة، ورسولا للفن المصري في كل الأقطار المتحدثة بالعربية، رغم بعض التحفظات على بعض أعماله، رغم أنه كان يمثل كل شهر أكثر من فيلم، ولم ينجو من الفقر والاستغلال المادي والمعنوي البشع، ولم يجد أهله حق خرجته للأسف الشديد – رحم الله الفنان الذي قدم كل شئ ولم يحصل إلا على المرض والنكران والموت المفاجئ – وهى قصة طويلة وحزينة، وحتى (عبد السلام النابلسي)، الذي تربع على عرش النجم الثاني أكثر من نصف قرن ولم يصل أحد إلى مكانته حتى اليوم، وحينما سعى ليكون النجم الأول فشل فشلا ذريعا وحقق خسارة قاسية وعاد أدراجه إى (نمبر تو).
وكان (النابلسي وإسماعيل ياسين وشكوكو) هم التوليفة التي قدمها (أنور وجدي)، واستحوذ على الشعبية والجماهيرية الضخمة في عصر (يوسف وهبي بك)، النجم الأكبر والأعلى، واحتفظ (فريد شوقي) بمكانة خاصة لا يضاهيه فيها أحد، وحتى الممثل القدير العبقري (عبد المنعم إبراهيم) نجم (ساعة لقلبك) مع فؤاد المهندس ومدبولي، وغيرهم لم يحقق أبدا المركز الأول حتى آخر يوم في حياته.
عادل إمام يشق الطريق الصعب
واستطاع عادل إمام أن يشق طريقه بصعوبة بالغة وقليل من الحظ وكثيرا من الفن والنضال، فقد كان (عادل) جزء من الفقر المصري الذي هو السمة السائدة للأغلبية العظمى من المصريين، تشعر إنه دائما جائعا محروما مريضا وحتى سماته الشخصية لا توحي أنه البطل أو المنقذ أو العملاق عكس (فريد شوقي و رشدي أباظة)، ولكنك لابد أن تتعاطف معه وتشجعه وتنتصر لانتصاره وتحزن لهزائمه.
إقرأ أيضا : أشرف زكي يثير الجدل بتصريحه تكريم عادل إمام بعيدا عن مهرجان القاهرة للدراما
إنه الفلاح المعدم الذي بهرته أضواء المدينة ويبحث عن شاي (أم حسن) في تسريبه زوجة خاله (هياتم)، وما أدراك ما هياتم (الوتكة) وداء تحتك يا خال!، و(سهير رمزي) حين يطير الدخان وهو يحقق كل أحلامه وينتشلها من الفقر و الجوع والانتهاك والاغتصاب، ويموت في ليلة عمره وهو من أصعب وأغرب مشاهد عادل إمام والمخرج أحمد يحيى، وكلما شاهدت هذا المشهد يكاد يغمى على وعلى آخرين.
عادل إمام الضعيف
لقد اكتسح عادل إمام الضعيف الفقير كل من كانوا قبله وربما بعده ولم يأتي أحد بعده، والفرق بين عادل وغيره أنه كان مهموما بقضايا وطنه وأمته العربية والعالم، ومحاط بمثقفين رفيعي المستوى (سمير خفاجة، والعصفوري، وبهجت قمر، ووحيد حامد، ويوسف معاطي، وشريف عرفة، وسمير سيف) والعديد من الأسماء المرموقة.
لم يقف عادل إمام سلبيا ولا خائفا من طيور الظلام ولا الارهاب، بل نزل إليهم في عقر دارهم في (أسيوط) رغم كل الظروف الصعبة، وحينما اتجه (عادل) إلى التليفزيون قدم مسلسلات راقية ومحترمة ولم يلجأ إلى أساليبه في الأفلام التي تغيظ البعض، وهو رجل يحب الحريم ويتغزل ويعاكس ويداعب، وهذه صناعة لا بأس بها، فعلى العكس تماما ظهر في الدراما التلفزيونية رجل مستقيم وليس مثل بعض الشواذ (ولا مؤاخذة) طبعا عارفين نفسهم ومفضوحين.
لدى الكثير جدا مما لم يحكى بعد عن عبقرية عادل إمام، ولكن يبقى أن نقول: إننا سعداء أن خلقنا في عصر عادل إمام.. سنة جديدة سعيدة يا إمام الموهبين.