محمد عبد العظيم.. قدرة سحرية على أداء الكوميدي والترجيدي
بقلم: محمد حبوشة
إذا كان التمثيل هو فن اللعب وهو كل مايتعلق بالحركة والصوت والنص – الحوار – وفيه أيضا دراسة للجوانب النفسية والاجتماعية مع تدريبات متتالية في مختلف الأساليب التي يمارسها الممثل عبر شخصياته المختلفة، فإنه من وجهة نظر الفنان محمد عبد العظيم، الذي تألق في موسم رمضان 2023 – لم يعد فن الممثل أو التمثيل يعتمد على الموهبة فقط إنما هناك الإرادة القوية – للإنسان الممثل – والتي ترتبط في عملية الإبداع الفني وعمل الممثل نفسه ونشاطه الذي يعتمد على الجسد والحركة، بالإضافة إلى جهده والبحث عن ماهو أفضل من خلال عملية الاستعداد والإمكانات التي يتمتع بها، والتي تتطور وتنمو عبر مفهوم التدريبات والتمارين المستمرة – للجسد – لإتقان الحركة وما يصاحبها من أفعال وردود أفعال والتي تبهر المتفرج وتثير أسئلة كثيرة لديه.
أسئلة كثيرة دفعت الفنان (محمد عبد العظيم) وهو في سن الثامنة من عمره إلى أن يتساءل عن قدرات الإنسان – الممثل الذي يعتلي خشبة المسرح – لكي يقدم مهاراته وفنه كحامل خطاب مهم إلى الجمهور من خلال تكثيف الأحداث وإيصال هدف العمل للجمهور عبر وسائله وأدواته في الأداء والإلقاء وقراءة النص وقوة التعبير، موضحا القدرة الفنية والوظيفة الفنية لتلك المهمة، وكثيرا ما سأل نفسه وهو مازال طفلا: ما هو التأثير الحاصل على المتفرج عبر ذلك السحر والمتعة التي يقدمها؟، ودائما ما كان يشغل تفكير (عبد العظيم) سؤال مهم: كيف لنا أن نرى الممثل وهو الذي يمتلك القدرة السحرية على سرد تلك الأحداث وتأدية عمله على خشبة المسرح بشكل مميزا؟، ثم كيف يتعامل مع سينوغرافيا العرض وأهمية توظيفها لخدمته، بالإضافة إلى الإنارة والموسيقى والتنويعات الأخرى.
سلامة نطق وإفصاح محمد عبد العظيم
اكتشف (محمد عبد العظيم) موهبته التمثيلية في مرحلة الدراسة الابتدائية والإعدادية، كما تعلم على يد شقيقته الكبرى أن من صفات الممثل الناجح هى سلامة النطق والافصاح ووضوح الكلمات المنطوقة ومخارج الحروف والتحكم في التنفس، ومن خلال دراسته للشخصية في المسرح على مر العصور، تعرف إلى الكثير من الشخصيات المسرحية مثل (أوديب – أجاممنو- هاملت – عطيل) إلى آخره، وأيضا تعرف على سلوك العديد من الشخصيات المختلفة والمتباينة التي كتبت من قبل كتاب عالميين أمثال (شكسبير – وتشيخوف – ومارلو – وشللر- ولوركا) وغيرهم.
ومع تطور شخصيته كممثل صغير عرف (محمد عبد العظيم) أنه بعد ظهور (ستانسلافسكي) الذي اشترى كتابه (فن إعداد الممثل) وهو لم يزل طالبا في الثانوي، أنه صاحب أهم منهج ومدرسة في فن (التمثيل)، ثم مجيء (بريشت) بمنهجه المختلف عنه بدأت الشخصية المسرحية تأخذ منحى آخر أيضا ومغاير لما كان ماقبل (ستانسلافسكي وبرشت)، ليدرك بعد ذلك أنهما بدأ بالاعتناء بالشخصية وأزيائها ومكياجها وسلوكها، وأيضا أخذ بعين الاعتبار وعي الشخصية والقدرة على تطورها، ثم استيعاب التعليمات والتمارين التي تمارسها هذه الشخصية وفقا للجو التي كانت تعيش به.
محمد عبد العظيم واعيا ومثقفا
أدرك (محمد عبد العظيم) عندما بدأ أولى تجاربة المسرحية الاحترافية ضوابط ومسلمات للقيام بفن (التمثيل) لأي دور من قبل الممثل، واعتبار الممثل خالق للشخصية على خشبة المسرح، وأن خلق الشخصية لها مواصفات متعددة الوجوه لاتقدر بثمن ومن الضروري أن تقدم للجمهور من خلال حالات فنية إبداعية حتى تحفر في الذاكرة، ولابد من قولها هنا جازما: إن يكون الممثل واعيا ومثقفا ويعتمد آلية تمثيل متطورة – ولا يكون متخشبا لاحياة فيه – بل عليه أن يكون يقظا وحساسا وغير اندماجي، وأن يراقب نفسه أثناء العرض المسرحي – أي أثناء عملية التمثيل – لكي لايسبق الشخصية ولا يتخلف عنها ويحدث إرباك في عملية التقديم.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب: (تحت الوصاية) كمان وكمان!
إضافة إلى ذلك آمن (عبد العظيم) أن الممثل يجب أن يتمتع بخيال خصب وأن تكون مخيلته خصبة ومتقدة وأيضا من صفاته أن يتمتع بسرعة البديهية، وحتى يستطيع أيضا أن يسبر غور الشخصية التي يراد تمثيلها من خلال التعرف الجيد على كل الأبعاد التي تتمتع بها تلك الشخصية، يعني بمعنى آخر أن تكون هناك دراسة معمقة في جوانب الشخصية المهمة (البعد الطبيعي البعد الاجتماعي البعد النفسي)، وعليه أيضا أن يعي تاريخ الشخصية وتطورها في مراحلها الانسانية كي يجسدها تجسيدا حيا على خشبة المسرح أو السينما أو التلفزيون، وذلك باعتبار أن الشخصية هى الأساس الجوهري للنص، وهى القلب النابض للحكاية، لذلك قبل البدأ بأي شئ لابد من التعرف بشكل جيد على أسلوب أو جوانيات الشخصية وعلى صفاتها وأوضاعها.
وكما معروف لابد أن نتعرف على الحياة الداخلية للشخصية التي تبدأ من الميلاد وحتى لحظة العرض المسرحي، ونعتبر بذلك الخطوات الأولى التي تكون الشخصية، ثم نحدد ونعرف صفات الحياة الخارجية للشخصية التي تبدأ من اللحظات الأولى للعرض المسرحي إلى نهايته، لذلك فإن الفنان (محمد عبد العظيم) على طول فترة العرض المسرحي يجتهد في أن تنكشف له الشخصية ومحدداتها وصفاتها من خلال مؤشرات مهمة جدا توضح لنا مايلي: (أين ولدت؟ أين تعيش؟، ماعلاقاتها مع الآخرين، ومن ثم يقوم بمتابعة حياتها العاطفية والاجتماعية، وكذلك علاقات هذه الشخصية مع الآخرين في ديمومة تفاعلها سواء كانت ودية طيبة أو عدائية شرسة، أو أيضا بطريقة مختلفة)، وهنا نعني عملية الصراع أي الدراما، وتفاعل الشخصيات مع نفسها أيضا.
محمد عبد العظيم والورشة
ومن خلال بداياته المسرحية التي اكتسب بها خبراته على مسارح (شبرا) والورشة التي التحق بها فيما بعد، رأى (محمد عبد العظيم) أن الفعل الدرامي هو الأساس للشخصية والشخصية هى الفعل لذلك ويتم تجسيد الشخصية بالعرض المسرحي أو على شاشتي السينما والتلفزيون، وتحديد حاجتها وتحديد وجهات النظر فيها، وبعد تحديد هذه الصفات تأكد أن كافة الشخصيات لديها وجهات نظر محددة فردية سواء كان الدور صغيرا أو كبيرا، وكذلك يعني الفعل الدرامي له كيف تسير الأحداث بتفاصيلها المختلفة بحيث تجعل من الفعل عبر الشخصية للوصول إلى نتائج أمرا واقعيا، لأن لكل حدث سبب منطقي تفعله هذه الشخصية أو تلك، ويعتمد هذا في بناء الحدث على الإثارة والتشويق الذي ينبع من تلك الشخصيات.
ومن قراءته للشخصية ولتحديد صفاتها وجد محمد عبد العظيم بأنها: موقف وهى سيرة ذاتية مميزة للشخص، وهى أيضا سلوك، ويعتبر السلوك هو الحدث الدرامي لأن جوهر الشخصية يعني لنا الحدث الدرامي، كما أن هذه الصفات والعلاقات ترتبط ببعضها البعض وتتداخل الواحدة بالأخرى أثناء عملية بناء الشخصية وتحديد شكلها، وبعد ذلك يتضح لنا مايلائم فعلا بناء هذه الشخصية أو تلك، كما أنه توصل إلى أن حب الشخصية في العمل من قبل الممثل يحقق – التقمص أو الاندماج – بين نفس الممثل والشخصية التي يمثلها وهو يقودها بنفس الوقت إلى التمييز بين ماهو عرضي غير هام وبين ما هو يشكل جوهر الانسان ذاته، وهذا الجوهر الذي يبنى عليه الفعل المتداخل في الدور.
إقرأ أيضا : حجاج أدول يكتب : عاصفة فنية (1) .. مسلسل (بـ 100وش)
الفنان محمد عبدالعظيم، الذي ولد في شبرا، وتلقى تعليمه الأول في مدارسها عشق الفن منذ صغره، موضحا ذلك بنفسه: (كنا نصرف على المسرحية لكي تنتج، لذلك دائما أركز على دور الشخصية المعروضة أكثر من معرفة المقابل المادي)، مشيرا إلى أنه لا يطلب مقابل مادي محدد لأي عمل فني، لذلك عندما يعرض عليه الدور إما يوافق أو يرفض دون التحدث في زيادة الأجر أو غيره، متابعا: (الحمد لله مستورة ورضا وفضل ونعمة من ربنا)، وأضاف (عبدالعظيم) خلال حواره مع الإعلامية (قصواء الخلالي)، مقدمة برنامج (في المساء مع قصواء) على قناة cbc، أن مسألة الأجر لا تشغله، وإنما ما يهمه هو قدرته على أداء الدور المعروض بشكل جيد أم لا، ومدى تأثيره في المشاهدينن وهل تغير عند الدور الذي يسبقه أم لا.
محمد عبد العظيم تعلم القيم والمبادئ
يقول الفنان (محمد عبدالعظيم)، إن جيله تعلم القيم والمبادئ من الشارع، حيث كان الأطفال يحترمون الكبار، ورغم ذلك، فقد كان طفلا شقيا، موضحًا: (كنت حريف في الكرة الشراب)، وأضاف: أنه بدأ مشواره مع المسرح عندما طالبا في المرحلة الثانوية، حيث تعلمه على يد رجل بسيط يعمل خطاطا، وكان يعي ويستوعب قواعد المسرح جيدا: (كان مسرحجي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، علمنا براعة الاستهلال وكيف يكون حضوري طاغيا، ووضع مرادف للجملة والكلمة)، وفي أثناء دراسته بالثانوية العامة، تصادف حضور أحد المخرجين للمدرسة لاختيار بعض الشخصيات للمشاركة في مسرحية (العفاريت الزرق)، ليبدأ من هنا أولى خطواته.
وأشار، إلى أنه عمل في الثقافة الجماهيرية ومسرح الهواة حتى اكتسب الموهبة بشكل كبير، واحترف الأساسي كان من خلال فرقة الورشة: (كنت جاهز وعندي قدرات كبيرة، تعلمت حاجات غلط في الهواة، مثل المبالغة في التمثيل، وكان في عشوائية، ولكنني تعلمت من جديد في فرقة الورشة، هذه الفرقة أصقلتني وعلمتني كيف أقف على المسرح، فقد سبق لها أن خرج منها (سيد رجب وعبلة كامل وغيرهما)، ومن هنا ينتمي (محمد عبد العظيم) إلى جيل رائع من الفنانين مثل (بيومي فؤاد وصبري فواز وخالد صالح وخالد الصاوي)، حيث يقول: (كنا نتنافس على الأدوار في مسرح الهناجر بحب وكنا بنساعد بعض، كانت مجموعة هايلة وكلنا كنا نقرأ ونعرف مزيكا).
إقر أ أيضا : “نيللي كريم” تودع النكد بـ “100 وش”
بدأ (محمد عبد العظيم) مشواره الفني منذ بداية التسعينات، قد يكون وجهه معروفا للكثير من الجمهور، ولكن اسمه أصبح متداولا نتيجة مشاركته في فيلم (يوم الدين)، الذي اختير ليمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان (كان) السينمائي في دورته المقبلة الـ 71 – قبل 5 سنوات – وكان شارك للمرة الأولى في مهرجان (كان) السينمائي، حيث كانت هذه المرة من خلال فيلم (اشتباك) الذي افتتح مسابقة (نظرة ما) في المهرجان في دورته الـ 69، وقال إنه لم يكن يتوقع مشاركة الفيلم في مهرجان كان، وكانت مفاجأة اختياره في المسابقة الرسمية لأكبر المهرجانات السينمائية.
مسرح محمد عبد العظيم
وتعتبر بداية (محمد عبد العظيم) الفنية الحقيقية من خلال المسرح في أوائل التسعينات، فقدم أعمالا كثيرا على خشبة المسارح المختلفة، وانضم لفرقة (الورشة المسرحية)، واستمر في الفرقة لمدة 10 سنوات، وكانت تقدم الفرقة عروضا مسرحية في مسارح عدة على مستوى العالم، ثم كانت خطوته الأولى في عالم السينما، من خلال فيلم (كليفتي) مع المخرج محمد خان، بطولة (باسم سمرة ورولا محمود)، ثم توالت مشاركته في عدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية، بأدوار صغيرة إلى أن زادت مساحات الأدوار التي يشارك بها، وقدم الفنان (محمد عبدالعظيم) ما يقرب من 50 عمل فني ومن بعض المسلسلات التي قدمها (البرنس، ولاد تسعة، ملوك الجدعنة، أنصاف مجانين بجزئيه الأول والثاني)، وشارك أيضا في العديد من الأفلام مثل (بالألوان الطبيعية، فاصل ونعود أسماء، مستر أند مسيز عويس، نسر البرية، لا مؤاخذة، الفيل الأزرق، علي معزة وإبراهيم، اشتباك)، إلى بدأت مراحل تألقه في مسلسلات (بـ 100 وش، الجريمة، سوق الكانتو، تحت الوصاية، والكتيبة 101).
(الريس سيد، أو المعلم سيد) في مسلسل تحت الوصاية في رمضان 2023، خطف الأنظار إليه وأصبح حديث مواقع التواصل الإجتماعي بعد هذا الدور مع كلمته الشهيرة (جمبري مزارع)، وهذه ليست المرة الأولي التي يخطف فيها الأنظار إليه فقد كان حديث مواقع التواصل الاجتماعي قبل 3 أعوام من خلال مسلسل (بـ 100 وش) من خلال إفيه (أنا يا بنتي)، وجدد الفنان محمد عبدالعظيم النظر إليه من خلال تقديمه شخصية شخصية شريرة بطابع كوميدي (الريس سيد) خلال أحداث مسلسل (تحت الوصاية، وشخصية (خليل أفندي) الطيبة المسالمة في مسلسل (سوق الكانتو)، وكذلك دوره في (الكتيبة 101) ليرسخ في ذهن الجمهور ممثلا من الوزن الثقيل.
الفن هدف ورسالة عند محمد عبد العظيم
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان (محمد عبد العظيم) الذي يرى أن دور الفن الحقيقي في المجتمع، من المفترض أن يخدم الناس وليس الترفيه فحسب، رغم أن الترفيه والكوميديا مطلوبه كذلك، ولكن إذا كان هناك نوعية أعمال تناقش قضية مهمة مثل (تحت الوصاية) فهذا شئ هام، خاصة مع مناقشة قضية تضرر منها نساء كثيرات، كما أنه إذا كانت نوعية هذه الأعمال تغير قوانين كما حدث في الماضى مثل الفنان (فريد شوقي) وقضيته الشهيرة في فيلم (جعلوني مجرما) وفيلم (أريد حلاً) للسيدة الشاشة فاتن مهم، فكل القضايا جديرة بالاهتمام، كما أن الترفيه مهما في حياة الجمهور شريطة أن يكون له هدف ورسالة.