بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
تفاءل الجميع بالحوار الوطنى منذ انطلاق الدعوة إليه من السيد الرئيس منذ عام كامل، وخلال ذلك العام تقدمت معظم القوى السياسية ممثلة في الأحزاب الشرعية وكذلك الجامعات و المراكز البحثية، وقوى المجتمع على اختلافها من نقابات وجمعيات ومنظمات وإعلاميين ورجال دين، و كذا الأفراد، كل هؤلاء تقدموا بأوراقهم إلى أمانة الحوار، ولكن التحضير استغرق وقتا طويلا – عاما كاملا – مما أصاب البعض بالإحباط، وظنوا أنه سراب، ثم جاء الإعلان عن بدء جلساته ليزيل كل الشكوك، ولكن للأسف الشديد جاءت الجلسة الأولى لتصيبنى بخيبة الأمل!
طوال الوقت وأنا أرفض مقولة أن (الجواب يبان من عنوانه)، فلقد علمتنى الحياة أن بعض العناوين لاتشى ولا تفصح عن المضمون، أو ربما لا تعبر عنها بدقة، ولذا عودت نفسى أن أقرأ (الجواب) حتى النهاية، و لكن للأسف الشديد جاءت الجلسة الأولى للحوار لتحمل رسائل سلبية في رأيي الشخصى – و ربما اتفق معى آخرون – جعلت الحوار يبان من عنوانه، أو على أقل تقدير هى بداية غير موفقة لذلك الحوار.
أولى تلك الرسائل تضمنتها كلمة السياسى المحنك السيد (عمرو موسى) التي جمع فيها تلخيصا لما يدور في عقول المصريين من تساؤلات تخص الأجنحة التي تمكن أى مجتمع من الانطلاق وهما السياسة و الاقتصاد، و لكنه ضرب على وتر حساس عندما ذكر (المحبوسين احتياطيا) وطالب بإغلاق هذا الملف نهائيا، وذلك ما أثار دهشتى فلقد كنت أظن – وليس كل الظن إثم – أن الحوار سيبدأ وكل سجناء الرأي والتعبير خارج السجون، فأولى قواعد الحوار الحقيقى ألا يكون هناك سجناء رأى.
ولكن اتضح ان عدد من أُطلق سراحهم بقرارات قضائية أو عفو رئاسي في (قضايا رأي وتعبير) بلغ 1000 شخص، وفق تقدير سابق تم نشره في الصحف لعضو اللجنة السيد طارق العوضي، وذلك منذ تم تفعيل لجنة العفو الرئاسي بعد انطلاق الدعوة إلى الحوار، و إن كانت بعض التقارير الصحفية ترفع العدد قليلا فربما أضافوا لهم أعداد الغارمين الذين تم الافراج عنهم.
في الحقيقة أن هذه القضية شائكة بسبب عدم وجود شفافيه في إعلان الأعداد الدقيقة لهؤلاء المحبوسين احتياطيا، فبرغم أن الدستور قد حدد سنتين كحد أقصى للحبس الاحتياطي، إلا أن بعض التقارير – لا ندرى صحتها بسبب عدم الشفافية – تقول أن هناك من تخطى هذه المدة بسنوات وذلك عن طريق إلحاقهم بقضايا جديدة، فإذا كان السيد رئيس الجمهورية يسارع بالإفراج عمن صدرت ضدهم أحكاما نهائية بحكم ما يخوله له القانون، فلماذا لا تسارع أيضا الجهات القضائية صاحبة الحق في الإفراج عن هؤلاء؟، وهل البيروقراطية تعوق الإفراج عنهم كما صرح السيد (كمال أبو عيطة) وزير العمل السابق؟
بالطبع نحن لا نتدخل في عمل الجهات القضائية ولا نملك حق انتقادها، و لكن أعتقد أن هذا التساؤل مشروع فيما يخص قضايا الرأي والتعبير، فنحن مع السيد (ضياء رشوان) منسق الحوار الوطنى في سعى الحوار لاستمرار الإفراج عن المحبوسين احتياطيا بوتيرة أكبر وأسرع ، كما قال في كلمته بالجلسة الافتتاحية مضيفا أن تعديل أحكام الحبس الاحتياطي مطروح على لجان الحوار كما أن مجلس النواب يناقش حاليا تعديلا حول نفس القانون.
القضية من وجهة نظرى أوسع وأشمل من تعديل قانون، إنها قضية حرية الرأي والتعبير التي من أجلها يجب تعديل سلوك وتفكير جهات متعددة كالرقابة على المصنفات، وأيضا رفع الرقابة التي يمارسها بعض رؤساء التحرير وبعض المسئولين في أماكن عملهم، أنها قضية ألا يضار شخص في نفسه أو في أقاربه بسبب رأيه، مادام لم يرفع سلاحا أو ينشئ تنظيما يسعى لقلب نظام الحكم.
ثانى الرسائل السلبية التي تمت في الجلسة الافتتاحية، وجعلتنى أحس أنها بداية غير موفقة هو مشاركة شخص تمت إدانته بأحكام قضائية نهائية في عدة قضايا سب وقذف – ومازالت هناك قضايا أخرى في جرائم مشابهة منظورة أمام المحاكم – وتم عزله من منصبه بحكم قضائى!، بأى صفة يحضر هذا الشخص الجلسة الأولى للحوار الوطنى؟ بصفته معزولا؟، وهل يتوافق حضوره وطبيعة حواراته وألفاظه التي يستخدمها مع مدونة السلوك التي وضعتها الأمانة العامة للحوار؟.. أى رسالة للأجيال الجديدة نرسلها بحضور مثل هذا الشخص؟، أن تنطلق ألسنتهم بما يعاقب عليه القانون وفي النهاية ترحب بهم جهة من المفترض أنها ترسم خطى الجمهورية الجديدة؟ أن يسبوا من يشاءوا ثم يجلسون ليخططوا لنا المستقبل؟، وهل للحكومة وجهين أحدهما يعاقبه بالعزل والثانى يغازله بدعوته للحضور؟