- 20:54:58كتب: محمد حبوشة
معروف أن المسلسلات الكوميدية هى أكثر الأعمال التي ينتظر الجمهور عرضها في رمضان أو عبر مواسم أخرى، لأنها وجبة تناسب كل أفراد الأسرة، ويظل نجاح تلك الأعمال مستمرا ما دامت نسبة الضحك عالية، وفي رمضان انتظر الجميع منافسة قوية بين أكبر نجوم الكوميديا لكن جاءت النتائج صادمة في مسلسلات (1000 حمد لله على السلام، مذكرات زوج، الكبير أوي، كشف مستعجل، إكس لانس)، ومع ذلك نجح فقط مسلسلي (الصفارة، وكامل العدد) حتى الآن في إثبات وجودهما، وعلى الرغم من انتظار الجمهور لمباراة في الأداء، من جانب (أحمد مكي ومحمد سعد وأحمد أمين وشيكو وهشام ماجد ودنيا سمير غانم ومصطفى خاطر ومحمد عبدالرحمن) إلا أن النتائج لم تكن مرضية إلى حد الاكتمال في انتزاع الضحك الذي ير القلب.
كان من مفاجآت رمضان غير المتوقعة تحقيق مسلسل – غير مصنف كوميديا – وهو (كامل العدد) نجاحا كبيرا وإشادة نقدية وجماهيرية هائلة، بسبب جرعة الكوميديا التي تسيطر على أحداثه، فجاء مضحك جدا وغير مبتذل، ولا يتعمد لي ذراع الدراما، وكذلك الحال مع مسلسل (الصفارة) لأحمد أمين الذي نجح إلى كبير في السفر عبر الزمن، وربما يكون موضوع المسلسل ليس جديدا لكنه مصنوع بشكل جيد، و(أحمد أمين) ممثل موهوب وحقق نجاحا كبيرا في أعمال كوميدية سابقة، وهذا العام اختار معه في البطولة مجموعة من الممثلين الجيدين، وقدم كوميديا بناءة وهادفة، أما دنيا سمير غانم فكان متوقعا أن تقدم كوميديا جيدة بمسلسل (جت سليمة) وهى ممثلة موهوبة بالطبع ومعروف عنها اختياراتها الذكية، لكن مللا ما اعترى مسلسلها فأخفقت في رسم ابتسامة كاملة على وجوه جمهور متعطش لفنها.
معروف أن (أحمد أمين) أكثر كوميديان موهوب ومضحك في مصر الآن، ما تبقى هو ألا يكتفي بذلك، وأن يدفعه القلق إلى مزيد من الكوميديا التي تفكر بعقل نشط، وألا يقع في فخ الكوميديا الكسولة، ويرجع ذلك لكونه خلال سنوات من عرض برنامج (أمين وشركاه) و(البلاتوه) بذل أمين مجهودا كبيرا في مراكمة المادة التي تقوم على الملاحظة، وراكم مادة هائلة قائمة على الملاحظات الاجتماعية، وطور أداءه مع فريق كتابة موهوب، ومع ممثلين يشبهونه، وربما أيضا يعود السبب إلى أن (أحمد أمين) عالم التمثيل الاحترافي في سن متأخرة، بعد سنوات قضاها كموظف بعائلة وحياة عليه أن يحافظ على استقرارها، ليقلب حياته في مغامرة لا أحد يعرف عواقبها، بسلسلة فيديوهات ساخرة صورها من منزله بأسلوب بدائي كان أشهرها: (كيف تصبح شاعر عامية في 30 ثانية).
على عكس نسبة كبيرة من تاريخ الكوميديا المصرية القائمة على الغباء، قدم أحمد أمين عبر مسلسله (الصفارة)، ومن قبل برنامجه (أمين وشركاه) كوميديا قائمة على الذكاء؛ لأنها بالأساس تستند إلى ذكائه الشخصي وقوة ملاحظته، وهو أمر صعب ومغامر، فكوميديا الغباء بالرغم من أنها تزداد ثقلا وتبلدا يوما بعد يوم، وتخسر أرضا كل يوم، إلا أنها ما زالت سائدة بوصفها خلطة مضمونة، منجية عند نفاد الأفكار، حتى إن نجوما لمعوا في بداية الألفية عرفوا بتقديم كوميديا ذكية في بدايتهم، ومن ضمن أسباب نجاح (أحمد أمين)، أنه لم يكتف هذه المرة بالسخرية من علامات التناقض في نفسه، وفي الطبقة الوسطى، بل رصد أيضا سلوكيات طبقات أخرى من موقف المندهش من غرابة سلوكهم غير النمطي بالنسبة إليه.
ظني أن (ضيق الوقت) والبحث في دوائر ضيقة من المؤلفين والنجوم والمخرجين كان السبب وراء خروج غالبية الأعمال الكوميدية من دون المتوقع، وبالنسبة إلى الكوميديا تحديدا فهى رهان صعب جدا، لذلك يبحث كل ممثل عن فكرة براقة يستطيع من خلالها خلق شخصيات مضحكة وأحداث متجددة، ونحن بكل أسف لا نملك كتاب كوميديا جيدين، لذلك نعاني بشدة قلة النصوص الكوميدية وضعف الأفكار، مما يضطر الممثل إلى وضع أفكار وتصورات خاصة به ويرتجل حتى يخرج بأية نتيجة، لذلك لا أتعجب من مستوى أعمال رمضان الكوميدية في موسم رمضان 2023.
كثيرا ما نبحث عن الكوميديا في حياتنا هروبا من متاعب ومشاغل الحياة وكثير من الضغوط اليومية التي يتعرض لها الفرد بطبيعة الحال، كوميديا نظيفة لها القدرة على جذب المشاهد ليحيا بداخلها مستمتعا بكل لحظة بها متعايشا مع أحداثها، ولعل سنوات كثيرة افتقدت الأعمال الدرامية التي تهتم بالجانب الكوميدي، حتى بعض الأفلام التي كانت تصنف بالكوميدية وتكتسب شهرة واسعة نظرا لكونها منفردة على الساحة الفنية؛ كانت ليست على القدر الذي يرضي رغبة المشاهد في متابعة عملا كوميديا يعيده إلى أجواء الزمن الجميل، تلك الكوميديا التي كانت تحترم عقلية المشاهد وعاداته وتقاليده، ولا تحتوي على إسفاف أو مضمون لا أول له من آخر.
ولهذا فقد نجح مسلسلي (الصفارة، كامل العدد) في استعادة عرش كوميديا الزمن الجميل إلى حدما، تلك الكوميديا الهادئة التي تشعر معها وكأنك انتقلت إلى عالم آخر تحيا فيه حياة بطل المسلسل بتفاصيلها في عالم (شفيق) والذي قام بدوره الفنان أحمد أمين وأخوه (وجيه) والذي قدمه الفنان (طه دسوقي)، ونفس الشيئ ينطبق على الثنائي المتناغم جدا (دينا الشربيني، وشريف سلامة) في تقديم لوحات من البهجة الكوميديا بغلاف اجتماعي راق، وهو ما أمكنا بالضرورة الانتقال بين حلقات المسلسلين وكأنك تقوم بنفسك بالانتقال فيما بينها وأحداثها ومغامراتها، فهولاء (أحمد أمين، وطه دسوقي، ودينا الشربيني، وشريف سلامة) كانوا يقدمون يوميا حالة جديدة بشكل مختلف تحمل الكثير والكثير من المعاني والرسائل الهادفة في مضمونها.
وللحقيقة فإنه في هذين المسلسلين لا تمر حلقة دون أن تجبرك على الضحك والابتسام لتتركك بعد نهايتها في حالة من (النشوة والابتهاج)، وفي الوقت نفسه تقدم لك معنى وهدف، فهي كوميديا ليست فقط لمجرد الضحك وإنما للتأمل والتفكر في الحياة وإدراك مفهوم الرضا بالمقسوم، والسعي في طريقك وما تؤمن به إلى جانب التأكيد على أهمية القيام بالعمل الذي تجيده وتحبه وتجد نفسك به، دون النظر إلى حيوات ناس أخرى ومتابعتها والسعي لتحقيق أحلام يتم استنساخها من آخرين، فلكل منا أحلامه التي يجب أن تكون خاصة به وتتناسب مع حياته وظروفه والأدوات التي وفرها الله سبحانه وتعالى لكل منا؛ فهي تختلف من شخص إلى آخر، لأن الله خلقنا مختلفون ليسعى كل منا في طريقه بما يعود في النهاية بالنفع على الجميع.
الكوميديا ياناس: فن النقد وليست السخرية، وكثيرا مما نراه محسوبا على الكوميديا يدخل في حيز السخرية والتنمر، مخالفا بذلك فطرة العمل الكوميدي، ومما لا شك فيه أن الفن في معناه الحقيقي عبارة عن رسالة يجب أن تهدف إلى الحفاظ على ثوابت وقيم المجتمع مع الحرص على مراعاة تقديم ذلك بشكل لايخلو من المتعة والإبداع، وهذا ينسحب على الأعمال الكوميدية بشكل أساسي، فهي ليست فقط لإضحاك الناس كالنكات التافهة وإلا فقدت قيمتها، ولكن يجب أن يراعى فيها تقديم الفائدة وترسيخ فكرة ما، وذلك بالفعل كان يحدث دائما في أغلب الأعمال الدرامية سواء كانت تلفزيونية أو سينمائية، وهو ما وجدناه هذا العام مجسدا من خلال هذين العملين الرائعين (الصفارة، وكامل العدد).