بقلم : محمد حبوشة
سكت الصوت الجريح عن بث أغاني الشجن المحبب إلى القلوب، توفي الفنان الكويتي عبدالكريم عبدالقادر، أمس الجمعة، وذلك بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ 80 عاماً، وكان الفنان الراحل يعاني من أمراض مزمنة، وقد ساءت حالته في الأيام الأخيرة دخل بعدها إلى (مستشفى جابر) حتى وافته المنية، وامتدت رحلة عطاء الفنان الراحل لأكثر من 60 عاماً، أثرى خلالها الساحة الفنية بالعديد من الأعمال الغنائية. وهو أحد الرموز الفنية في الأغنية الخليجية، وواجهة حضارية للفن في الكويت، استطاع أن يقدم الأغنية العاطفية بهوية خاصة، وتميز عن غيره بأنه يأسر المستمع بفتنة صوته الشجي الحزين، وأن يجعل من الحزن شيئاً جميلا وفخما، ورغم أن اللون الحزين قدمه مجموعة من المطربين إلا أنه تميز عن غيره بتأثير عاطفي وجمالي في الوقت نفسه، وهذه الوضعية لا تتكرر مع فنان آخر إلا فيما ندر، وقد اختزل هذا المطرب القدير في حنجرته الذهبية كتلة من الأحاسيس الندية، والشجن العاطفي العالي والحساسية الفنية، صوتا، وحضورا وتألقا عبر أكثر من أربعين عاما غنى بهم أبدع الكلمات الشعرية والألحان الخالدة، حتى أصبح هو حامل التراث الغنائي الكويتي بتنوع أشكاله من البر والبحر، وفنون القروية بكل أطوارهم، بحيث أصبح سيد الطرب عبر سنوات تجربته الذهبية التي أطلقها باتزان في ألبومات غنائية مازالت خالدة في الوجدان الكويتي والخليجي.
الفنان الكويتي الكبير (عبد الكريم عبد القادر) لقب بـ (الصوت الجريح) في عام 1988، بعد أغنيته الشهيرة (أجر الصوت)، وهو الذي عرف بإطلالته على الشاشة بالدشداشة الكويتية والغترة بذات الكاريزما، ما تستدعي الذاكرة القديمة لدى محبيه ويمر في اللاشعور شريط طويل من الذكريات الاجتماعية والسياسية، وتقفز للمشهد صورة شاب من آواخر الثمانينيات يقود سيارته ويقبض على طرف سيجارته بشفتيه يأخذ شهيقاً بعمق وينفث الدخان للأعلى مع كوبليه: (واليوم أنا عندي خبر وعلمٍ أكيد.. حبيبتي في قلبها حب جديد)، من أغنية (أجر الصوت) التي طرحها الفنان عام 1988 بعنوان (الصوت الجريح)، من كلمات عبداللطيف البناي وألحان أنور عبدالله، وهذه الأغنية التي كانت ملء السمع والبصر آنذاك هى عنوان الألبوم الذي لازمه لقبا إلى اليوم.
(عبد الكريم عبد القادر)، هو أكثر نجوم الغناء الكويتى قدرة وانتشارا على الرغم من أن معطيات ونتائج التقديم والظهور في عالم الغناء العربي قد تجعل من أسماء لا تطاول قامته في موقع يبدو لغير المتخصصين وكأنه يسبق صاحب هذا، إلا أنه أصبح بلا جدال أهم مطربي الجيل الرابع في الأغنية العربية الكويتية، وهو صاحب تاريخ فني ممتد، أثري العديد من الأعمال الناجحة والمميزة التي كان من أحدثها تلك الأغانى التي عبرت عن هموم أمته ، حتى أصبح يعد اسم المطرب عبد الكريم عبد القادر أبرز أسماء الجيل الرابع منها، وهو أيضا أحد أبرز أسماء نجوم هذه الأجيال مجتمعة.
ولد (عبد الكريم عبد القادر) بالكويت عام 1941، عرفت طفولته ظروفا قاسية تركت أثرا في إحساسه وشجنه وطريقة غنائه ليشق طريقه بثبات إلى النجومية في بلده وفي الوطن العربي إجمالا، لكن ظهرت ملكاته الإبداعية منذ الطفولة عبر ارتوائه من الينابيع الأصيلة، فقد نشأ وعاش في كنف أسرة متدينة علمته من الصفر قراءات القرآن الكريم، بل وزادت من اهتماماته بالقراءة فوجهته إلى التجويد والترتيل، فاشتهر صوته الجميل المعبر وهو يدعو للصلاة مؤذنا في مسجد الضاحية التي عاش فيها إلى جانب تلاوة وتجويد القرآن الكريم.
وانطلاقا من الصقل الصوتى في مرحلة بدايات العمر في محراب القرآن الكريم بدأت اهتماماته بالنظم والنغم الجميل تشغل تفكيره مع صحبة الأهل والأصدقاء ممن شجعوا صوته الجميل على غناء الشائع من أعمال التراث الشعبى، أو المعروف من أغانى الكلاسيكيات العربية التي سطعت في سماء الغناء في سنوات بداياته، عبر نجوم هذا الغناء (أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وناظم الغزالي ووديع الصافي وعوض دوخي وشادي الخليج) وغيرهم، وبدأ حياته المهنية كموظف في وزارة الداخلية قبل أن يتفرغ لقسم الموسيقى بوزارة الإعلام، وظل غناء (عبد الكريم عبد القادر) أسير تجارب الاجتهاد الفردي حتى التقى مع الملحن (عبد الرحمن البعيجان) الذي درس الموسيقى دراسة أكاديمية متخصصة في مصر، وكانت أغنيته (تكون ظالم) بداية مرحلة جديدة في الغناء الكويتي وفي غناء هذا المطرب الشجي الذي ساهم في تحديد ملامح صورته الفنية وقسمات خريطته الغنائية بحيث قامت على صوت يعرف كيف يجيد التعبير، وكيف تمكن من تصوير الألحان التي يؤديها، وعبر الإمساك السليم بالطبقة والقدرة على الانتقال من طبقة إلى أخرى، ومن خلال أداء متقن وتمكن لغوي ونطق واضح وسليم.
لحن له كبار الملحنين العرب انطلاقا من (عبدالرحمن البعيجان) مرورا بالراحل (طلال مداح) وصولا إلى (عبدالرب إدريس)، وكلها ألحان أرخت لتاريخ من الحنين والحب واللوعة والأمل بصوت يحمل من الشجن أقصاه ومن الطرب مداه، ولهذا فإن رصيد صوت عبد الكريم عبد القادر من الغناء يضم عشرات وعشرات الأعمال الناضجة والجيدة التي تنتسب بصدق إلى الغناء العربي السليم، وهى أغان لم تقع مثل غيرها في أخطاء الركض وراء الإيقاعات أو النغمات الآسيوية الهندية، حتى على الرغم من تسليمنا بقيم التأثير والتأثر بين موروثاتنا والوافد المقبل إلينا من الخارج بشرط الاحتفاظ بالمكونات الأساسية لشخصيتنا الثقافية.
كما يضم رصيد عبد الكريم عبد القادر الغنائي مراحل عدة نختار منها ما يمثل مرحلته الأولي عبد التعاون مع الملحن عبد الرحمن البعيجان، فكان من أبرز ثمار هذه المرحلة، أغنية (تكون ظالم) وبعدها تأتي أعمال مرحلته الثانية بالتعاون مع ألحان عبد الرب إدريس ويوسف المهنا، ومن أبرز نجاحات هذه المرحلة أغنية (عاشق)، ثم تأتي المرحلة الحالية من مراحل عطاء هذا الصوت العربي المميز، وهى المرحلة الثالثة التي كان من أهم علاماتها الجديدة أغنية المعبرة (وطن النهار) من ألحان سليمان الملا، وكلمات بدر بورسلي، وأغنية (كل العالم) من كلمات أحمد الشرقاوى وتلحين راشد الخضر.
بداية الفنان الكبير (عبد الكريم عبد القادر) الحقيقية في مشواره الفني كانت بالموشحات الدينية بالتعاون مع الملحن عبدالرحمن البغيجان، والملحن الدكتور عبدالرب إدريس خلال مراحله الفنية، كذلك تعاون الكثير من الملحنين منهم (طلال مداح )، فله العديد من الأعمال التي من خلالها حصل العديد من الجوائز، ومن أهم هذه الأعمال ألبوم (شفتك)، والذي يعتبر من أهم الألبومات التي حصلت على جائزة الأسطوانة البرونزية عن ثالث أفضل أغنية، والتي كانت من نصيب أغنية (جمر الوداع)، وذلك في مهرجان الموسيقى العربية في التسعينات، كما حصل المطرب المبدع أيضًا على جائزة أفضل أغنية عام 1998م، عن أغنية (شخبارك) في نفس المهرجان، ولقد كان قد صدر له ألبوم (شفتك عام 1994)، وفى هذه التجربة تعاون مع الكثير الشعراء والملحنين المميزين .
وقد حظيت تلك تجربة (عبد الكريم عبد القادر العريضة برعاية خاصة، حيث أنتج 53 ألبوم غنائي (غير الجلسات والأغاني السنجل)، ومن أبرز الشعراء الذي تعاون معهم فيها (الأمير خالد الفيصل، دايم السيف، الأمير فهد بن خالد، الأمير سعود بن بندر، مبارك الحديبى، الأمير بن عبدالله الفيصل)، ومن أهم ألبوماته ألبوم (الحنين) عام 1993، ثم صدر له ألبوم جديد بعنوان (آن الأوان) عام 1995، وله أيضا العديد من الألبومات والأغنيات التي مازالت تعيش في وجدان محبيه، ومنها: (زوار 1968، مركب غرامي 1970، كون ظالم، وعاشق 1973، غريب (ألبوم صغير) 1976، أعترفلك 1978، تأخرتى 1978، وين مرسالك وباختصار 1980، وداعية 1984، أحوال العاشقين و الله معاي 1986، الجرح الخطير 1987، محال ألبوم 1987، الصوت الجريح 1988، يا داعج العين 1988، أنا ويلي 1989، هذا أنا 1990، أحمدك يا رب – وطني 1991، أسمع صدى صوتك و ما طاعني 1992، ظماي إنت وبين وبينك ألبوم 1993، من بعد غربة 1994، ساعة الفرحة وآن الأوان والحبيبة 1995 ، راجع 1996 أغني لك 1997، شخبارك ألبوم 1998، ودعتها ألبوم 1999.
وفي الألفية الثالثة بدأ مرحلة أخرى من الغناء من الاستديو بعيدا عن خشبات المسرح والحفلات العامة، حيث أصدر عدة ألبومات منها: (وينك ألبوم 2001، من بين الناس عود 2002، رسالة من إمرأة 2004، بسيطة 2005، أشتاق لك 2007، انتظرتك 2010، خذني الوله 2014، مرايا العيون 2015، مالك شبيه 2016، وقفي 2018، بالحيل أحبك 2019، كما صور العديد من الفيديو كليبات لبعض أغانيه مثل أغنية (من بين كل الناس، غريب، عاشق، اشتقتلك، كل الحب، أجر الصوت، مكانه الخال، اشتاقلك، للصبر آخر، بيني وبينك، في عيون البشر)، وغيرها من الأغنيات الرائعة .
وتوالت نجاحات عبد القادر مع الجمهور كأغنية (سرى الليل يا قمرنا، كلمات الدكتور عبد الله العتيبي وألحان أحمد باقر، ورغم شهرته اللافتة للنظر وانتظار جمهوره لجديده بشغف إلا أنه لم يعتلي خشبات أي مسرح منذ منتصف السبعينات، حيث قال مقربون منه إنه تعرض لموقف أغضبه أثناء مشاركته في أحد المهرجانات فأقسم بالله أنه لن يصعد خشبة المسرح مرة أخرى، وهو يرفض كذلك الغناء في حفلات خاصة لأسبابه الخاصة، كما أنه يتحاشى اللقاءات الصحفية مفضلاً الابتعاد عن الأضواء، ورغم كل هذا يعتبر من أهم و أشهر الفنانين الكويتيين، فقد اختار لنفسه طريقة تواصل أخرى مع جمهوره اختزلها في العمل ثم العمل.
سنوات عديدة قضاها المطرب أو الفنان الأول في الكويت منذ بداية السبعينيات وبالتحديد عام 1969 حتى الآن، وهو يتربع عرش الأغنية في الكويت، وكان ألبومه الشهير (الصوت الجريح) الذي حقق نجاحًا في الخليج والعالم العربي نهاية عبدالكريم لسيادة الأغنية الخليجية، وقدم أيضًا لأهل الصيد والبحر وعرفوه بأغنية (محمل الخير) التي كانت تشد عزم الصيادين والبحارة، كما أن رائعته القديمة من ألحان عبدالرحمن البعيجان (عزيز وغالي) فيها مقطع يردده كثيرًا أيضًا في نهاية الأغنية (يا ليت لي جناحين وأسري بليله.. أروح حق نور العين وأرجع بليلة).
عبدالقادر ظهر المرة الوحيدة في حياته على المسرح في حفل دورة الخليج الرابعة وغنى أمام الجمهور لأول مرة أيضًا وقدم أغنيته المعروفة (باعوني)، وهنا لا يتسع المقام كي نحكي عن هذا النجم لأن حياته مليئة بالإثارة والأحداث والكفاح، ولكن باختصار (على ذكر إحدى اغنياته) نقول إنه استمر نجما لامعا في سماء الأغنية رغم أنه غير مختلط بالوسط الفني ولا يحضر المناسبات الفنية إلا في نطاق ضيق، مكتفيًا بتسجيل الألبومات والجلوس مع عائلته طوال مشواره، ومع هذا حقق نجاحا كبيرا وكانت ألبوماته هي التي تتحدث عنه وتنفد من الأسواق بسرعة هائلة وتهافت عليه الشعراء والملحنين لتقديم أعمالهم، وكان يرفض الكثير منها إلا ما يروق له ويناسب قناعته.
المهم جاءت الفترة الأخيرة وجاءت معها شركات الإنتاج المرئية والمسموعة بشروطها التي لم تناسب أبو خالد ومنها الفيديو كليب وحتى إنهم اشترطوا عليه الشعراء والكلمات والملحنين استغلالًا لاسمه، إلا أنه رفض بشدة، ولأنه فنان طيب وحساس ساءت حالته النفسية وجلس في بيته ولم يخفف عنه هذه الحالة إلا أصدقاءه القدامى، كان في قمة توهجه يحرج من بعض الكتاب والملحنين ويقدم أعمالهم إرضاء لهم، وإذا سقطت يأتي بأعمال تمحو الأعمال غير الجيدة مستخدما خبرته كفنان كبير ولأنه يحترم اسمه وفنه وجمهوره صار يرفض أي عمل غير جيد.
عبدالكريم عبدالقادر الذي يتجنب الحديث عن عزوفه سبق أن ذكر في حوار متلفز قديم يوثقه موقع (اليوتيوب) في معرض إجابته على متصلة طرحت عليه السؤال عن سر غياب عن الحضور عربياً، فعلق قائلاً: (أنا مقصر أختي، وكان هذا قراري واختياري، أعرف بأنه أنا بإمكاني الانتشار أكثر من هكذا لو أردت، والسكة واضحة لو أردت بالمشاركة في حفلات ونشاطات ومهرجانات للوصول إلى القلوب والعقول العربية، لأن فننا مو قاصر، الفن في الكويت بفضل الله رائد ومتمكن ومقتدر، وممكن يصل إلى الناس بسهولة والكلمة بفضل الله مفهومة).
قدم (عبد الكريم عبد القادر) خلال مشواره الغنائي الطويل وعبر ألبوماته المتنوعة، أغاني عربية لا تغترب بعيدا عن المدركات والأحاسيس والوجدانيات العربية في وطنه الكويت، حتى ولو تحركت في نطاق الأداء الموسيقى العصري والتناول التوزيعي الحديث، وعبر تناول موسيقى لا يبتعد عن الإطار العلمي في الصيغة والكتابة والعزف والأداء الموسيقى، وكذلك خلال المعالجة التوزيعية والتي قام بها في أغانيه الجديدة كل من (سعيد البنا وميشيل المصري وطارق عاكف)، خصوصا أن غالبية أغاني عبد الكريم عبد القادر من الألوان المسجلة في الاستديوهات.
ولا سيما أن أغانيه تندر في الحفلات التي بات غالبيتها يقدم في غياب التخطيط الغنائي السليم وفي قاعات الفنادق حيث تتراقص الأشياء، وحيث تبدو موائد الطعام التي تحيط بها كالغلاف الهوائي الملوث بالدخان، وهو مناخ لا يصلح فيه الغناء الجميل، بقدر ما تناسبه هذه الألوان المنتشرة هذه الأيام من غناء الزمن الردئ الذي لم تصل عدواه إلى غناء عبد الكريم عبد القادر.
فعبد القادر حرص دائما على أن يكون المحصن ضد تلك الأوبئة الغنائية التي تحاصر كيان الغناء العربي القادر على المقاومة بفعل الجيد والجميل الذي يمكن أن يصمد في وجه الهجمات الغنائية المغولية، والتي قد ينحصر مدي انتشارها إذا قوى الرأي العام المساند للتيار الصحي والسليم في الغناء العربي الجديد، ولهذا يبرهن عطاء صوت (عبد الكريم عبد القادر) على أنه يمتلك طاقة تعينه إذا ما مد الجسور مع أصحاب القصد النبيل من مواهب الغناء العربي المتناثرة على خريطة هذا الغناء في مختلف المناطق العربية، وحيث يبدو عطاء (عبد القادر) الذي أفاد من خبرات الرواد ومن أحلام الشباب من خلال تلك المقدرة المتفردة التي تبدو في تعاونه مع الأجيال الغنائية المختلفة التي أعطت لأغانيه ثمار يانعة يبدو من بينها في صدى الأسماء.
ومن بين تلك الأعمال الرائعة التي نتذكرها تلك الأغنية التي ارتبطت بأدائه وأسلوبه الغنائي أغنية (الصوت الجريح) من كلمات عبد اللطيف البناي وألحان أنور عبد الله، وأغنية (خطاوينا) من كلمات ساهر وألحان سليمان الملا، وأغنية (ما أصعبك) من كلمات بدر بورسلي وألحان راشد الخضر، وأغنية (المسافر) من كلمات عبد اللطيف البناي وألحان أنور عبد الله، وهما أيضا شركاء اللحن والكلمات في أغنية (آخر كلام)، وخلال كل تلك الأعمال كان عبد الكريم عبد القادر باحثا دوما عن النطاق الصوتي الذي يميزه، وعن الأسلوب الغنائي الذي يحمل توقيعه الصوتي، وكان هذا من خلال اجتهاد العثور على اللحن الذي يتجاوز النمطية والتقليدية وحالة التيه في دائرة مفرغة وهو ما تمكن منه أيضا غير التنقيب عن الكلمة الطيبة المعبرة، حيث البداية الصحيحة في الكلمة الأمينة والمخلصة التي تعبر عن موقف ووجهة نظر، ليس في أمور المشاعر والأحاسيس فقط، ولكن أيضا في انفعالات الإنسان الحياتية الثابتة والمتغيرة.
وقد نجح صوت عبد الكريم عبد القادر في تصويبه على هذا الهدف، من خلال اختياراته لاشعار وكتابات (يوسف ناصر وبدر بورسلي والشيخ محمد بن راشد المكتوم وعبد اللطيف البناي ومبارك الحديثي)، وغيرهم من الأسماء التي أعانته في رحلته بين أغاني الأمس واليوم، بحثا عن أغنية الغد، على أن يمتلك قدرته على التعامل مع الأجيال المتباينة، وبحيث استطاع أن يتجاوز جيله والجيل الذي يليه، وها هو يواصل خطواته بالاقتدار نفسه موضحا لأصحاب الأغاني العارضة صدق المقولة القديمة: (أن من ليس له كبير يبحث عن كبير).
وفي مقارنة بين هذا الزمن والزمن الماضي يقول عبد القادر: (لكل زمان دولة ورجال).. ذاك كان عصرا ذهبيا وجميلا بما تعنيه الكلمة من معنى إن كان لناحية الفن أم الجمهور أم الفنانين، والأمر لم يكن يقتصر على الغناء، بل على المسرح والرياضة كذلك، أما اليوم فالتنافس أخذ أشكالاً مختلفة والموضوع دخلت فيه شركات، وكما معروف فإن شركات الإنتاج توقفت، وهذا الأمر ترك أثره على الفن عموما والكويت خصوصا، والشركات معذورة على هذا التوقف، فالأعمال تسرق (عيني عينك)، وفي الماضي كان القانون يمنع بيع النسخ المزوّرة، أما في ظل وجود الإنترنت، فبمجرد طرح الألبوم نجده على المواقع الإلكترونية بعد خمس دقائق، وما هو موجود على الساحة اجتهادات وغالباً ما تكون (سنجل)، أما الألبومات فهي (خسرانة) 100 في المئة.
وفي النهاية نتقدم بخالص التعزية للشعب الكويتي والجمهور العربي لرحيل الصوت العربي الجريح (عبد الكريم عبد القادر)، صاحب المسيرة الفنية الرفيعة التي وضع أسسها المتينة على جناح الشجن المحبب، والذي منح وطنه الكويت روائع وطنية سجلت في التاريخ بحروف من نور .. رحمه الله رحمة واسعة وجل مثواه الجنة بقدر ما أمتعنا عبر تلك المسيرة الفنية الرائعة التي ستظل زادا فنيا رفيعا يعيش عبر الأجيال.