كتب : أحمد السماحي
مع انتهاء شهر رمضان انتهى عرض واحدا من أهم المسلسلات التى عرضت هذا الموسم، وهو (ابتسم أيها الجنرال)، إنتاج شركة (ميتافورا) للإنتاج الفني، تأليف سامر رضوان، إخراج عروة محمد، بطولة النجوم (مكسيم خليل، مازن الناطور، عبدالحكيم قطيفان، ريم علي، غطفان غنوم، سوسن أرشيد، عزة البحرة، مرح جبر، محمد الأحمد) وغيرهم من النجوم.
وتدور أحداث العمل حول أسرة حاكمة متجبرة استولت على مقاليد الحكم في بلد ما لم يحددها المسلسل، وينشأ إثر ذلك صراع بين شقيقين أحدهما ورث الرئاسة عن أبيه، ليتمركز محور الصراع خلال الأحداث حول السلطة والنفوذ في البلد من دون مراعاة مصلحتها أو حقوق مواطنيها.
بدأت الحلقة الأولى من ذروة الأحداث ونقطة مضيئة للغاية وهى اعتراف مثير من شخص يدعى (وضاح فضل الله) عميد مهندس خدم لمدة عشرين سنة في البحوث العلمية، كان يعمل مشرفًا ومهندسا للتخطيط لكافة الملفات الحساسة التي تم تنفيذها في الدولة التى يتحدث عنها المسلسل، ولكن تم الاستغناء عنه وفق أوامر صادرة عن رئيس الدولة (فرات) وذلك رغبةً منه في بدء مرحلة جديدة بتعيين أشخاص جدد.
يعترف (وضاح) في حفل كبير عمد فيه على جمع بعض من رجال ونساء المجتمع المعروفين، وادعى بأنه على علاقة مع كثير من نساء المسؤولين في الدولة التى تدور فيها الأحداث، ومن بينهن (سامية) أخت رئيس الدولة، وهنا بدأ كل شخص من الحضور يعتقد أن زوجته كانت عشيقة هذا الفاسد الذي استفز الحضور بشربه لنخب الموجودات مشيرا بكلامه لنساء الشخصيات الموجودة، ونشر كتيب فيه كل الأسماء مع التفاصيل، لتبدأ أجهزة الاستخبارات في طمس الفضيحة، لكن الضابط يهرب نسخة مصورة عما حدث وتذاع ضمن نشرة أخبار إحدى الفضائيات، وتتفاقم الأحداث!
ومن خلال الحلقات العشر الأولى شاهدنا أحداث ساخنة وصراعا دراميا مليئا بالأحداث والشخصيات الدرامية المتفجرة، واكتشفنا من خلال هذه الحلقات زيف العواطف في هذا المجتمع السياسي، ومن خلال العواطف الزائفة اكتشفنا القيم الزائفة وأحسسنا أن العاطفة ليست إلا جزاءا من السياسة، وأن المجتمع كله الذي تدور فيه الشخصيات ليس إلا بركة آمنه يغرق فيها الطيبون ويعيش الفاسدون لأنهم تعودوا أن يحيوا في العفن به ومن خلاله وبواسطته.
شاهدنا طوال أحداث المسلسل كيف لا تتورع مراكز القوى عن قتل وفضح كل من لا يسير في موكبها أو يعارض في بيع نفسه لها، فرغم مظاهر الأمن والحرية اكتشفنا أننا نعيش عصر الغابات القديم والقتل المنظم والتعذيب وتواطؤ المسئولين وأن لا شيئ تغير! وأعتقد أنه لن يتغير.
لم يحافظ المسلسل على متعته للنهاية فبعد الحلقات العشر الأولى وقع في كثير من المط والتطويل حول صراع الشقيقين (فرات وعاصي) على السلطة، والمؤامرات التى تحاك من جانب كلا الطرفين لبعضهما، وأضعف قوة الرؤية الإحساس بالاعتياد وبأننا لا نرى شيئا جديدا، لكن العمل بدأ يتعافى مجددا ويعود إلى قوته من الحلقة العشرين.
ولأن كاتب السيناريو المبدع الجرئ (سامر رضوان) يؤمن بأن قوة الفن في الإقناع، لهذا رسم لنا في (ابتسم أيها الجنرال) مجتمعا أسودا ظالما، ولكنه أشعرنا بقوة الضرورة، وأحكام المنطق الذي يسيره، وقدم عملا مهما عن هؤلاء الحكام الطغاة الذين لا يهمهم إلا الكرسي الذي يجلسون عليه حتى لو ضحوا بأقرب الناس إليهم.
استطاع (سامر رضوان) أن يرسم بقدرة يحسد عليها كل بقع النور والظلام التى تحيط بهذا الهبوط إلى القاع، واستطاع أن يجعلنا نعايش شخصياته كافة، وأثار العمل جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفتش كثير من رواد (السوشيال ميديا) عن شخصيات الممثلين وتقاربها مع الشخصيات الحقيقية، لكن بعيدا عن تشابه الشخصيات والأحداث مع شخصيات وأحداث سورية معروفة، لكن أعجبني أنه لم يحدد بلد معين تدور فيه الأحداث ولكنه جعل الأحداث تتحدث عن الطغاة الذين يحكمون في كل زمان ومكان.
وأحسن (سامر رضوان) أيضا عندما أظهر مع بداية كل حلقة جملة جديدة هى عبارة عن إحدى حكم كتاب (الأمير) لكاتبه الإيطالي نيكولو ميكافيلي (1469-1527) المعروف بنصائحه الأميرية حول كيفية الاحتفاظ بالسلطة، وهو ذاته صاحب الجملة السياسية الأشهر في العالم (الغاية تبرر الوسيلة).
المشكلة أن مخرج العمل (عروة محمد) لم يحس بإمكانات السيناريو التى وضعت بين يديه ولم يخدمها بإخلاص، وهذا انعكس على الإضاءة، والمونتاج، وكثير من نواحي العمل التقنية الأخرى، وإذا كان مخرج العمل لم يشعر بالألماس الذي بين يديه، لكن أحس كثير من نجوم العمل مثل (مازن الناطور، عبدالحكيم قطيفان، سوسن أرشيد، غطفان غنوم) بهذا الألماس، وبأهمية العمل وبدقة الخيوط المرسومة وبالظلال الكثيرة التى تملأ شخصية كل منهم فأحسنوا التعبير عنها ومعايشتها، وقدم كل واحدا منهم أداءا رائعا سنتوقف عند بعضهم في كتابات مستقلة قريبا جدا.
مسلسل (ابتسم أيها الجنرال) كان يمكن أن يكون واحدا من أهم المسلسلات التى عرضت في تاريخ الدراما العربية، ويكون وثيقة درامية مهمة، لولا الإخراج الضعيف في كثير من الحلقات!، وأداء بطل العمل (مكسيم خليل) العابس والمصطنع طول الوقت، فلم يتلون ولم يتغير منذ الحلقة الأولى وحتى الأخيرة، فهو صاحب حركة الجسد الواحدة والانفعال الواحد والأداء الواحد، أشعرني في كثير من المشاهد بأنه (روبوت) وليس إنسان! رغم أن السيناريو أعطاه الفرصة لتنوع أدائه وتقديم شخصية (فرات) بشكل إنساني بعيدا عن النمطية والآلية، من خلال مشاهد حميمية مثل مشهده وهو يستحم في (البانيو)، وآخر وهو في السرير مع زوجته، وثالث وهو يطمئن على أطفاله، ورغم تعدد هذه المشاهد الإنسانية لكن (مكسيم خليل) أداها كما يؤدي التحية العسكرية، وذلك بشكل آلي ومصطنع ودون أي انفعال على وجهه، ودون أن نرى أسنانه أو تنفرج شفايفه بابتسامة واحدة! حتى عندما انتصر على شقيقه في صراع السلطة لم يبتسم!