بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
جمهور محمد منير ومجاذيبه لم يفهموا أغنيتي له (الناس نامت إلاك) إلا بعد فترة طويلة، حتي أن البعض كان يقول كلما استمع للأغنية: منك لله يا شاعر.. ضيعت منير ودخلته مغارة علي بابا وفي مليون مغارة مجهولة ونفق مظلم!
كنت محايدا، ولم أستمع كثيرا للأغنية لأنني كنت مشغولا بمحمد نوح، الذي أصبحت شبه مقيما عنده في المنزل أو في الاستوديو، كانت ابنته (سحر) لا تفارقه ومعها زوجته الجديدة (ناديه أكرم العجة)، وهى من أب سعودي وأم أمريكية.
كان منير يقول لي دائما: تعرف يا (أبو شادي) إن دي أطول أغنية غنيتها في حياتي، الناس ابتدت تحبها ويطلبوها مني في الحفلات، فاكر الكوبليهات اللي احنا استبعدناها وانت كتبت مكانها.. استخسرتها، بالفعل استمعت من خلال مجانينه ومجاذيبه أكثر من حفله يغني فيها أحد الكوبليهات التي تم استبعادها:
الناس نامت يا غريب..
أرجوكوا.. سيبوني وحيد
بتنادي لإيه يا حبيب..
لبشاير فجر وليد
يمكن يسقينا الشاي
يمكن يعطينا الناي
أنا قد تلهوي وقدود
لو حت الهوي نساي
ثم في حفل آخر، غني كوبليه غير موجود على الشريط أيضا، حيث كنا قد استبعدناه من الأغنية:
إهرب م الخوف و النار..
ما اقدرشي أعيش قلقان
في طريقك ليه محتار
بابحث عن طيف إنسان
يمكن يسقينا الشاي
يمكن يعطينا الناي
أنا قد الهوي و قدود
لو حتي الهوي نساي
كان من المفروض أن تكون الأغنيه مذهب و3 كوبليهات على الأكثر تحولت إلى مذهب و6 كوبليهات.
كان (منير) كلما جلس معي يقول لي: الأغنيه دي هى حدوته مصرية التانية، ويمكن الأولانيه.. خساره نبعد عن بعض يا إبراهيم، وكنت أستمع له وأنا واثق كل الثقه أننا سنفترق في يوم من الأيام، لأن شلل المنتفعين بمنير كثرت وزادت عن اللازم.
عصبيته رهيبة.. قلت له في أحد المرات: أخبار اليوم كاتبة عنك خبر، قولهولي: المطرب النوبي (محمد منير).. استني ما تكملش، يعني ايه المطرب النوبي هما يعني لو نشروا خبر عن (محمد ثروت) هايقولوا المطرب الطنطاوي.. ايه القذارة دي، والله لازم أهزقهم.
منزله منظم.. الأشياء النوبية في كل مكان.. كان يعتز بتمثال سياسي وضعه أمامه يمثل امرأة فمها يشبه الجهاز التناسلي للمرأة، الفم عليه خياطه تمنعها من الحديث.
لم أشاهد عنده لوحة فنيه واحدة، ولا بدلة، السيجارة يشعلها من السيجارة التي قبلها، إلى درجة أنني ظننت أنه يوفر في الكبريت، كانت عصبيته لاتطاق، عندما هاجمه (هاني شاكر) في الكواكب، وقال أنه يشبه (السنكرية) أقسم لي أنه سيرد له الصاع صاعين، حتي لو اضطر أن يشتري صفحة علي حسابه الخاص.
لم أشاهده كثيرا وهو يأكل لأن التدخين كان هو الأساس بالنسبة له، لم أشاهده في حالة هزار مع أي أحد، كان حزينا طول الوقت، كلما قلت له: إنك مطرب عظيم يا منير تدمع عيناه وهو يقول: الله.
في يوم من الأيام وأنا موجود عنده بشقته أقسم أن أرتدي جلبابه النوبي، كان ثقيلا جدا، حضر له الشاعر الكبير (مجدي نجيب) والموسيقار المهذب (يحيى خليل) ومعه شخص آخر عرفني بنفسه: أنا (حسين عثمان) صحفي بمجلة الإذاعه والتليفزيون، أنا غير (حسين عثمان) الناقد الرياضي اللي بيشتغل في الجمهورية.
أعجبني أدبه فقدمت له نفسي: الشاعر (إبراهيم رضوان)، ارتجف جسد الرجل وهو يقول لي: عارفك طبعا كويس جدا جدا.. تعجبت لأنني غير معروف.
أكمل حديثه بعد أن جلس بجانبي: أنا كنت باشتغل في الخليج، فضلت هناك 15 سنه، أول يوم آجي فيه المجلة قابلت (كمال جامع) المذيع.. خدنا بعضنا بالحضن، سألته عن أخبار الإذاعة: قاللي مفيش جديد غير ان شاعر صغير من المنصورة اسمه (إبراهيم رضوان) دخل المبني، دا ايه الجديد فيه.. فلانة حبته والموضوع بقي حديث الكل.
لم أهتز من كلماته فلقد كانت مشاكلي تشغلني جدا وعذابي في سكن (السيدة زينب) و (بين السرايات) يشغلني، كما أن أزمتي الماديه كانت تقتلني، شاعر يسرقه الجميع بما فيهم (هاني شاكر)، ما يتبقي معه من مكافأة التفرغ أرسله لأسرته، و9 إخوات مع أب علي المعاش وأم مريضة.
تمسكي بمبادئي عطلني، دخلت في مشاكل كثيرة مع معظم المتعجرفين الموجودين في الوسط الفني، برامجي في كل مكان، ومع ذلك ليس معي ما يكفي للجلوس على كافتيريا (سوق الحميدية) بباب اللوق حتي أتمكن من طلب كوب شاي لحين حضور أحد، لذلك كنت أصعد على كوبري المشاة الموجود في الميدان، وأظل أراقب الكافتيريا حتي يصل أي شخص أعرفه لأنزل من على الكوبري بسرعة لأجلس معه، وأظل أشرب في أكواب المياه المثلجه.. لاحظت (منى) التي تأتي لنا بالطلبات تلك فكانت تحضر لي أكواب الماء دون أن أطلبها ولا تسألني: تشرب ايه؟
أعود لشقة منير.. استعد (منير وحسين عثمان ويحي خليل ومجدي نجيب) للخروج، فجأه قال لي الشاعر (مجدي نجيب): ماتيجي معانا يا إبراهيم.. رايحين فين؟.. نعزي واحد صاحبنا، قبل أن أرد كان منير قد تكفل بالرد سيبه يا (مجدي) لأنه ها يكملي أغنيه اسمها (البحر معشوقي).
همس لي مجدي نجيب: انت مش عاطي المطلع ده للمطربه فلانة (المسرسعه)؟، وافقته فقال لي: منير هايغني ازاي (بيفكلي طوقي)، وابتسم وخرج معهم.. جلست وحدي حتى أنتهي من الأغنية مع رائحة الدخان التي تسيطر على الشقة التي تشبه المكان الذي تعرض لحريق وما زال مشتعلا.
عاد منير وحده واستمع للأغنية، كعادته أخذ يسأل عن معني بعض الكلمات، كان قد سمع مناقشتي مع (مجدي نجيب)، فقال لي: بس ازاي رجل يقول: (بيفكلي طوقي)، قلت له: المعني يا منير أن البحر يحررني من سجني.
أخذ منير الأغنية أحضر الدف وانطلق في الغناء بلحن عشوائي، قلت له: والله يا محمد اللحن حلو جدا، قال لي: بس أنا مش ملحن يا (أبو رضوي)، الغريب أنه انتهي من اللحن تماما وقام بتسجيله على جهاز كاسيت، قال لي:
ما تجيبشي سيرة ان انا اللي ملحنها لحد ما نلقالها ملحن!، وظل يردد في كلمات الأغنيه التي أقول فيها:
البحر معشوقي..
بيفكلي طوقي
يا حزن جوه القلب
يا بحر يا نسمة
دا كل شيء قسمة
ودي قسمتي في الحب
…………………
يا بحر يا مشاوير
عايزه الأميرة أمير
والصبح عايز ديك
يتوصى بالمجروح
ينده حبيب الروح
ينسى همومه فيك
يا بحر يا نسمة
دا كل شئ قسمة
و دي قسمتي في الحب
…………………
الحضن ليه قلقان
بكره الأوان لو آن
ها يداوي جرح قلوب
يا موج يا متعافي
يا ابو النغم دافي
سلملي ع المحبوب
يا بحر يا نسمة
دا كل شئ قسمة
و دي قسمتي في الحب
…………………
أنده حبيبي هناك
ألقاك بقيت شباك
وبقيت سحابه وبيت
يوم جرحي أهرب ليك
تفرد عشاني إيديك
يا بحر يا حواديت
يا بحر يا نسمة
دا كل شئ قسمة
و دي قسمتي في الحب.
يبدو أن أحد الذين يعملون مع منير قد سرب الأغنيه لمحلات بيع الكاسيت، حيث انتشرت الأغنيه بشكل لم يحدث قبل ذلك لأي أغنيه من أغاني منير، و أصبحت من أشهر أغنياته.
عندما سألوا منير عن ملحن الأغنيه قال لهم: (أحمد منيب)، الأغنية يرددها الكل إلا منير الذي قال أنها من ألحان (منيب) صاحب الفضل الأول والأخير عليه.
بمرور الوقت مات (أحمد منيب)، وكعادة كل المطربين دخل منير في مشاكل مع ورثة (منيب) وصلت إلي المحاكم، كيف سيغني الأغنية والكل يعلم أنها من تلحين (منيب) والورثه في انتظار، حاول منير نسيان الأغنية كلما ذكرته بها يقول لي: اتهيألي الأغنيه دي من تلحين (منيب)، ولا أرد عليه لأنني اختلفت معه بسبب موقفه من عائلة الملحن (أحمد منيب) الذي مات دون أن أتعامل معه.