بقلم: محمود حسونة
المرأة تستطيع، ليس في الدراما فقط ولكن في الحياة أيضاً، والصور التي نشاهدها على الشاشة في بعض المسلسلات لنساء قهرن المستحيل وتجاوزن الأنوثة وتحدين الظروف لم تأت من الخيال ولكنها تعبير عن واقع، بعضها منقول من قصص حقيقية وبعضها مستوحى من شخصيات تعيش بيننا، نعرفها ونتعامل معها ولكننا لا نبصر قوة إرادتها.
ما نشاهده في هذا الموسم الرمضاني من بطولات لنماذج نسائية ركبن الصعب وحطمن القيود التي فرضها عليهن المجتمع، ليس فيه أدنى مبالغة وليس سوى قليل من كثير من النماذج المشرفة المنتشرة في ربوع الأرض المصرية، ولو أراد الدراميون والسينمائيون التعبير عن الإرادة الفولاذية للمرأة لأنتجوا عنها ليس مئات الأعمال بل الآلاف، وكلها تخلو من أي تكرار، فكل عمل لن يشبه إلا نفسه شرط أن يبذل مبدعوه بعض الجهد بحثاً وتنقيباً وكتابة وإخراجاً وتصويراً وتمثيلاً.
في مصر قصص كفاح نسائية تستحق أن تُروى، سواء بهدف الإعلام أو التباهي أو الاضاءة على عورات المجتمع التي لا تزال مصدر قهر للمرأة، أو تسليط الضوء على تقاليد بالية تستحق الانتفاض عليها، أو تسليط الضوء على قوانين عنصرية تستلزم ثورة تشريعية لتغييرها ومحوها من غير رجعة.
عدة مسلسلات كل منها يحكي قصة كفاح ويكشف قصوراً مجتمعياً وقيمياً وقانونياً، فمسلسل (تحت الوصاية) تأليف تأليف خالد وشيرين دياب، وإخراج محمد شاكر خضير، وبطولة المتفردة دائماً منى زكي يضيء على قانون الوصاية التعليمية على الأولاد القصر بعد وفاة الأب والتي تذهب إلى الجد، حيث تدور أحداثه حول ربة منزل وأم لطفلين، تواجه مشاكل مع عائلة زوجها المتوفي، يحتكمون فيها وفي طفليها مالياً ويهددون مستقبلهما التعليمي حيث لا يؤمن الجد بقيمة التعليم في حين تحرص الأم على تعليم ابنها وابنتها، وهو ما يجبرها على التمرد والهروب بهما بحثاً عن الأمان المالي والتعليمي، ولكنه الهروب الذي يتحول جحيماً بسبب نظرة المجتمع للمرأة الأرملة رغم إخفائها خبر وفاة زوجها عن المحيطين بها حتى لا تصبح مطمعاً لهم، ورغم ذلك تتعرض للتحرش والابتزاز وكل أشكال الاضطهاد التي تتعرض لها المرأة في مجتمع ذكوري يؤمن بحق الرجل في كل شيء وعدم أحقية المرأة في أي شيء.
منى زكي تجسد في المسلسل شخصية الأم الأرملة التي تضطر لسرقة مركب زوجها من عائلته وتتعرض لمطاردات من شقيق زوجها العاطل وتقرر تشغيل مركب الصيد بنفسها فتواجه المضايقات المجتمعية من البحرية العاملين معها ومن كبار التجار في السوق، وعندما تقرر إلحاق ابنها بالمدرسة تعترضها التشريعات البالية التي تمنح الجد حق الوصاية وتحرمها من أبسط حقوق الأم التي هي الأكثر حرصاً على مستقبل طفليها والأكثر استعداداً لتقديم حياتها لأجلهما.
حنان في (تحت الوصاية)، نموذج لنساء كثيرات في مصر، سواء في الغبن والقهر النفسي والمجتمعي اللائي يتعرضن له من قانون الوصاية، أو في قصة الكفاح التي عاشتها لانتزاع حقوق طفليها، ولعل هذا المسلسل يحرك القنوات التشريعية لإعادة النظر في هذا القانون.
نادرة في (عملة نادرة) حكاية أخرى، تضيء على الظلم الذي تتعرض له المرأة التي يُتوفى زوجها في الميراث، والقهر الذي تجنيه من عائلته التي تسعى لانتزاع كل حقوقها وحقوق رضيعها منها، ولكنها لا تقبل بالظلم وتقرر الانتقام من عائلة زوجها، شقيقه هو ذاته قاتل زوجها وشقيقها والساعي لاغتصاب حقوقها، ووالده هو قاتل والدها ومدمر حياتها وحياة كل أهل النجع الذي تعيش فيه، تهرب وتقرر الثأر والانتقام. المسلسل تأليف مدحت العدل وإخراج محمد جمال العدل وبطولة نيللي كريم وجومانة مراد وأحمد عيد وجمال سليمان وكمال أبورية.
صفية في (حضرة العمدة) نموذج ثالث يستكمل رحلة المرأة المصرية التي حكمت وقادت المعارك وانتصرت منذ زمن الفراعنة، وللمرأة المعاصرة التي تدير وزارات ومحافظات ومؤسسات كبرى، هي نموذج المراة العمدة في القرية، وهو نموذج حقيقي وموجود في أكثر من قرية بالوجهين القبلي والبحري، امرأة تتصدى للظواهر السلبية في القرية، ولا تقبل أن تكون مجرد ورقة عرقية يديرها الكبار بما يحمي مصالحهم، والمسلسل تأليف ابراهيم عيسى واخراج عادل أديب وتجسد فيه شخصية حضرة العمدة روبي ويشاركها فيه أحمد رزق وسميحة أيوب ومحمد محمود عبدالعزيز ووفاء عامر.
(ستّهم) في المسلسل الذي يحمل اسمها نموذج رابع عن قصة حقيقية، يستعرض مسيرة امرأة تخلت عن أنوثتها شكلاً ومضموناً بعد مقتل زوجها، فترتدي ملابس الرجال وتحلق شعرها، حتى تستطيع تربية أولادها والتصدي لجبروت المجتمع الذي تعيش فيه؛ المسلسل تأليف ناصر عبدالرحمن وإخراج رؤوف عبدالعزيز وبطولة روجينا وإياد نصار وجهاد سعد.
النماذج التي تقدمها الدراما المصرية هذا العام عن قصص كفاح النساء المصريات كثيرة، وستجد حكايات مختلفة تتخلل كل مسلسل، ولكن حنان ونادرة وصفية وستّهم نماذج تمحورت حولها مسلسلات (تحت الوصاية، وعملة نادرة، وحضرة العمدة، وستّهم)، وهى مجرد نماذج للكثير من النساء اللائي يستحققن منا المتابعة.