كتب: محمد حبوشة
تنوعت الصورة المقدمة للمرأة في الدراما الرمضانية هذا العام ما بين السلب والإيجاب، ويتضح تزايد نسب الصور الإيجابية للمرأة عن الصور السلبية في الأعوام الأخيرة للدراما الرمضانية، ويدل ذلك على الاهتمام بإبراز دور المرأة في بناء الأسرة المصرية والمجتمع ككل، كما يعد التزاما إلى حد كبير بالكود الأخلاقي لمعالجة قضايا المرأة في وسائل الإعلام، ولعل الدراما المصرية كان لها نصيب الأسد، إذ تنافس أكثر من مسلسل على إبراز قضايا المرأة بقوالب درامية مختلفة، منها ما يتناول الصراعات التي تتعرض لها المرأة مع أهل الزوج بعد وفاته، وأخرى تتناول العنف ضد المرأة الذي يهدم العلاقة الزوجية، إضافة إلى الأعمال التي تسلط الضوء على كفاح المرأة.
وقد تضمنت المسلسلات العديد من الرسائل المهمة عن المرأة من بينها أهمية (تمكين المرأة ومشاركتها مع الزوج فى الأعباء والمسئوليات المالية والاجتماعية، واهتمام المرأة بأسرتها وقضايا تربية الأبناء، دور المرأة فى تنمية الأسرة، القوة والصلابة واقتحام مجالات العمل غير التقليدية، وضرورة مساندة المرأة اجتماعيا وقانونيا، الحماية الاجتماعية للمرأة)، وقد لوحظ الاهتمام بقضايا المرأة في دراما رمضان هذا العام، إذ ليس من المنطقي أن تبقى صورة المرأة في الأعمال الفنية تقليدية وغير مواكبة لِما حصلت عليه المرأة في السنوات الأخيرة من حقوق وما حققته من إنجازات في مختلف المجالات، وأن المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على المؤلفين الذين من واجبهم أن يتصدوا لكتابة موضوعات تهتم أكثر مناقشة لقضايا المرأة، وذلك بصنع المزيد من المسلسلات التي تهتم بالمرأة.
صحيح أن (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) دعمت قضايا المرأة فى بعض أعمالها التليفزيونية سواء فى الموسم الرمضانى أو خارجه، حيث تلقى الضوء على قضاياها من خلال توليفة درامية مميزة، ويتضح هذا الدعم جليا فى الموسم الرمضانى الذى شهد عرض عدد من المسلسلات تتمحور أحداثها حول قضايا المرأة، ويأتى مسلسل (عملة نادرة) للمخرج ماندو العدل، وبطولة الفنانة نيللى كريم، على رأس المسلسلات التى تهتم بقضايا المرأة هذا العام، حيث يتعرض لقضايا ميراث المرأة فى الصعيد، وهو موضوع جرىء يحسب لـ (المتحدة) التعرض له على صعيد الدراما التليفزيونية.
كما فتحت (المتحدة) ملف قانون الوصاية بعد وفاة الأب أو الزوج، وذلك من خلال أحداث مسلسل (تحت الوصاية) الذى تقدمه الفنانة (منى زكى) فى الموسم الرمضانى، وتوالى دعم (المتحدة) للمرأة من خلال مسلسل (حضرة العمدة) الذى تقوم ببطولته الفنانة روبى، ويناقش أحد الإنجازات التى وصلت لها المرأة أخيرا، وتتمثل فى الوصول إلى كرسى العمدة.
لكني لست أدري لماذا تجاهلت الشركة الوطنية واحدة من بين أبرز قضايا المرأة التي عالجتها دراما رمضان مؤخرا مسلسل (ستهم) الذي استعرض قضية (الميراث) المزمنة من ناحية، ومن ناحية أخرج عرض تجارب أربعة نساء، فقد اختارت الفنانة (روجينا) أن تخوض دراما رمضان هذا العام بعدد من القصص الإنسانية لسيدات خضن تحد كبير فى حياتهن، حيث تدور أحداث المسلسل حول سيرة 4 سيدات مكافحات، حصلن على إشادات مجتمعية ضخمة منهن الست (أم فارس) التى تعمل أسطى كهربائية فى التأسيس والتشطيبات، وسيدة أخرى تعمل فى مصنع طوب بمحافظة الدقهلية، والسيدة عفاف من سيدات الصعيد المكافحات حيث ترتدى جلبابا صعيديّا واشتهرت فى مجال بيع البطيخ وسط كبار التجار، بالإضافة إلى السيدة (بهية) التى اضطرت للعمل فى مهن شاقة بعدما باعت كليتها مقابل تسديد ديونها وتعرض زوجها لحادث، علما بأن هذه السيدات حظين بلقاء الرئيسي السيسي في بعض لقاءاته.
ومن ثم كان ينبغي على المتحدة أن تنتج مسلسل (ستهم) وألا تتركه لشركة صغيرة ولا يتم عرضه على على قناة المحور على استحياء، وقناة النهار أيضا، بينما تم عرضه بكثافة على قناتي (روتانا وart)، وتم تجاهل عرضه على منصة (وواتش إت)، مع أنه يتحدث عن قضية مصرية 100%، وكأن هنالك شبهة قصد أو ربما عدم وعي بأهمية تبني الدراما الأكثر جدية في معالجة قضايا المرأة على حساب مسلسلات أخرى تضرب بعرض الحائط كل القيم والأعراف المتعارف عليها، وكأن القائمين على هذه الشركة.
ربما لم تنتبه إدارة المتحدة إلى أن (ستهم) على نفس الأهمية مثل (عملة نادرة، وحضرة العمدة) يتحدث عن كون المرأة الطرف الأضعف دائما في الحياة الأسرية، سواء كانت أما أو زوجة أم ابنة، يمارس عليها العنف بكافة أشكاله وألوانه، والمبرر يبقى أنها كائن ضعيف لا حول لها ولا قوة، ولا يحق لها الرد أو الشكوى على فعل العنف الذي يمارس ضدها، فأثروا غض الطرف مع أنه دراما واقعية حديثة يتحدث عن كفاح المرأة المصرية التي اهتم بها الرئيس وكأنه يعملون عكس التيار الوطنى الذي يحرص عليه الرئيس في كل أحاديثه عن المرأة والاهتمام بشئونها.. أي عقلية تلك التي تحكم هذا الشركة التي ينبغي أن تساند الرئيس في مساعيه للارتقاء بشأن المرأة المصرية، لا أن تغض الطرف هكذا لتسمح للكتائب الإخوانية بالتشفي في الدراما التي تنتجها متحدية إرادة الجماهير؟
للأسف فإن الدراما التي أنتجت هذا الموسم خارج أسوار (المتحدة) هذا الموسم دور في إبراز هذا العنف الذي يمارس على المرأة في مسلسل (ستهم)، كما حدث من جانب (رماح) بشكل واضح، حيث تناول المسلسل عدة قضايا مختلفة للعنف ضد المرأة على حد سواء وباختلاف أدوارها الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة، وتم طرح تلك القضايا بشكل جريء ومختلف، ولكن على أرض الواقع ما زال الرجل يتمادى في عنفه غير آبه، وكأنه مرفع عن المرأة وأنها كائن هزيل لا يستحق الحياة ويحاول طوال الوقت أن يدوس بقدميه عليها.
ألم يلفت نظرا إدارة الشركة (المتحدة للخدمات الإعلامية) إشادة رئيسة (المجلس القومي لحقوق المرأة) في مصر (مايا مرسي) بالمسلسل وكتبت عبر (فيس بوك): (تحية لروجينا.. فنانة قادرة نجحت في أن تنقل أحاسيس صعبة عن الأم والمرأة المصرية في أصعب الأوقات والمفاجأة ابنتها مريم زكي فنانة شاطرة)، وأضافت: (قصة سيدة مثابرة لم تطلب غير حقها في ميراثها، عاشت في ملابس الرجال للحماية.. وهل تحمي ملابس الرجال المرأة من فكر مجتمع ذكوري؟).
من جانبها ردت الفنانة (روجينا)، على هذه الإشادة خلال تصريحات خاصة قائلة: (سعدت بكلام الدكتورة مايا مرسي وأشكرها على هذه الرسالة، لأننا بالفعل كنا نتمنى أن تكون رسالة المسلسل جزءا بسيطا فى تسليط الضوء على قضية مجتمعية هامة تخص المرأة وخاصةً قضايا الصعيد)، وأضافت أنها تعتبر هذا المسلسل (تكليفا من الله لاختيار قضايا تمس المرأة ومناقشتها أمام الجماهير، وتسهم في حلها)، لافتة إلى أنها ستحرص خلال أعمالها الفنية المقبلة، على إيلاء المزيد من الاهتمام لهذه النوعية من القضايا وتوجيه رسائل شكر للسيدات اللاتي تكافحن في الحياة.
ثم ألم يلفت نظر إدارة (المتحدة) أيضا التي أنتجت مسلسلات تنال من حقوق المرأة وتتمادى في إهانتها، مثل (جعفر العمدة، ضرب نار) نموذجا، وغيرها من أعمال أخرى تقدم رسائل سلبية، بيان نقابة المهن السينمائية التي أشادت فيه بفريق عمل مسلسل (ستهم)، واصفة إياه بـ (تميز إبداعي متفرد)، وجاء نص البيان الذي صدر عن نقابة المهن السينمائية: (السادة فريق عمل مسلسل/ ستهم، تبذلون الجهد والعرق ليل نهار تواجهون الصعاب من أجل تحقيق معادلة النجاح والتفوق إبداعات بأنامل حريرية شكلت فسيفساء ذابت عشقا في مشاهد تراصت مع بعضها البعض انعكست صور متحركة بألوان زاهية ديكورات إضاءة (ظل ونور).. فنانون أداء راق.. حس مرهف بتوجيهات مايسترو واع).
وأضاف البيان: (جنود تحملون آلياتكم تحققون انتصارات وتميز إبداعي متفرد، باقة من الزهور تشتم رائحتها من خلال الرؤية البصرية التي تحاكي الواقع الذي نعيشه ونتجاوز بهامش من التوقعات المستقبلية، توليف ومزج الصوت والصورة موسيقى تهدهد الروح).
لقد لاحظت من خلال مشاهداتي المتأنية أنه مضى اليوم تلو اليوم ووتيرة الغضب والهجوم تتزايد على كتاب السيناريو والمخرجين والأبطال، اللهم بعض الاستثناءات القليلة لنوعيات درامية بعينها كان من بينها مسلسل (ستهم) الذي جسدت فيه (روجينا) دورا فارقا في مسيرتها الفنية، لكن الحكم الإيجابي على المسلسل والانحياز له لم يقتصر فقط على دور البطلة ولا موضوع المسلسل الذي كتبه السيناريست البارع (ناصر عبد الرحمن) باحترافية عالية أو تمكن المخرج (رؤوف عبد العزيز) من أدواته الفنية، وإنما الأمر تجاوز كل عناصر التميز المتوقعة وانصب التركيز كله في مشاركة نجم الإنشاد الديني الكبير (ياسين التهامي) كونه يظهر لأول مرة في عمل درامي على هيئته الطبيعية وبنفس الصورة التقليدية له كمنشد ومبتهل يصدح بأجمل ما لديه من مواويل العشق الإلهي وآيات التصوف والزهد والورع.
وبدا التهامي كأنه بالفعل في حلقة ذكر حقيقية وليس مجسدا لحالة درامية إبداعية فنية خالصة من بنات أفكار الكاتب وبتوجيه من المخرج، لقد نسي الشيخ ياسين كل ما حوله من معدات وكاميرات وخلافه واستغرق تماما في حالته الإبداعية الخاصة كما تعود أن يكون فهو المولع بالإنشاد والمتماهي في الكلمات والألحان والسابح في نقاء وصفاء الموال الحزين الشجي، فلطالما امتد به الوقت وهو غائب عن واقعه محلقا في سماء النغم مع كلمات عمر بن الفارض، ذلك الذي ينهل من أشعاره فيطرب من حوله ويدخلهم في نشوة الانسجام مع جمال الصورة الشعرية والجملة اللحنية وصيحات الأداء الصادق بصوت عميق وإحساس أعمق.
هكذا هو الشيخ ياسين التهامي الملقب بـ (بلبل الصعيد) باعتباره من أبناء الجنوب وصاحب الرصيد الجماهيري الأوفر في جميع مدن وقرى ومحافظات الوجه القبلي، وهو سر اختياره ليكون ضمن أبطال المسلسل الذي تدور معظم أحداثة في جنوب مصر، فضلا عن ملائمة فنه وإبداعه مع الأحداث، لذا تم توظيفه ليكون معبرا عن ثقافة المواطن الصعيدي ودالا على ميوله ومزاجه الفني العام، وهو مزج بين خصوصية الدراما الجنوبية بملامحها المعروفة وطبيعة الصوت الغنائي الإنشادي بكل سماته التأثيرية والإنسانية.
لقد أفلح المؤلف (ناصر عبد الرحمن) كثيرا في تضمين أغاني ياسين التهامي لتصبح جزءا من نسيج الحكاية التراجيدية بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة كمكون وإضافة مهمة لمسيرة البطلة ومعاناتها داخل مجتمع مغلق يسيطر فيه الرجل وتخول إليه كل المسؤوليات والصلاحيات بوصفه رب العائلة والعنصر الأقوى وصاحب السلطة والمقام الرفيع، حيث كل المعطيات في الثقافة الصعيدية تمكنه من ذلك حسب ما تفترضه الدراما ويفرضه سياق المعالجة، ومن واقع ما تم ذكره يأتي مسلسل (ستهم) في ترتيب متقدم بين الأعمال المتميزة موضوعيا وفنيا، وإن نافسه في المحتوى الفني وجزئية الإنشاد الديني على وجه الخصوص مُسلسل (المداح) الذي يقوم ببطولته المطرب حمادة هلال مع اختلاف الرؤية بين الموضوعين وفوارق الأداء الكثيرة بين (هلال والشيخ ياسين)، حيث الأول يعد مطربا شعبيا بينما الثاني منشدا دينيا بامتياز يقف منفردا على ناصية إبداعه وفنه واختصاصه.
وبعد كل ما مضى ألا يستحق مسلسل (ستهم) أن يعرض بشكل أوسع في قنوات (المتحدة) غير المحور، وأن يتم ضمه إلى منصة (وواتش إت)، بعد النجاح الساحق الذي أحدث دويا كبيرا في موسم رمضان 2023؟، بفضل براعة أداء (روجينا، وجهاد سعد، محمد عبدالحافظ، أحمد الرافعي، عابد عنان) وباقي فريق العمل، ومن هنا لابد من إعادة النظر في عرض هذا المسلسل من جديد وضمه لمنصة (وواتش إت) على الفور ليتثنى للمشاهد المصري الاستمتاع بهذه النوعية من الدراما التي تمثل الوقعية الجديدة في قضايا المرأة، كما يدور في خلد الرئيس السيسي راعي المرأة المصرية، الذي يثمن جهودها في كل يوم وليلة.. اللهم بلغت.