بقلم: إسلام كمال
نعم بالفعل ليس مسلسل (جعفر العمدة)، بل أصبح (متلازمة جعفر العمدة).. فبعيدا عن التجاوزات الاجتماعية والسقطات الفنية غير المقبولة بالمرة في المسلسل!، وبعيدا أيضا عن عملية الإلهاء والتخدير بالدراما عموما، والتى أنفقت عليها ميزانيات تصل لخانة المليارات في وقت مطالبين به بالترشيد، خاصة أنه لا رواج حقيقي للدراما المصرية في الفضائيات العربية، كما هو معتاد!، ومع تحفظات الاحتكار المستمر منذ فترة بشكل أو آخر، والأمر الذي يتطلب وقفة في النهاية للمراجعة بين النجاحات والإخفاقات، ومقارنتها بالمليارات!.
إلا إنه رغم كل ذلك، يجب أن أعترف بجودة الطبخة والحبكة التى يتلاعب بها المؤلف والمخرج (محمد سامى) بأدمغة أغلب المصريين من مختلف الطبقات والشرائح، مدغدغا الجانب المرضى الفضولى لدى كل البشر والمصريين بالذات، الذين يميلون في أغلبهم للسادية الاجتماعية بشكل غريب تعميهم عن القيم والأخلاق، ويمزجون ذلك بجلد الذات والبلطجة ضد أى معايير وقيم، ويعلوون شعار (أخد الحق غية)، ولا يرحبون في الغالب بدولة القانون والأجواء الأسرية الاعتيادية والأمور الإجتماعية الطيبة، في حالة مرضية جمعية تحتاج لوقفة حقيقية من المجموعات الوزارية والنيابية الثقافية والاجتماعية والدينية، لو كان هناك من يهتم بهذا المجتمع ونهضته.
اهتمامى بشكر (سامى) لأن هذا يأتى في وقت غلبت على الساحة الرمضانية ظاهرة مضرة، هى ما تسمى بورش الكتابة، وفي الغالب كانت تجارب فاشلة، و(الأجهر والإكس لانس وبابا المجال) أكبر مثال على ذلك، وأيضا لأن (سامى) تغلب على كتاب كبار كان يتوقع لهم البعض نجاحا ومنهم (إبراهيم عيسى) الذي فشل مسلسله بشكل صادم، لدرجة إنه لم يكتب عنه كلمة واحدة، وهو بالمناسبة اسمه (حضرة العمدة) لروبي، بمبالغاته ومباشرته الحنجورية، وكأنه يكتب مقالا لا عملا دراميا..والفارق كبير بالطبع، والغريب إن (فاتن أمل حربي) حقق نجاحا ما العام الماضي، لكن العمدة روبي فشلت هذا العام، رغم إن الحنجورية واحدة تقريبا!
وأتصور أن المعاناة الاجتماعية غير المسيسة بشكل مباشر كانت السبب في الغالب، وتغلب (سامى) أيضا على مؤلفة كبيرة مثل (سماح الحريرى)، التى أثارت أجواء ما بمسلسلها (علاقات مشروعة)، لكن لأنه كان 15 حلقة فقط، فمن الممكن أن يكون لأنه ترك التراك مبكرا، ولذلك نسي الناس نجاحه العابر بسرعة رغم إثارته التى جذبتهم، وركزوا مع المسلسل المستمر لنهاية رمضان.
وعودة لجعفر وسامى.. أتمنى على من يهتم بالدراما المصرية والعقلية المصرية للجلوس مع هذا المبدع المختلف المحاصر بعلامات الاستفهام، (محمد سامى)، ومن وراءه، على تحفظاتى عليه في نقاط ما، للإتفاق معه على مشروعات تبصيرية وقيمية على أن تكون بنفس أسلوب وجودة حبكاته في هذه الأجواء المريضة.. رغم العديد من التعليقات الفنية على الكتابة والكاستينج .. فتصوروا لو كان هو من كتب مسلسل (الكتيبة 101)، أو أجزاء جديدة من أعمال مهمة مثل (ضمير أبلة حكمت، أو الريا البيضا، أو الوسية، أو أرابيسك) أو حتى (غوايش أو عصفور النار، أو القاهرة 2030)، كامتداد (للقاهرة 1930) أو ليلة (القبض على فاطمة) بكل ما فيها من سادية يحبها المصريون، وغيرها من الإبداعات المهمة.
تصور أن الأمر سيكون ملهما لكل الأطراف، وبالتالى مفيدا في مهمتنا التبصيرية للمجتمع، (جعفر العمدة) أثار أجواء مختلفة، مليئة بالسلبيات في السيناريو والديكور والذكورية والتسلسل المنطقي للأحداث، والإيجابيات أيضا من حيث تلميعه للدراما المصرية من جديد داخل وخارج مصر، بخلاف حالات التخبط المنوعة بين أهالى (السيدة زينب) من ناحية الفرح والغضب من المسلسل وأبطاله في وقت واحد، والأكثر من ذلك حالة الجدل بين من يعتبرون أنفسهم نخبة ومن يعشقون المسلسل، حيث يصفون متابعته بالسقطة التى تتطلب الاستتابة النخبوية.. والطرف الآخر يدافع عن نفسها متهربا من هذه السقطة الغريبة!، هذا كله، وغيره هنات المسلسل على إبداعاته، بل وشهادات ميلاد النجوم القديمة والجديدة التى تبلورت خلال أحداثه، وبالذات (داش ومى وهالة وفهيم وچورى وفتوح وإيمان وونس).
كل هذا الزخم السلبي والإيجابي، جعلنى أعنون مقالى بـ (متلازمة جعفر العمدة)، فهو تحول من كونه مجرد مسلسل إلى ما أبعد من ذلك إلى حالة ثقافية اجتماعية، تتطلب منا عدة وقفات وإعادات تقييم مع أحياءنا الشعبية ونخبتنا وفنانينا ومبدعينا وشركات الإنتاج، خاصة إننا نتعرض لتحديات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة تغير فينا بشكل لا يمكن تخليه، وتجعلنا نثير تساؤلا حول إن كان بحثنا عن البطل الشعبي التائة بيننا هو السبب في هذه المتابعة المبالغ فيها لهذا المسلسل!، أم شعورنا بأننا تائهون مثل (جعفر وسيف)، وموجعون مثل (جعفر وصفصف وسيد وثريا ودلال ونعيم وفتوح ونرجس وعايدة)، وكل له وجعه الذي يدوس عليه المؤلف ويؤلم المشاهدين به، كل حسب ألمه!.
أتصور أن الحالة عنقودية، ليست لها ملمح وحيد، بل عدة ملامح معقدة، ومنها جاءت (متلازمة جعفر العمدة) بكل أبعادها، حتى بما فيها السوشيال ميديا، التى بدونها لن يحقق المسلسل هذه الحالة، ولا يمكن استبعاد تخصيص ميزانيات في البداية للوصول للتريند المصطنع، لكن لا يمكن في المقابل أيضا إخفاء الدور الكبير الذي لعبه نجوم المسلسل على السوشيال ميديا وفي الإعلام لمضاعفة هذا الزخم مع الوقت على (متلازمة جعفر العمدة)!