كتب: محمد حبوشة
نادرا ما نجد في العديد من القنوات التلفزيونية، النسبة القليلة من الاهتمام بتسليط الضوء على تجارب النساء المبدعات المتميزات، كأفضل طبيبة عالمة باختصاصها، وأفضل فنانة، مخرجة، روائية، رسامة، نحاته، مصممة، قاضية، دبلوماسية، أستاذة فلسفة ونقد وجمال، وغيرها من الاختصاصات، وهناك تصميم سائد لدى البعض من أصحاب القنوات الفضائية على أن أناقة المرأة وجمالها يكاد يفضل على بقية المهارات اللازمة لشخصية المذيعة أو مقدمة البرامج، فغالبا ما نجد البعض منهن لا تجيد فن الكلام نطقا ولغة وأداء، بما يضعها في موقف لا يخلو من السخرية، وهناك اختيارات أيضا لا تخلو من ابتذال واختلال الذوق، وضعف المستوى الثقافي، وكذلك، هنالك اختيارات درامية لا ترتقي إلى ما نهدف إليه من رقي في تسليط الضوء أو سيرة حياة نماذج نسوية بمستوى المفكرة والعالمة والمبدعة والمبتكرة والمعمارية وأستاذة الفكر والفلسفة والطب والهندسة والفلك والفضاء، وكذلك الزوجة المخلصة والمرأة المعيلة وتلك التي تتحدى عادات وتقاليد مجتمعها في (الإرث) وغيرها من القضايا التي ظهرت في درما رمضان 2023.
ولاشك أن هنالك ثمة خلفيات ثقافية ونزعات ذاتية وموضوعية أربكت حدة التوازن، وألحقت بالمراة حيفا كبيرا، فمعروف جدا أن مجتمعات متعددة في العالم لم تتخلص من السمة الذكورية، الأمر الذي يشكل أحيانا بعدا متخلف النظرة عن قيمة المرأة، منها أن ظروف المرأة في بعض المجتمعات جعلها أن تكون في مسابقة ليست هى الأقرب إلى الدور القيادي، وأن هناك إعلام وثقافة خارجية تعمل للإطاحة بمظاهر الرقي في المجتمع ومنها عالم المرأة، وأن هناك تأثير خارجي، من وسائل الاتصال الحر، في السفر والاحتكاك بالعالم الخارجي، وهناك بعض المؤشرات منها:
فقدان القوانين الجادة لحماية المرأة، طبيعة المرأة بحاجة إلى اهتمام خاص بها، لم يدركه البعض، من العاملين بشؤون الثقافة والفنون، المستوى الثقافي والحضاري لأي مجتمع، له الأثر الكبير في تحديد مستوى النظرة والتعامل مع المرأة، فضلا عن التركيز على دور المرأة النكدية الغيورة الشكاكة التي تخلق المشاكل دون تفكير وتأمل ومراجعة، وإنما بتهور وتسرع مما يفقدها صوابها وحسن تصرفها، وكذلك لمرأة الجاهلة الضعيفة الفقيرة التي لا تحمل شهادة تعليم، ولا عمل، ولا مهارات خاصة، مما يضعها في دور لا تحسد عليه، وأيضا دور المراهقات تعد مادة إغراء للمشاهدة وكسب الجمهور لشباك التلقي.. مما يقدمها جسدا وليست قضية أو موضوع ما.
كل ذلك يعرض المرأة إلى العديد من الانتهاكات والمعاناة، والتحديات التي تظهر لنا المرأة دائما في حالة عوز وضعف وانتهاك وسلعة وإعلان وجسد وغيرها من حالات الهوان، وفي ما يتعلق بتوظيف شخصية المرأة في الدراما التلفزيونية، هناك اختلاف واضح في مستوى الكتابة والمعالجات الصورية لها، لكن جاءت بعض الأعمال التلفزيونية التي أعطت الدور الإيجابي للمرأة، في مسلسلات رمضان الحالي، مثل (تحت الوصاية، جميلة، عملة نادرة، ستهم، حضرة العمدة، الهرشة السابعة، 1000 حمدلله ع السلامة) وغيرها من أعمال رسخت لفكرة قوة المرأة وأنها يمكن أن تتفوق على الرجل في كثير من مجالات الحياة، والبعد عن الإكثار من عرض مشاهد الرقص في الملاهي والإدمان وجرائم الاغتصاب وشرب الخمور والمخدرات ومشاهد النكات البذيئة.
أتاحت مشاركة الكثير من النجمات في مسلسلات رمضان لهذا العام الفرصة لطرح قضايا نسائية مهمة بعيدا عن الأعمال الفنية التي تعتمد على النجم الرجل، وتصبح فيها المرأة بالمرتبة الثانية مع إغفال قضاياها المهمة، ففي هذا الموسم الرمضاني تناقش فنانات قضايا نسائية في مسلسلاتهن، لعل أبرزهن (منى زكي، نيللي كريم ، يسرا، روجينا، أمينة خليل، وريهام حجاج)، وكشفت أهم تلك القصص التي تستحق المتابعة وتفاصيل شخصيات النجمات اللواتي جسدنها في أعمالهن.
من تلك الأعمال المهمة في لوحة رمضان 2023، مسلسل (تحت الوصاية) التي يتعرض لقضية الأرملة والقانون، فكثير من النساء يتعرضن لمشاكل بعد وفاة أزواجهن، وذلك بسبب المجلس الحسبي والقوانين التي لا تنصفهن، فبعد وفاة الزوج وتركه أبناء قصرا تجد الأم نفسها وحيدة في مواجهة مصاعب الحياة وتنتظرها رحلة طويلة من المعاناة في أروقة المجلس الحسبي للحصول على أموال أطفالها، وتتحول إلى مجرد رقم في طابور القضايا المنظورة، وتعاني الأمرين لكي تتمكن من الإنفاق على أولادها وتدخل في دوامة من المشاكل، سواء للحصول على ما يكفيها من المال أو لنيل حقها في الوصاية على أبنائها، فوفقا للقانون الحالي: تكون الوصاية للجد أولا، وعلى الأم الأرملة أن تتقدم بطلب لانتزاع الوصاية منه إن لم يكن الأب قد حدد وصيا غير الجد قبل وفاته، وهو ما لا يحدث بالطبع.
هذا ما تناقشه النجمة منى زكي في مسلسلها الرمضاني (تحت الوصاية) حيث تجسد شخصية (حنان) وهى إمرأة جميلة في منتصف الثلاثينيات، ربة منزل وأم لطفلة رضيعة وطفل عمره تسع سنوات، وبعد وفاة زوجها تجد نفسها وحيدة في مواجهة عالم ذكوري فتمر بعثرات وتحديات تتخطاها تباعا لتتحول من امرأة مستسلمة ومغلوب على أمرها إلى أخرى قادرة على تحدي الجميع وفعل المستحيل.
في (1000حمد لله ع السلامة) تلجأ النجمة الكبيرة (يسرا) الى الكوميديا لتناقش قضايا اجتماعية مهمة، حيث تجسد دور (سميحة جاهين) وهى أستاذة جامعية تدرس في كلية الإعلام وأم لشاب وشابة، وتناقش (يسرا) في هذا العمل قضايا اجتماعية وأسرية مهمة وشائكة، ولكن بأسلوب سلس يحمل جرعة من الكوميديا في الوقت نفسه حتى لا تكون الرسائل التي يقدمها العمل مباشرة، وهو عمل سيغير رأي الكثيرين في أن الكوميديا لا تستطيع طرح قضايا مهمة، والمسلسل كوميدي خفيف، وينسجم مع رغبة الناس في الضحك وسط الظروف الصعبة التي يعيشها العالم. ، ويحكي (1000 حمدلله ع السلامة) عن امرأة تعود من الخارج عندما تكتشف أن لها ميراثا ستحصل عليه في مصر، ومن هنا تنشأ مواقف درامية وكوميدية عدة تسلط الضوء على ما نواجهه من تحديات اجتماعية وأسرية.
وللعام الثاني على التوالي، تحرص النجمة (نيللي كريم) على تقديم قضايا نسائية مهمة ومثيرة للجدل من خلال مسلسلاتها، فبعد النجاح الكبير الذي حققته في مسلسلها الماضي (فاتن أمل حربي)، والذي ناقشت فيه القوانين وبعض الفتاوى الدينية الظالمة للمرأة، ها هى تقدم في موسم رمضان لهذا العام قضية مهمة أيضا من خلال مسلسلها (عملة نادرة) والذي تجسد فيه شخصية (نادرة)، وهى امرأة صعيدية يتوفى زوجها وتدخل في صراع عنيف مع عائلته للدفاع عن ميراثها المحرومة منه بسبب الطمع، لكنها ترفض الاستسلام وتحارب بشراسة من أجل الحصول على حقوقها، وظهرت نيللي كريم وهى ترتدي الزي الصعيدي باللون الأسود، حيث تخوض من خلال هذا المسلسل تجربة الدراما الصعيدية للمرة الأولى.
وفي قضية الميراث أيضا استطاعت ريهام حجاج أن تقدم مسلسل (جميلة) أن تقدم نموذجا آخر لقوة المرأة التي تواجه صعوبات حصولها على ميراث أبيه الذي كتب كل ممتلكاته باسمها لأسباب خاصة به، ومن خلال سيناريو متقن من جانب أيمن سلامة تقدم الفنانة (ريهام) شخصية فتاة تتخرج فى كلية الحقوق وتعمل (وكيل نيابة)، في محاولة منها لنصرة الحق، ولكنها تواجه صراعات كبيرة خلال مشوار حياتها المحفوف بكثير من المضايقات من جانب أمها تارة، وأشقائها من نحية أخرى.
أما النجمة (روجينا) فقد دخلت تحديا صعيدا آخر من نوع خاص من خلال مسلسل (ستهم) الذي تلعب بطولته من خلال قصص مختلفة تكشف عن كفاح النساء في الحياة، وهو مستوحى من أحداث حقيقية، حيث تتناول روجينا خلال العمل حكايات أربع نساء، هن: (الأسطى أم فارس) التي تعمل كهربائية، و(عفاف) التي ارتدت الجلباب الصعيدي واشتهرت ببيع البطيخ في أكبر الأسواق، و(الست بهية)، وهى امرأة من محافظة بني سويف تضطر للعمل في المهن الشاقة بعد تعرض زوجها لحادث مأسوي، فتبيع كليتها لسداد ديونها، بالإضافة إلى سيدة أخرى من محافظة الدقهلية تعمل في مصانع الطوب، وتدور أحداث المسلسل حول الصراعات بين شخصياته في إطار درامي شيق.
وها هى (روبي) في ملسلسل (حضرة العمدة) تجسد قدرة المرأة على النجاح في أي مجال وذلم بتجسيد شخصية (صفية الفارس)، وهى أستاذة علم نفس في الجامعة الأميركية، يضغط عليها أهلها من أجل العودة الى قريتها للترشح الى منصب (العُمدية)، وهو أمر يرفضه البعض في القرية ممن يرون أن هذا المنصب يجب أن يبقى حكرا على الرجال، لكنها تقبل التحدي لتثبت للجميع أن المرأة قادرة على النجاح في أي مركز مهما كان، وهو ما يتسبب في حدوث العديد من الصراعات والتحديات التي يقدمها العمل في إطار اجتماعي مشوق، ومن المتوقع أن يثير المسلسل حالة من الجدل بنهاية الحلقات، خاصة أن كاتبه إبراهيم عيسى اشتهر بأعماله التي تحاول أن تتمرد على التقاليد البالية في المجتمع، والتي كان آخرها مسلسل (فاتن أمل حربي) لنيللي كريم والذي أثار ضجة كبيرة عند عرضه.
وتعود (دينا الشربيني) إلى سابق عهد تألقها بمسلسل (كامل العدد) كى تطالب بحق المطلقة في الزواج مجددا، والذي تؤدي فيه دور امرأة مطلقة تجمعها قصة حب مع (شريف سلامة)، بعد خلاف حدث بينهما وتطور في ما بعد الى إعجاب فحب، ويتناول المسلسل قضية اجتماعية مشوقة، وهى حق المطلقة في أن تتزوج وتعيش حياتها مرة أخرى، وكيف يظلمها المجتمع وينظر إليها نظرة دونية باعتبارها امرأة لم تنجح في زواجها ويحمّلها مسؤولية فشل هذا الزواج حتى وإن كان الرجل هو السبب في الطلاق، ورغم أن العمل مكون من 15 حلقة فقط، فإنه قد صب في صالحها، لأنه يحول دون الوقوع في فخ المط والتطويل، لذا طالب الجمهور بحزء ثان له.
وفي مسلسل (الهرشة السابعة) تكشف (أمينة خليل) أزمات الأزواج في السنة السابعة للزواج لتواصل التعاون مع المؤلفة (مريم ناعوم) والمخرج كريم الشناوي بعد نجاحهم معا في أكثر من عمل من قبل، ويتناول المسلسل قصة تهم الكثير من الأزواج، وهى التغيير الذي يطرأ على العلاقات الزوجية بعد مضي سنوات عدة على الزواج، وتحديدا في السنة السابعة منه، والمشكلات التي تحدث في هذه السنة تحديدا، وهذا هو سر إطلاق عنوان (الهرشة السابعة) على العمل، حيث تدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي حول الأعراض التي تصيب المتزوجين بعد السنة السابعة من الزواج، سواء كانت الفتور والتململ أو الرغبة في التغيير أو حتى الاتّجاه الى الخيانة الزوجية.
ومع كل مامضى هنالك نماذج سلبية قدمته المرأة في لوحة رمضان2023، ومنها شخصية (مهرة أبو الليل)، فعلى الرغم من أنها تجسد قصة حب وكفاح امرأة مصرية تلتقي برجل قادم من الصعيد ويحاول أن يثبت نفسه، وتقع في حبه، ولكن هناك من يرفض تلك القصة ويحاربهما، وظني أنها أساءت للمرأة في كثير من المواقف المتناقضة بحسب الأحداث، ونفس الأمر تكرر في الإساءة للمرأة من خلال ملسلسل (تلت التلاتة) الذي أظهر (غادة عبد الرزاق) إمرأة تنتقم من زوجها بطريقة متطرفة لا تخضع للعل أو المنطق، وكذلك مسلسل (جعفر العمدة) الذي تعرضت فيه خمس زوجات (مي كساب، منة فضالي، إيمان العاصي، زينة، جوري بكر)، للإهانة والضرب رغم بعض المواقف التي أظهر فيها (جعفر العمدة/ محمد رمضان) بعض صفات المودة والحنان في بعض المواقف، لكن في النهاية أظهرت (جوري بكر) الزوجة الخائنة بصورة سلبية تنال منها بسبب انتمائهن جميعا إلى عائلات ضعيفة في مجتمع عنصري.