كتب : أحمد السماحي
الدراما هى الباب الواسع لعرض ثقافات الشعوب ومنظوماتها القيمية، كما أنها سبقت التمثيل الدبلوماسي بين الدول، فقبل أن تنشأ السفارات كان الفن هو السفير بين الشعوب، وفي أحيان كثيرة كان سببا في قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول وفي صناعة الأزمات وتفاقمها، أو العكس، كما أنه مرآة الشعوب في أزمنة كان من الصعوبة بمكان التنقل بين بلاد الله لمعرفة الثقافات عبر المعايشة الواقعية، فكثير منا بنى صورا في مخيلته لواقع مجتمع من المجتمعات، عبر ما شاهده من مسلسلات تليفزيونية أو أفلام سينمائية، بل وبنى تقديره وتعظيمه لتاريخ شعب دون غيره، عبر ما شخصته الدراما التي تفوق في تأثيرها الصحيفة والكتاب فالصورة تغني عن ألف كلمة.
والمتابع لدراما شهر رمضان هذا العام يجد أن بعض المسلسلات لم تكن أمينة على الواقع، ولم تقدم صورة حقيقية لما يحدث في الشارع المصري، لكنها صنعت حياة وواقعا خاص بها، من هذه المسلسلات (جعفر العمدة) تأليف وإخراج محمد سامي الذي أغضب سكان منطقة (السيدة زينب) هذا الحي المصري العريق الذي يتميز سكانه بالجدعنة والشهامة ونجدة المظلوم، حيث قدم صورة من خياله عن هذا الحي، مما أشعل مواقع التواصل الإجتماعي خلال الأيام الماضية، وانزعج كثيرون من تكريس هذه الصورة وفرضها على المشاهد.
الناقد الكبير الدكتور وليد سيف الذي يقيم في (حي السيدة زينب) حتى الآن أغضبه الصورة التى ظهر عليها الحي وكتب على صفحته على (الفيس بوك) قائلا: (طبعا من حق الفنان بل من واجبه أنه يوظف خياله فى أعماله، لكن يفضل اختياره للمكان أن يكون له دلالته وارتباطه بشكل أو بآخر بالواقع حتى يضفى على عمله قدر من المصداقية، إنما السيدة زينب التى ظهرت فى مسلسل (جعفر العمدة) ليس لها أى علاقة بحى السيدة العريق الذي ولدت وتربيت وعشت عمرى فيه ومصمم أكمل الباقى من عمرى فيه، السيدة زينب حى شعبى ليس عشوائيا، ولا يقع فى الضواحى ولا فى أحراش الريف، لكنه من أحياء قلب العاصمة يضم مناطق فى منتهى الرقى، والمناطق الفقيرة التي فيه لا يوجد فيها بلطجة بهذا الشكل، كما أنه لي فيه عائلات بالسطوة والجبروت ده)!
ولم يكن ناقدنا الكبير هو الوحيد الذي انتقد ما رأه، ولكن عشرات من سكان حي السيدة زينب أغضبهم ما شاهدوه، كما أكدوا أنه لا يوجد عمدة لمنطقة السيدة زينب، وأن الشخصية التى يجسدها الفنان (محمد رمضان) الذي يلعب دور العمدة أحيانا ويقوم بالصلح بين أهالي الحي غير حقيقية، وعلق آخرون على طريقة ارتداء أهالي السيدة الملابس الشعبية، خاصةً أن حي السيدة زينب قريب من منطقة وسط البلد، لذلك تعجب مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من طريقة القائمين على المسلسل في رسم صورة الحي.
وما أغضب سكان حي السيدة زينب أكثر صورة المرأة في المسلسل حيث ظهرت خلال أحداث المسلسل على تسلية الرجل أو إغوائه أو التلاعب به أو التحايل عليه، أو التي لم يحدد لها دور مهني في الأصل لعدم الاهتمام بها، أو (الفاجرة) التى تخلع زوجها وتعيش معه في الحرام لمدة 7 شهور، وتتزوج أمام عينيه من رجل آخر دون أن يعلم مسألة خلعه!.
ما عرضناه باختصار شديد في مسلسل واحد يؤكد لنا أن صناع الدراما يعيشون في واد، والواقع في واد آخر، على الرغم من أن الدراما من المفترض أن تمثل قوة دافعة لتغيير واقع، أو أن تعكسه بدلا من تزييفه!.