(فلوجة، والكاسر، ودفعة لندن، والنار، والجنرال).. أعمال تجاوزت الخطوط الحمراء وأشعلت السوشيال ميديا!

كتب : أحمد السماحي

كانت الرقابة على الأعمال الفنية حتى وقت قريب تعبيرا عن السلطة السياسية الحاكمة أيا كانت هذه السلطة في مصر، وفي غيرها من دول العالم، ويمكن أن تبين توجهات السلطة السياسية بوضوح من خلال ما منعته الرقابة خلال السنوات الماضية خاصة في مجال السينما تحديدا، حيث لم تصطدم معظم الأعمال الدرامية المصرية والعربية بالسلطة الحاكمة إلا فيما ندر، حيث تخشى كثير من شركات الإنتاج الدرامي في مصر والعالم العربي على أعمالها وفلوسها من غضب السلطة الحاكمة فتقدم أعمالا درامية بعيدة كل البعد عن (وجع الرأس)!

لكن مع ظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة وثورة الإنترنت، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، فوجئ المبدع العربي الذي يرى في الرقابة أيا كانت قيدا على حريته في التعبير بوجود رقابة جديدة على الأعمال الفنية أشد فتكا من الرقابة الرسمية، وهى (رقابة المجتمع)، هذه الرقابة المجتمعية أصبحت تمنح وتمنع، تهدي وتشعل، والدليل ما حدث خلال شهر رمضان الجاري، حيث تعرضت بعض من الأعمال المصرية والعربية لمحاكمات عاجلة على صفحات (السوشيال ميديا)، أدت هذه المحاكمات إلى منع أعمال بعد أيام من عرضها.

الكاسر

أول الأعمال التى أشعلت مواقع التواصل الإجتماعي مع بداية الشهر الكريم المسلسل العراقي (الكاسر) الذي عرض منه 3 حلقات فقط، وتم منع عرضه، حيث يتضمن شخصيات من خيال الكاتب تعرض الصراعات العشائرية وجرائم الثأر في جنوب العراق، ويعرض زعيم العشيرة في صورة الطاغية محب النساء، وهو ما اعتبره بعضهم إساءة إلى أعراف وتقاليد عشائر العراق.

ورغم دفاع قناة (يو تي في) العراقية التى يعرض عليها المسلسل، والتى أصدرت بيانا للدفاع عن مسلسلها مؤكدة أن مضمونه يأتي في إطار الأغراض المهنية والدرامية، وأشارت إلى أن أي أغراض أخرى غير موجودة إلا في عقول أصحابها، ورغم دفاع نقابة الفنانيين العراقيين التى أصدرت بيانا قالت فيه: (إنها قامت بفحص مسلسل الكاسر، وتابعت الحلقتين الأولى والثانية، ولم تجد فيه ما يسيء إلى قيم الشعب العراقي وتقاليده).

 ودعت النقابة في بيانها الموقع باسم النقيب (جبار جودي العبودي)، الجهات المعترضة، وهيئة الإعلام والاتصالات إلى انتظار نهاية المسلسل بعد عيد الفطر، للبت في الأمر، لكن هذا لم يوقف قرار منع عرض مسلسل بذريعة إساءته إلى العشائر، ومسلسل (الكاسر) قصة مسلم داود البصري، سيناريو وحوار حسين النجار، إخراج  أيمن ناصر الدين، بطولة (غالب جواد،  علي نجم الدين،  تمارة جمال، شروق الحسن،  أسماء صفاء، ميمون الخالدي).

فلوجة

من العراق نطير إلى تونس حيث شن مجموعة من رواد التواصل الإجتماعي النار على المسلسل التونسي (فلوجة) وتطور الأمر ليصل إلى ساحات القضاء، حيث أقام محامون دعوى قضائية للمطالبة بمنعه (لما يتضمنه من تصرفات خطرة جداً على المتابعين من الأطفال والمراهقين)، وفق نص الدعوى التي اعتبرت المسلسل: (يتعمد ضرب الأخلاق والتربية من خلال تعمد نشر البذاءة لإفساد عقلية جيل الغد)

وانتقد وزير التربية التونسي (محمد علي البوغديري) العمل الدرامي الذي (يضرب الأسرة التربوية في العمق)، واصفاً إياه بـ (المهزلة)، مشيراً إلى أنه رفع الأمر لرئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة، فيما رأى الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي (الأسعد اليعقوبي) في تصريحات صحافية أن المسلسل يحوي مبالغات ورسائل خطرة تمس المنظومة التربوية في البلاد، وفيها إساءة وتجريح للمعلمين، وطالب بالتحقيق في منح وزارة التربية ترخيصاً لتصوير المسلسل.

وتدور أحداث المسلسل حول مدرسة ثانوية تحوي ظواهر وسلوكيات مثل ترويج المخدرات وعلاقات عاطفية بين المراهقين، إضافة إلى تعامل التلاميذ مع المعلمين، ومنذ الحلقة الأولى في أول أيام شهر رمضان ظهرت الدعوات على (السوشيال ميديا) إلى وقف عرض المسلسل.

دفعة لندن

من تونس نهبط على العراق، لنتعرف على سر غضبهم من أشقائهم الكويتيين، ونطير بعدها إلى الكويت لنعرف ردهم على هذه الأساءة، والحكاية ببساطة أن مسلسل (دفعة لندن) أثار جدلا كبيرا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت والعراق، بعد عرض حلقاته الأولى إذ اعتبر العراقيون أن المسلسل يشوه صورتهم ويتعمد الإساءة إليهم في محاولة لتكريس النظرة الدونية إلى شخصية الفرد العراقي.

حيث تصور أحداث المسلسل العراقيات وهن يعملن كخادمات ويتم اتهامهن بالسرقة، كما أظهر المسلسل رجلا عراقيا يرفض مساعدة الفتيات الكويتيات بعد أن سُرقت نقودهن ويبصق عليهن بدلا من نجدتهن، ما اعتبره عراقيون تشويها لصورتهم.

وزارة الإعلام الكويتية لم تقف صامتة على هذه الاتهامات حيث أكدت أن مسلسل (دفعة لندن)، الذي شارك فيه عدد من الفنانين من مختلف الجنسيات الخليجية والعربية والآسيوية، لا يمتّ للكويت بصلة.

وأضافت الوزارة، أن العمل لم يحصل على أي موافقات من الجهات الرسمية في الكويت، ولم يعرض في أي منصة إعلامية في الكويت، مؤكدة رفضها لأي عمل من شأنه المساس بأي دولة أو شعب عربي أو صديق.

مسلسل (دفعة لندن) تأليف الكاتبة الكويتية هبة مشاري حمادة وإخراج المخرج المصري محمد بكير، وبطولة (وسام حنا، لولوة الملا، ليلى عبدالله، ميلا الزهراني، صمود المؤمن، رهف محمد، آلاء شاكر، حمد أشكناني، حمزه العيلي، عبدالله الرميان، فهد الصالح) وغيرهم.

النار بالنار

بعد الجولة الخليجية نطير إلى الشقيقة سوريا لنعرف ماذا حدث بين السوريين واللبنانيين من خلال مسلسل (النار بالنار) الذي أيقظ الفتنة النائمة بينهما من خلال مشهد في الحلقة الخامسة نرى فيه لوحة من القماش مكتوب عليها (يمنع تجوال السوريون بعد الساعة الثامنة مساء) بعدها يدور ديالوج ساخن سخونة المريض بالحصبة مليئ بالعنصرية والتحيز كلا لدولته وفضل سوريا على لبنان والعكس بين (مريم / كاريس بشار) و(عزيز / جورج خباز) أحدث هذا المشهد حالة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي لتصويره حالة العنصرية تجاه السوريين في لبنان والتطرق إلى حقبة الوجود العسكري السوري.

وما زال المسلسل يحصد الترقب والتنمر بين السوريين واللبنانيين، والإعجاب عند باقي العالم العربي، (النار بالنار) مأخوذ عن عن مسرحية (تاجر البندقية) للمسرحي العالمي ويليام شكسبير، قصة رامي كوسا، حوار ورشة الصبّاح للكتابة، وإخراج محمد عبد العزيز، بطولة (عابد فهد، كاريس بشار، جورج خباز، زينه مكي، طوني عيسى، طارق تميم، ساشا دحدوح) و آخرون.

ابتسم أيها الجنرال

أما مسلسل (ابتسم أيها الجنرال) فقد أثار الجدل قبل بداية عرضه، وطالب البعض بمنعه، وبعد عرضه لاقى الإعجاب من البعض، والنقد والهجوم من آخرين، واشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي على هذا العمل تحديدا بين المدح والذم، وزادت الكتائب الإلكترونية التى تهاجم المسلسل بعد هجوم بعض من أسرة الرئيس السوري بشار الأسد، حيث كتبت واحدة من أسرة الأسد عضو في البرلمان السوري تقول : (شركة (ميتافورا) أطلقت مسلسلا جديدا بعنوان (ابتسم أيها الجنرال) بطولة الخائن (مكسيم خليل) هذا المسلسل الهدف منه تشويه صورة عائلتنا وقيادتنا وجيشنا، عبثاَ تحاولون فـبعد فشلكم ميدانيا وسياسياَ وإعلاميا، لم يتبقى لكم سوى الحرب الثقافية الفكرية، التي ستخسرونها في نهاية المطاف، أما  بالنسبة للممثلين الذين شاركوا في هذا المسلسل القذر فأقول لهم إنها مسألة وقت فقط وستعودون وتطلبون العفو والمغفرة على ما ارتكبتموه).

مسلسل (ابتسم أيها الجنرال) تأليف المبدع سامر رضوان، إخراج عروة محمد، بطولة (مكسيم خليل، عبدالحكيم قطيفان، مازن الناطور) وغيرهم من النجوم.

ود الملك

بعد سوريا نطير إلى السودان في هذه الرحلة المثيرة للجدل، حيث تابعنا هجوم الجمهور السوداني على مواقع التواصل الإجتماعي صناع المسلسل الرمضاني الجميل (ود المك)، بسبب تخطيه للخطوط الحمراء وجراءته غير المعهودة في طرح قضية رجال الدين، وتناول العمل شخصية (شيخ الرفاعي) التي جسدها الممثل السوداني صلاح أحمد، تجلت في سيرة رجل دين فاسد، شديد الاندفاع تجاه متع الدنيا، والذي يستغل توقير الناس له لينال ما يشاء من عرَض الدنيا.

والمسلسل المثير للجدل هو من تأليف وإخراج هيثم الأمين وإخراجه، وبطولة مصعب عمر، أحمد البكري، صلاح أحمد علي، سلافة مكي، وأوسو.

رسالة الإمام

أخيرا نعود مصر ونتابع الحملة النقدية والهجوم الذي حصده مسلسل (رسالة الإمام) الذي حقق مشاهدة جماهيرية ضخمة، ونفى مقولة أن المسلسل الديني أو التاريخي لا يشاهده أحد، والحقيقة أن أي إبداع حقيقي وصادق تتم متابعته بقوة، وما حدث لمسلسل (رسالة الإمام) أكبر دليل حيث شاهد الجمهور المسلسل إيمانا منهم بموهبة نجمه خالد النبوي، لكن النجم الموهوب خذلهم بتصديه لهذا المسلسل دون أن يتحرى الدقة والتوثيق والتأريخ في سيناريو وحوار المسلسل الذي جاء مليئا بالأخطاء التاريخية، ولغة الحوار، مما فتح النار عليه من كثير من الشيوخ والجمهور المثقف.

كلمة أخيرة

الفن والإبداع يبدأن بالدهشة، والدهشة في أحد جوانبها خروج على المألوف وتحطيم للقواعد، واقتراب من التابو، ونطق كاشف يتجاهل المستور، وماتراضى الناس على إخفائه دفنا للرؤوس في الرمال، أو اعتمادا لإزدواجية كاملة في اللغة والسلوك، لهذا نحن في بوابة (شهريار النجوم) مع تقديم كل القضايا الشائكة لأن هذا أحد رسائل الفن، لكن يجب أن نبتعد عن الفجاجة والتردي والانحطاط في تقديم هذه الرسالة، ويجب أنت نتوخي الدقة والصدق والتوثيق في أعمال السير الذاتية.