بقلم: علا السنجري
الحبكة الدرامية والسيناريو أسباب رئيسية في نجاح أي عمل، لكن الحوار في (الهرشة السابعة) يجذب المشاهد، فهو عمل يشبه بيوت كثيرة من بيوتنا بمشاكل الزواج والآباء والأبناء، حوار راق بلا إسفاف أو ألفاظ بذيئة، مشاكل حقيقة، وهذا ليس بغريب على ورشة (مريم نعوم) التي كتبت (سجن النسا، تحت السيطرة، خلي بالك من زيزي)، وهى كلها أعمال جيدة جدا ومؤثرة في الدراما المصرية.
العمل يناقش فكرة ومضمون من اعتقاد أن السنة السابعة في الزواج علامة فارقة بين الاستمرار والانفصال، والمقارنة هنا بين العمل المصري وأي عمل أجنبي ناقش نفس الفكرة هى مقارنة سخيفة لأن العمل المصري إبداعي وواقعي وليس نسخة عن أي عمل، لكن المسلسل يناقش هذه الفكرة والمقولة جيدا، وذلك باعتبار أن السنة السابعة سنة فاصلة في العلاقات الزوجية التي تعتبر أساس تكوين الحياة المجتمعية.
ناقش (الهرشة السابعة) الفكرة ببساطة وواقعية وبشكل يجعل المشاهد يعتقد أن ورشة الكتابة كانت تستمع إلى خلافاته مع أسرته، فقد تعمق السيناريو بشكل مكثف في 15 حلقة، لتصبح الأحداث سريعة بلا ملل وتجسيد للأشخاص بشكل واع، عكس كل الأعمال التي تناولت العلاقات الأسرية بشكل نموذجي ورومانسي وتنتهي بنهاية سعيدة، النهاية جاءت مفتوحة تاركة الباب مواربا بين نادين وآدم.
يدور العمل حول (نادين وآدم) الذين تزوجا بعد قصة حب دام سنوات ومشاكلهم اليومية، خاصة بعد ولادة التوأم وتعب (نادين) في تربيتهم، ومحاولة (آدم) إثبات وجوده في العمل خاصة بعدما ترك عمله الأساسي، في كل مشكلة تحدث كانا يحاولان تجاوزها، إلا أن الأمر زاد مع شغل (نادين) في الدوبلاج وقرب (آدم) من (داليا) زميلته بالعمل، تتفاقم مشاكلهم بالطلاق، وذلك بعدما ظهرت (داليا) زميلة (آدم) بالعمل، وتشعر أن (نادين) أنه يخونها، (نادين) تتفاجأ بطلاق والديها بعد زواج دام سنوات طويلة لأن والدتها ترى أن (إبراهيم) لم يقدر تعبها ولم تسمع منه كلمة تقدير.. وأنا تحملت الحياة معه بسببها.
نجد (سلمى) وعلاقتها المتحررة بـ(شريف) صاحب الثقافة المختلفة عن مجتمعنا، خاصة عندما يطلب منها المساكنة التي ترفضها لأسباب عديدة ويتزوجها، علاقتهم كانت جيدة إلى أن تكتشف أن لديها ابنة ولدت وهو في عمر 16 وهرب من تحمل المسؤولية، لكن سلمى تحاول نجاح علاقتها به وتذهب لجلسات علاج العلاقات الزوجية، وذلك بسبب أنها كانت تعاني من إهمال والديها لها بعد طلاقهم، هناك شخصية (فيفي) والدة (آدم) مرحة ومتفائلة بالحياة تساعدهم جميعا في مشاكلهم وتتزوج من طبيب تجميل.
العمل يعتبر حالة متكاملة من الإبداع ، كل العناصر نجحت في إخراج عمل رائع، السيناريو ناقش الفكرة بلا خطب رنانة أو شعارات تقليدية، بل ناقشها من خلال أحداث ومواقف دون الوقوع في فخ النسخ، الإخراج لكريم الشناوي أعتبره إخراج واع للفكرة ليظهرها في مشاهد جيدة بلا فوضى أو أخطاء، إيقاع وحركة الكاميرا مريحة للعين، كل مشهد تم دراسته جيدا، فعلى سبيل المثال مشاهد التحذير من العاصفة بين الأبطال، ومشاهد متابعة ما دمرته، ثم الكورونا وحظر التجوال وإصابة (نادين وآدم)، مشهد غضب (آدم) عندما واجهته (نادين) بشكوكها في خيانته مع (داليا)، مشهد المواجهة بينهم حين قررا الطلاق، مشاهد السفاري لشريف وابنته، مشهد (شريف) يتفرج على صور ابنته وفي ذات الوقت تعرض في الخلفية ورائه تعبير عن أنها ملأت تفكيره.
كل لقطة دليل أن الشخصيات تتصرف بطبيعتها وأنه ليس تمثيل، الانتقال بين الفترات الزمنية جيد دون أن يشعر المشاهد بمتاهة أو يفقد شغفه في المتابعة، الديكور اختار بيوت طبقة متوسطة وليست بيوت الكمباوند والفيلات الفاخرة، بل شقق تتحرك فيها الكاميرا بإضاءة مريحة، وإن كانت أحيانا خافتة إلى حد كبير جدا.
الموسيقى لـ (خالد الكمار) تعبر عن حالة المشاعر من رومانسية والغضب، قدم حالة موسيقية جزء لا ينفصل عن المشهد وليست مضافة في غير مكانها.
اختيار الأغنيات جاء مناسبا ويعبر عن حالة الأبطال في المشهد، كما جاء أيضا اختيار متنوع، أغنية التتر كلماتها من أحد العناصر المعبرة عن موضوع العمل وهى من تأليف (آمار مصطفى) وألحان وغناء (هاني الدقاق وبستان مجدي) وتوزيع مسار إجباري:
(بكلمة نتفرق.. وكلمة تجمعنا.. نبعد و ما نصدق.. كلمة ترجعنا.. و كلمة بتفَرَح.. وكلمة توجعنا.. وكلام كتير يجرح.. مع انه بلا معنى.. وكلمة تحرمنا.. وقلوبنا عطشانة.. فنقول مافيش فايدة.. والحلم جوانا.. وكلام كتير ووعود.. ويا ريتنا نعمل بيه.. وكلام ماهوش مقصود.. لكن بنمسك فيه.. وكلمة بتفكرنا.. و كلمة بتنسينا.. والماضى لو يكسرنا.. ميت حاجة هتقوينا)
اختيار الأغنيات داخل الحلقات ممتاز، تم استخدامها كإحدى وسائل التعبير إلى جانب الأداء التمثيلي، كما أنه اختيار لإلقاء الضوء على فنانين موهوبين مثل (دنيا وائل، زياد طاطا، سمر طارق مع الوايلي)، وكذلك (رند) من لبنان و(يوما) من تونس.
محمد شاهين.. في كل عمل له في هذه الفترات يثبت نضج فني كبير، واختيارات مختلفة لم يقع في نمطية الأداء، بل جعل المشاهدين يبكوا معه في مشهد مع أولاده وهو يحكي قصة الضفدع وكأنه يحكي عن نفسه، انفعالاته الغاضبة في مشاكله مع نادين.
أمنية خليل.. أداء ممتاز لشخصية تنتقد وتحكم على من حولها، تشكي طوال الوقت، لكن أحيانا وأنت تشاهدها تشعر أنك شاهدت انفعالات مماثلة لها من قبل في أعمال أخرى، ربما أدت جيدا، انهيارها كأم لتؤام تحتاج إلى راحة.
كان لدي شكوك أن (أسماء جلال) ربما لن تستطيع أن تجد دورا جيدا بعد (فاتن جميل) في (الغرفة 207)، لكنها تفوقت في دور (سلمى) بتركيبتها المعقدة.
حنان سليمان.. كانت بهجة العمل وأداء جيد لدور لم تقدمه من قبل، لتخرج من حصر المخرجين لها في دور الأم التقليدي، رائعة في دور (فيفي) الفرفوشه، وكذلك (عايدة رياض) كانت قديرة، قدمت دور الزوجة المهدور حقها طوال سنوات زواج بدون كلمة تقدير، الفنان عماد رشاد.. وجوده إضافة ذات قيمة كبيرة للعمل.
محمد محمود.. السهل الممتنع، موهبة كبيرة قادرة على الأداء الكوميدي والجاد، قدم دور (إبراهيم) الشخصية العملية، والذي تفاجئه زوجته بطلب الطلاق بعد زواج ابنتهم، مما يجعله يعاني من الوحدة ويفتقد زوجته.
علي قاسم.. أداء جيد، لكن لم أفهم لماذا صوته كان خافتا، تسمعه بصعوبة رغم أدائه الرائع عند اكتشاف وجود ابنته ومشاعره المتناقضة ومحاولات احتواء (سلمى)، ومحاولة فهم واستيعاب ابنته المراهقة.
أحمد كمال فنان قدير والدور من وجهة نظري أقل من إمكاناته الفنية وموهبته، لكنه قدمه جيدا .اختيار جيد لضيوف الشرف محمد ممدوح وماجد الكدواني الذي قدم مشاهد فيهل الكثير من المصداقية.
الفتاة رؤيا الهاشمي.. لفتت الأنظار بتلقائية الأداء ونظراتها المعبرة .
الهرشة السابعة.. عمل يناقش المشاكل الزوجية والعلاقات الاجتماعية وليس فقط أزمة السنة السابعة بالزواج، يناقشها بشكل واقعي وحوار راقي جدا بلا أي أداء انفعالي وإخراج واع لسيناريو محكم جدا بلا أخطاء.