كتب: محمد حبوشة
رومانسية وأكشن ودموع.. ألغاز تجعل مسلسل (وأخيراً) لـ (نادين نجيم وقصي خولي) من أكثر أعمالهما جرأة وغموضا في موسم رمضان 2023،
فقد اتجهت الأنظار إلى النجمة اللبنانية (نادين نسيب نجيم) مع انطلاق عرض مسلسلها الجديد (وأخيراً) مع النجم قصي خولي، بعدما أشعلا حدة المنافسة في هذا الموسم الرمضاني المفعم بكثير من مسلسلات الأكشن والإثارة والتشويق، ومن أهم الأسباب التي شوقت الجمهور لمسلسل هى حالة التكتم والغموض الشديدة التي سبقت العرض بأشهر طويلة حول تفاصيل المسلسل منذ الإعلان عنه في نهاية العام الماضي، وفرضت النجمة اللبنانية حالة كبيرة من السرية حول المسلسل، ولم تكشف تفاصيله أو ملامح قصته أو أسماء النجوم المشاركين معها في المسلسل باستثناء الفنان قصي خولي، الذي يشاركها بطولة المسلسل.
وزادت (نادين) من حيرة وتشويق الجمهور من خلال برومو المسلسل والذي ضم مشاهد ولقطات مشوقة، وكشف عن ملامح أخرى من المسلسل وكذلك زاد من تساؤلات الجمهور حول العمل قبل أيام من عرضه، وكشفت من خلال البرومو عن مشاركة عدد من النجوم في العمل وعلى رأسهم الفنانة القديرة منى واصف ووسام صباغ وبرناديت حديب وغيرهم، ومنذ ظهر تتر مسلسل (وأخيراً) على يوتيوب، بعنوان (ضاع القلب)، وأحدثت الأغنية ضجة كبيرة على مواقع التواصل بسبب المحتوى المؤثر بها، والتي كشفت عن الجانب التراجيدي في العمل، بالإضافة إلى اللقطات والمشاهد التي عرضها كليب الأغنية.
وكشفت نادين شيئا فشيئا عن ملامح أخرى عن المسلسل، كما زادت من ألغاز المسلسل، ومنها ظهور نادين نجيم بوشوم على يدها ومن بينها تاريخ (1989) على معصم يدها، وهو ما أثار انتباه الجمهور وجعلهم يتساءلون عن سبب كتابته وعلاقته بالأحداث أو أنه تاريخ ميلادها في العمل.
طوال فترة ما قبل العرض، شوق أبطال المسلسل الجمهور من خلال العبارات التشويقية، والتي زادت من ألغاز المسلسل والتي تحولت إلى دافع قوي إلى مشاهدته، ومن بينها عبارات النجم (قصي خولي) على مواقع التواصل مثل: (لما القدر يحول الاحلام الحلوة لكوابيس مرة.. قصة حب وحرية بين الحب والوجود)، كما شوقت حسابات قنوات mbc الجمهور للمسلسل من خلال عدة عبارات ومنها: (جمعهم الحب رغم الألم ولكن للحياة مخططات أخرى.. (وأخيراً) عرض المسلسل في النصف الأول من رمضان، وجاء كدراما تجمع بين الرومانسية الحماس وعالم الجريمة المشوق في المسلسل (خيال وياقوت) صح أولاد حي فقير، ولكن لا يستهون أحد بقدرتهم على الإنتقام!.
وبجانب السرية والغموض حول مسلسل (وأخيراً) وألغازه العديدة، هناك عدة عوامل ودوافع رفعت سقف التوقعات حول المسلسل، وجعلته من أكثر المسلسلات المنتظرة بين الجمهور، وعلى رأسها قصة المسلسل المختلفة، والتي تمزج بين عدة عناصر يفضلها الجمهور، فالرومانسية حاضرة بين الثنائي (قصي خولي ونادين نجيم) في عدة مشاهد بالعمل، وكذلك الكوميديا من خلال المواقف الرومانسية الطريفة بينهما في بداية الأحداث، قبل أن تنقلب قصة حبها وتتحول إلى قصة مؤلمة، وهو ما ظهر في المشاهد المبكية والمؤثرة في ثنايا الأحداث.
المسلسل يكشف عدة قضايا جريئة حول فساد السلطة وصراع المباديء، والإتجار بالنساء، ويعرض قصة حب في أجواء من الألم، من خلال مشاهد الأكشن العديدة بالعمل، وفاجأت (نادين نجيم) بقدراتها في تنفيذ مشاهد أكشن محترفة وقتال ومطاردات، وتحاول الهرب بعد تعرضها للاختطاف من عصابة تحترف الإتجار في البشر، وتحاول انقاذ من معها أيضا، وتتعرض للتعذيب في بعض المشاهد الأخرى، وهو ما يشير إلى تقديم (نادين) دور مختلف تماما عن أعمالها السابقة التي كانت متنوعة بين الدراما الاجتماعية والرومانسية والكوميدية، ولعلها بذلت جهد خارقا في عديد من مشاهد التعذيب.
بالتأكيد هناك من يشاهد المسلسل تحببا بنادين وقصي، وآخرون لأنهم من هواة المسلسلات العربية المشتركة وغيرهم من النكديين الذين يستمتعون بجمع الأخطاء والهفوات كمن يجمع الطوابع البريدية وشريحة كبيرة تشاهد المسلسل بفضول كون هذا الثنائي قد نجح في السابق بإمتاعهم في مسلسل (2020) ومن قبله في (خمسة ونص) فشاءوا أن يمنحوا المسلسل فرصة، ولكن مواقع التواصل الاجتماعي تبقى النبض الأهم والأكثر واقعية حتى وإن كان روادها لا يؤثرون على نسب المشاهدة إلا أنهم مرآة الحقيقة التي لا تحجب ولا تشوه، لذا كان التفاعل واضحا طوال الأ 15 حلقة من التعليقات والبوستات التي تشيد بالأداء.
عامل الاثارة والتشويق لم يكونا غائبين في المسلسل حتى ولو توقعنا من البداية أن يكون المحقق (سعيد سرحان) متورط مع المافيا وهو شريك فيها وربما له ماض انتقامي مع (خيال/ نادين نجيم)، وأن (ياقوت/ قصي خولي) هو من سيحل لغز الاختطاف وأن مساعد المحقق سينقلب على رئيسه حين يعلم انه يتقاعص في التحقيق عمدا، أو ربما يتبين رئيس المافيا (أبو الدهب/ كميل سلامة) هو والد خيال لا نعلم!، وعلى ذكر تقاعص المحقق ورغبة (ياقوت) في إحقاق الحق والتمرد على الأمر الواقع، ألا يذكركم ذلك بدوره في مسلسل (من.. إلى) حيث تجاهله المحقق (محمد ياغي) حينها يقرر أن يأخذ حقه بيديه بمساعدة أصدقائه في نفس الحي الذي صور فيه أيضا مسلسل (وأخيراً)، نفس الموقف في المسلسلين لنفس الممثل ربما نعتبرها نقطة ضعف كبيرة، لكن هذا لم ينل من أداء قصي.
حبكة درامية بصورتها الكبيرة وتفاصيلها، تبدو مكررة، يتعلق المشاهد بالشخصيات نظرا إلى صعوبة ظروفها لا لأهمية الأحداث بل لإثارتها، فيتعاطف معها ويبقى منتظرا على أعصابه النهاية السعيدة التي تشبه جميع النهايات: ينجح البطل في الوصول الى حبيبته ويقتل الشرير، فيشعر المشاهد أنّه حصل على اكتفاء ذاتي متناسيا أن حبكة المسلسل لم تكن على قدر التوقعات، فالنهايات السعيدة هى الطريق السليم دوما لكسب الجمهور والابتعاد عن النقد.
قد تكون حبكة (وأخيراً) عمرها سنين، لا تجديد، إعادة تدوير مواضيع حساسة كالاتجار بالممنوعات، العصابات، مكتومو القيد، أزمة البنوك.. وربما أتى هذا النقص نتيجة تعلق شركات الإنتاج بالكتاب أنفسهم ورفض استقطاب وجوه جديدة، ولكن سخونة الأحداث والإثارة والتشويق في المعالجة هى السبب الأكيد في أن المشاهد لم يمل من إعادة تدوير المسلسلات، قولبتها وإنتاج نسخات معدلة منها، ولعل خبرة (نادين نجيم) التمثيلية هو ما أحسسنا أنها لم تقع في فخ تكرار الشخصية، فنجيم التي لعبت لموسمين شخصية (زهرة) في مسلسل (صالون زهرة) استطاعت الخروج من هذه الشخصية وبناء شخصية مختلفة، فنراها تضحك وتلقي الدعابات بأسلوب (زهرة) نفسه، عدا عن حركاتها، مشيتها وتصرفاتها التي أخذتنا في مشاهد كثيرة إلى جو مسلسلها السابق.
المهم أن مسلسل (وأخيرا) حقق ردود فعل قوية من خلال أداء نادين نجيم، التي لابد وأنك لاحظت أنها قررت الانخراط في مسار فني مخالف لخيارات البداية، من نافذة الكوميديا ولوكانت على جناح السوداوية، متجاوزة التكرار والرتابة ومتخطية حدود النقد اللاذع الذي طال أدوارها في السابق، ومن ثم نجحت في امتحان رسم الأداء الصعب وإقناع المشاهد بمصداقيتها التي كانت تتطور من مشهد لآخر، ومن حلقة إلى حلقة بمزيج من الإثارة والتشويق اللذين ظلا ملازمين لها طوال الوقت دون أدنى افتعال في الإداء، بل كل شيئ لديها محسوب بدقة متنهية تصب في خانة الإبداع ببراعة ساهمت الصورة المبهرة من جانب المخرج في فرض تألقها طوال الأحداث التي كان ينتظرها الجمهور دائما، ولم تخيب ظنه في مشهد واحد يشوبه نوع من الرتابة التي تتمتع بها غالبية المسلسلات اللبنانية السورية الحالية.
أما (قصي خولي) فيبقى واحد ممن يملكون صفات الممثل التي تكفل له الإبداع الحقيقي بمهارات فائقة الجودة على مستوى لغة الجسد والصوت والحركات الموحية في صمته على وجه الخصوص، حيث يبدو لنا مجسدا شخصياته على نحو احترافي يجمع بين السحر والدهشة والإبهار، وربما يأتي ذلك على جناح المعاناة الحقيقية للدور التي لا يصل إليها الممثل دفعة واحدة بل يصل إليها من خلال العمل الدؤوب والمحاولة المتكررة والاحتشاد الذهنى الطويل، تماما كما يفعل (قصي) عندما يحول سيرة البطل الذي يلعب دوره إلى سيرة ذاتية وأن يتحسس الضرورة الكامنة وراء عبارة يقولها البطل أو تصرف ياتيه، وخلال التدريبات التى تجرى مع بقية الممثلين تحت إشراف المخرج يتبلور إحساسه كممثل بالدور وتزداد معاناته عمقا ويكتسب أداؤه الايقاع المنسجم مع إيقاع العمل الدرامي.
صحيح أن (قصي ونادين) ثنائئ معدنه نفيس في الأداء الدرامي، يبقى في لوحة الأداء الجيد في هذا المسلسل محسوبا لكل من القديرة (منى واصف) في دور (أم ياقوت)، سعيد سرحان في دور المحقق (رضوان)، كميل سلامة في دور (أبو الدهب)، فايق حميصي في دور (والد يقوت)، على منيمنة في دور (النقاش)، شادي الصفدي في دور (شفيق)، وسام صباغ في دور (شادي)، وسام فارس في دور (بلال)، برانديت حديب في دور (المدام)، جان دكاش في دور (عاصم)، جوزيف عقيق في دور (وديع)، غنوة محمود في دور (غزل)، هذا فضلا عن باقي فريق العمل الذين أجادوا كل في دوره، ومن فوق كل هؤلاء المخرج (أسامة عبيد الناصر) الذي صنع مشاهد غاية في الدقة والإبهار، مفعمة بالإثارة والحركة السريعة والتشويق.