مجدي نجيب يحكي قصة أول أغنية جمعته بالعبقري بليغ حمدي وغنتها شادية
كتب : أحمد السماحي
مجدي نجيب واحد من كتيبة المبدعين المصريين الذين يزداد تألقهم وألقهم وشذاهم عندما يبدعون، سواء بالكلمة أو بالصورة، فإبداعاته لم تقتصر على منجزاته من الشعر، ولم تقتصر على ما فتحه أمامنا بما فتح الله عليه من كنوز شعرية، أضافت رؤاه ولغته الشاعرية وحساسيته المفرطة في فهم الكون والحياة، بل هو فنان تشكيلي من طراز نادر لعب بالألوان فقدم لوحات تشكيلية لا تنسى.
على مدى مشوار مجدي نجيب الغنائي تعاون مع كبار المطربيين والملحنيين، وكتب أغنيات فتحت أمامنا آفاقا من المعاني والأفكار التى أضافت الكثير للأغنية المصرية، من الملحنيين الذين عانقت كلماته ألحانهم الموسيقار العبقري بليغ حمدي، عن بداية تعاونهما يقول شاعرنا الكبير: كان أول لقاء جمعني بالموسيقار بليغ حمدي في حديقة (معهد الموسيقى العربية) بشارع رمسيس، في بداية الستينات، وكنت بصحبة الكاتب الصحفي عبدالنور خليل، ويومها تحدثنا عن الفن والفنانيين وتقديم وتطوير الفلكلور المصري.
وفي نهاية اللقاء طلب مني أن أكتب أغنية ليقوم بوضع لحن لها، صدمت لأنني لم أكن أتصور أن أترك الشعر والرسم والصحافة والإخراج الفني وانضم إلى قافلة كتاب الأغاني لأنني كنت مقتنعا أن تأليف الأغاني هو نوع من (العار) بالنسبة للشاعر!، لأنه بالضرورة سيتنازل عن بعض الأشياء التى قد تضره كمبدع عندما يبتعد عن اللعب على الورق بمفرده، ولذلك هززت رأسي في غير حماس.
مرت أسابيع ثم قابلت بليغ حمدي، وكرر طلبه فشعرت بالخجل منه، ولذلك قررت أن أخوض تجربة التأليف فقدمت له الكلمات بعد أيام، قرأها وأخذ يرددها وكأنه قد قام بتلحينها، ولكنه فجأة قال لي وكأنه ألقى بما كتبته في سلة المهملات: اسمع المزيكا دي، أنا شايف أحسن لو تكتب عليها كلمات مناسبة، ثم أخذ يعزف على أوتار عوده، وكأنه يستعيد أحد أحلامه القادرة على بناء هيكله الموسيقي كما بنى الملك سليمان مدينة الحلم المتكامل فقلت لنفسي: أنه يريد تعذيبي أو إغاظتي!.
يومع ذلك فكرت لو أنني كتبت على موسيقاه سأفقد بالتأكيد جزءا من حريتي ولن أكون أنا بأي حال من الأحوال، داعبت غضبي مستسلما لبريق في عينيه حيث كانت الموسيقى التى أسمعني إياها تفيض بكم هائل من الشجن الجميل الذي جذبني ولكنه لم يلغ توجسي، فلم شعر بترددي قال وهو يخفي نصف ابتسامة لئيمة: ألم تفكر أن تدخل في تحد مع نفسك، حاول أن تجرب، فلن تخسر شيئا!
ويضيف شاعرنا المبدع : يومها كتبت وهو يسمعنى المزيكا أية كلمات لنفسي على الإيقاع الموسيقي لكي أتذكر ما سأكتب عليه، ثم وعدته أن تكون الأغنية جاهزة خلال أيام، وفي هذا الوقت كانت تستهويني كشاعر فكرة (التراث) لإحياء ما يمكن منه قبل أن تأكله حضارة المدينة بكل أسلحتها التقنية التى تتقدم بإستمرار، فكل شعراء العالم أقدموا على الدخول في هذه التجربة.
وبعد أيام كتبت الكلمات على اللحن الذي أسمعني إياه بليغ حمدي، وأعترف أنها كانت تجربة ليست سهلة على الاطلاق، كانت نتيجتها ولادة أغنية (قولوا لعين الشمس ما تحماشي، لاحسن حبيب القلب صابح ماشي) التى غنتها المطربة الجميلة شادية عام 1966، وحققت نجاحا كبيرا، وكان أجري الذي حصلت عليه من الاذاعة التى أنتجت الأغنية خمسة جنيهات قبل خصم الضرائب منها!.