كتب: محمد حبوشة
تفوق النجم ياسر جلال فى مسلسل (علاقة مشروعة) هذه السنة على نفسه، فكان حريصا على إصدار إشارات مختلفة وجديدة وغير تقليدية تجعله متمكن من أداء الدور بدون خوف، وعبر لغة جسد معبرة للغاية نجح فى أنه يعيش فى الدور بشكل قوى حقق توازن فى الشخصية ما بين الزوج المثالي العاشق لزوجته، والرجل الذي يخدع زوجته ويخفي عليها زواجه من أقرب صديقاتها وكان يتنقل بذكاء بين الدورين.
وكما استطاع النجم المصري ياسر جلال أن يخطف الأضواء منذ عرض الحلقة الأولى من مسلسل (الاختيار 3) في دور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والذي لم يقتصر على الناحية الشكلية فقط، بل التقارب في الأداء الحركي وطبقة الصوت والتي أصابت الجمهور بدهشة وصدمة من قوة الأداء، في تجسيده للرئيس السيسي، نجح هذه المرة في مسلسل (علاقة مشروعة) الرومانسي أن يثبت جدارته كممثل يغترف من معين لا ينضب من الموهبة الآثرة للقلوب والأبصار.
في مسلسل (علاقة مشروعة) جاءت لغة جسده غاية في الدقة والاحترافية في سكناته وحركاته الرومانسية التي عبر عنها هذه المرة بعينين بارعتين وحركة باقي أجزاء الجسد في الإيماءات التي توحي بتأثره العاطفي في مشاهد غاية في الروعة سواء مع زوجته (عاليا)، أو زوجته الثانية (بثينة/ مي عمر) في ذهابه نحو مناطق دافئة من الحب الصادق، ورغم ذلك كانت هنالك نظرة حزن في أعماقه نادما كل مرة في لقائه بـ (بثينة) مستنكرا تلك العلاقة التي تورط فيها، وكان حريصا على إصدار إشارات مختلفة وجديدة وغير تقليدية تجعله متمكنا من أداء الدور بدون خوف، وحقق توازنا بين الزوج المثالى العاشق لزوجته والرجل الذى يخدع زوجته وكان يتنقل بذكاء بين الدورين.
لقد أثبت (ياسر جلال) في (علاقة مشروعة) أن لغة الجسد، لغة أصبحت لغة شمولية يمكن أن يفهمها الانسان، متمثلة بالايماءات والاشارات والرموز والحركات التي تصدر من هذا الانسان أو ذاك، فهزة الرأس إلى الإمام تعني القبول أو الموافقة بينما هزة الرأس إلى الجانبين تعني الرفض أو عدم الموافقة، والاشارة بإصبع السبابة والأصبع الأوسط من اليد على شكل حرف (V) تعني الانتصار، وقد جاء أداء (جلال) في هذا المسلسل الرومانسي الغارق في العاطفة طبقا لمؤلف كتاب (لغة الجسد) من خلال أداء احترافي يشير إلى دلالات لغة الجسد إيماءات راحة اليد حيث تدل الراحة المفتوحة على الصدق والأمانة والاستقامة والخضوع ولوضع اليد على الفم أو على الجبهة دلالة على التفكير، ورفع الابهام دلالة على التأييد، والابتسامة تدل على السرور بينما يدل التقطيب على الحزن، كما جاء في الحقلة الأخيرة على وجه التحديد.
مواضع التعبير الأساسية لدى الممثل الإيمائي (ياسر جلال) تمثلت في (الوجه، الأطراف، الجسد)، فقد استطاع أن يعبر عن حالات معينة رغم ضعف النص المكتوب، إذ أن التمثيل الصامت يعتمد بالدرجة الأولى على الحركة أو الفعل، كما ويعاني أكثر الممثلين من الحالة الذهنية في أثناء التمرين، وأن الحالة الذهنية الطبيعية للممثل وما يصاحبها دائما من حرية كاملة في حركة الجسم هو ناتج الاسترخاء التام للعضلات، وللحالة الذهنية والتركيز دورا مهما في الإدراك الحسي في التمثيل الصامت، التي تتطلب تركيزا ذهنيا عاليا وتحفزا للطاقة البدنية واسترخاء تاما للعضلات تعينه على الوثوب الحركي والتشخيص والتجسيد الحركي لكل العناصر البنائية للمشاهد الصامتة التي تكررت مع (ياسر) كثير عبر الأحداث.
فكما معروف في التمثيل الصامت هو القدرة الإيمائية الناتجة عن الذهن الواثب والجسد المتمكن من أداء الحركات بسرعة ودقة عاليتين، فالحركة والتدريب الرياضي والنشاط ضروريان للممثل الإيمائي، إذ يرى الممثل الإيمائي الفرنسي (اتيان ديكرو): إن الممثل الصامت يجد راحته في عدم الراحة، فيحتاج الممثل الإيمائي الصامت إلى التمارين الرياضة قبل البدء بالتمارين المسرحية، وظني أن هذا ما فعله (ياسر جلال) قبل الإقدام على تجربة (علاقة مشروعة) التي مثلت له تحديا جديدا في قلب الدراما الرمضانية بعد تجربة (الاختيار3).
آمن (ياسر جلال) منذ بداية مشواره الفني الطويل أن التعبير الإيمائي: (gesture) وظيفة الإيماءة التعبير عن العواطف والانفعالات، كما إنها تحوي دلالتها في باطنها، الحركة الجسدية لا يفهم معناها إلا عبر موقف كلي، إذ لا يدرك المحسوس إلا باعتباره صورة كلية، ويظل غير منعزل عن بيئة الحدث الذي تظهر فيه، وأن معنى حركة ما لا يفهم إلا عبر خبر البدن وسياق الموقف الخارجي الذي يوضح دلالتها لدى المتلقي، فوجودها بمفردها لا يوضح معناها وقيمتها التعبيرية، وأن أفضل وسيلة لبثها وقراءة دلالاتها النفسية والمعرفية، وسط المحيط الحسي المتنوع، هو عبر الخبرة الجسدية، وهى بالنهاية نمط حركي سلوكي تصور واقعا، وجزءا أساسيا من التواصل.
يقيني الراسخ أن الإيماءة هى الإنسان عند (ياسر جلال) ينفى فيها العشوائية، فهي قصدية واعية ذات غاية، أي أن الحركة هى ضمن فضاء القصد، فيتطلب عند توظيفها في المشهد الوضوح والتأكيد، ووقوعها ضمن السياق التداولي والخبرة البصرية والإيحائية عند المتلقي، ويجب أن يكون شكل تصميم الحركة الإيمائية مناسبا لهدف المشهد – انظر إلى مشهد نهاية علاقته ببثينة – فسوف تلحظ أم محتوى المشهد ملائما للأفكار التي يحاول المخرج تقديمها، إيماءة لها قواعدها مثل اللغة المنطوقة وتكملها، ويجب أن يخطط لتنفيذها، ليعبر في النهاية عن مكنوناته الداخلية التي تستنكر دخوله في علاقة خيانته لزوجته عاليا.
وقد لاحظت أن (ياسر جلال) يجيد التعبير الدرامي الصامت، وفقا لوضع (اليكساندر دين) وهو من أبرز المنظرين في الفن المسرحي، والذي وضع خمسة عناصر أساسية للاخراج المسرحي هى: (التكوين والتصوير والتفسير والايقاع والحركة والتعبير الدرامي الصامت)، وقد قصد بالعنصر الأخير تلك الحركات او الايماءات الجسدية غير المصحوبة بالكلمات لتعبر عن أفكار ومشاعر معينة تهيئ للمتفرج أن يفهم دلالاتها من السياق وقد تكون نتيجة ردود أفعال أو نتيجة أفعال تعبر عن طبيعة الشخصية والموقف والصفة، تماما كما هو حاله في المشهد الأخير حين جلس كرسي في مواجهة زوجته عاليا في لحظة عتاب مر ليقدم لنا مشهدا هو من أجمل المشاهد بل هو (ماستر سين) المسلسل وقد جرى على النحو التالي:
تجلس (عاليا) بجوار (عمرو) في غرفة الحجز وبعد دقائق من الصمت الموحش الذي يلف المكان، على أثر تصدع العلاقة بينهما:
يقول عمرو في نبرة حزن وأسى نادما على ماحدث: عاليا.. أنا آسف.. سامحيني ياعاليا.. أنا عارف اني غلطت غلطة كبيرة قوي.. ومهما اعتذرت مش حيجي أد اللي عملته.. أنا كنت حاقولك على كل حاجة.
ترد عاليا في حزن شديد: أنا كنت حاسة.
عمرو: حاسة اني متجوز بثينة؟
عاليا: كنت حاسة ان فيه واحدة تانية.. كنت باحس بريحة نفسها في حضنك.. في نفسك.. في نظرة عينيك وانت بتبصيلي.. كتير أوي فكرت أواجهك بس ماقدرتش.. عارف ليه ماقدرتش لأني كنت شايفك كبير أوي في نظري.. أوي.. عمري ما تخيلت أبدا ان تكون خاين.. كل يوم بتبعد عني وعن ولادك.. بس بردو كنت باقول عمرو.. عمرو مستحيل يغلط غلطة زي دي أبدا.. بثينة.. صحبتي ومرات صحبك.. طب ازاي؟.. دا انته كنت بتحاول تصلح ما بينهم!.. ازاي بتعمل كده؟.. وانته موجود في كل ده؟!.
عمرو: امبارح نهيت معاها كل حاجة.
عاليا: امبارح؟
عمرو: قولت لها ماليش غير عاليا والولاد.. بس أنا ماقتلتهاش يا عاليا.. مقتلتهاش!
وفي جلسة أخرى في مكتب المحقق يقول عمرو: ان شاء الله ربنا حيظهر براءتي.. أنا ما قتلتهاش يا عاليا.. والله العظيم مقتلتها.
عاليا: مش محتاجة انك تحلف أنا متأكدة.. احنا الاتنين متربيين مع بعض.. وكل واحد يعرف التاني أكتر ما يعرف عن نفسه.
عمرو: سامحيني يا عاليا.
عاليا: كلنا بنغلط.
عمرو: بس اللي أنا عملته ماكنش غلطة.. دي كانت أسوأ حاجة حصلت لي في حياتي.. حقك على راسي.
عاليا: حقي حيرجع.. لما انته ترجع لبيتك وولادك.
عمرو: عيزاني أرجع البيت يا عاليا.. مصدقة اني مقتلتهاش؟
عاليا: أنا مش بس مصدقة.. أنا واثقة.
عمرو ينظرفي اندهاش: عاليا.. عاليا انتي روحتي لبثينة يا عاليا؟.. انتي روحتي لها؟!
عندئذ تعترف (عاليا) بأنها ذهبت لبثينة ودار بينهما حوار حول خطفها لزوجها، وحاولت (بثينة) أن تفهمها أنها تحب عمرو، ولكن عاليا رفضت مبرراتها، ومع إصرار (بثينة) على إيقافها دفعتها لتستقر جثة هامدة على كرسي مقلوب يدخل في أحشائها غارقة في دمائها مودعة الحياة، وهنا يتضح من قام بقتل بثينة، لكن عمرو يحمل القضية عن عاليا بعد أن ركب عربة الترحيلات في طريقه للسجن لتكتب النهاية المأساوية التي لم ترضي جمهور المسلسل الذي يراها ظالمة وغير مبررة.