كتب : أحمد السماحي
بعد مرور أسبوعان من الشهر الكريم، بدأت الخيوط الدرامية في المسلسلات تتضح، وتبرز، ويتضح الصراع الدرامي بقوة، والحقيقة أن الدراما المصرية وحتى الآن أخفقت في تقديم أعمال مبهرة، أو أفكار درامية جديدة، أوعالجت موضوعات مهمة، أو قضايا شائكة، أو حتى قدمت كوميديا راقية، ولكنها قدمت ضحكات خرساء لا تصدر عن القلب لأنها انعكاس لحركات وتركيبات لفظية فظة لا تمس المشاعر، وكل ما أنتجته الدراما المصرية هذا العام هو إعادة إنتاج لما تم إنتاجه من قبل، فمن بين حوالي 30 عملا دراميا قدمت في المارثون الرمضاني الحالي، لم يلفت النظر حتى الآن إلا قلة من المسلسلات تعد على أصابع اليد الواحدة، وحتى هذه المسلسلات ليس بها إتقانا على مستوى الشكل والمضمون.
فالمتابع للموسم الرمضاني الحالي يجد أن الدراما المصرية لم تقدم عملا رائعا يدعونا للتأمل أو التفكير يمكن الوقوف أمامه والإشادة به، ولكن قدمت أعمال يمكن أن نقول عليها ونحن مرتاحي الضمير (أعمال جميلة أو لطيفة فقط!) لا تزيد عن هذا، والسؤال إذا كانت مصر لا زالت تعتبر نفسها الرائدة الأولى في الفن والقدوة التى يجب أن تحتذى من الدول العربية الشقيقة، فهل ما قدمته هذا العام في المارثون الرمضاني هو الدرس الناصع الذي تقدمه لهم في الفن؟!
بالتأكيد لا!، خاصة وأن الدراما العربية هذا العام تفوقت بقوة من خلال تقديمها مجموعة من الأعمال الرائعة التى سيقف التاريخ عندها كثيرا خلال السنوات القادمة، وستبقى محفورة كالوشم في ذاكرة ووجدان الجمهورالعربي.
ابتسم أيها الجنرال
أول هذه الأعمال المسلسل السوري الرائع (ابتسم أيها الجنرال) الذي حجز لنفسه مكانا مهما في قلوب متابعيه على مستوى الوطن العربي، وكلنا ننتظره يوميا بلهفة وشوق، ونضبط ساعتنا على ميعاد بثه، ومن خلاله يتم تشريح بنية الاستبداد والطغيان، وآليات وصول العائلات إلى سدة الحكم في عالمنا العربي، وفضح هؤلاء الحكام والكشف عن جرائمهم وتخلفهم وانحطاطهم، وعدم شرعية، أوعدم أخلاقية وجودهم في الحكم، فهم لم يأتوا عن طريق انتخابات ديمقراطية بقدر ما استولوا على الحكم استيلاءا!.
هذا المسلسل البديع أغضب أسرة (بشار الأسد) بقوة موضوعه وأداء نجومه القوي المنضبط الذي يأخذ العقل، المسلسل إنتاج شركة (ميتافورا) للانتاج الفني، تأليف سامر رضوان، إخراج عروة محمد، بطولة النجوم (مكسيم خليل، عبد الحكيم قطيفان مازن الناطور، ريم علي، غطفان غنوم، سوسن رشيد، عزة البحرة، مرح جبر) وغيرهم من النجوم.
الزند
من الأعمال الرائعة والتي تتمتع بإتقان على مستوى القصة والإداء والإخراج أيضا التى حجزت لنفسها مكانا في التاريخ الدرامي المعاصر، وحجزت لنفسها أيضا مكانا في القلوب المسلسل اللبناني (الزند ..ذئب العاصي) فهو واحد من أكثر المسلسلات العربية متابعة، حيث ننبهر يوميا بعظمة الأداء التمثيلي، وقوة الموضوع، وعذوبة وروعة الموسيقى التصويرية، وتصميم الملابس، والديكور، والمونتاج، وحتى اللهجة العلوية المتقنة على لسان ناطقيها، وقبل كل هذا إخراج المبدع (سامر برقاوي)، كل شيئ في هذا المسلسل على درجة كبيرة من الإتقان والاشتغال على أدق التفاصيل لهذا جاء مبهرا بكل ما تعنيه هذه الكلمة، المسلسل تأليف عمر ابو سعدة، إخراج سامر برقاوي، بطولة أيقونة الإبداع تيم حسن المتجدد دائما، ويشاركه نخبة من النجوم منهم (دانا مارديني، فايز قزق، انس طياره، ريهام قصار) وغيرهم.
وتدور أحداث العمل في حقبة الإقطاعيين خلال الحرب العالمية الأولى، وصراع الفلاحين لاستعادة أراضيهم، حيث يعمل (عاصي الزند) الذي قُتل والده خلال طفولته أمام عينيه، بعد عودته من الخدمة العسكرية، والتي قضاه يفكر في الانتقام والأخذ بالثأر من قاتل والده، إلى قريته الأصلية ليجد أن الباشا (النورس) قام بالاستيلاء على أرضه، فيحاول تدبير خطة ذكية للانتقام منه واسترجاع حقّه، وتدور باقي الأحداث.
النار بالنار
مبارة تمثيلية مليئة بالأداء الساخن (الطازج) القوي، المشع بالحيوية والموهبة وقوة الحضورة نشاهدها يوميا من خلال المسلسل اللبناني (النار بالنار)، فهذا مشهد بديع مليئ بالتكنيك العالي يؤديه بكل طاقته المتفجرة وحيويته التى لا تجارى قطعة الصلصال المتلونة (عابد فهد) يحرز من خلاله هدف في مرمى الإبداع، يرد عليه بأداء ثابت مركز مليئ بالزخارف والمنمنمات صاحب الأداء الهادئ الذي يغلي من الداخل بموهبة واسعة (جورج خباز)، وبين الاثنين تؤدي الموهوبة (كاريس بشار) أداءا ساحرا يخطف القلوب، وينتزع التصفيق، تتغير فيه ملامح وجهها بين القلق والأندفاع، بين خيبة الأمل والدهشة، ويراقبهم من بعيد ويدخل معهم حلبة المنافسة الموهوب بالوراثة والسليقة (طوني عيسى) ويحفر إسمه بحروف من نور فى هذه المبارة حامية الوطيس.
مسلسل (النار بالنار) مأخوذ عن عن مسرحية (تاجر البندقية) للمسرحي العالمي ويليام شكسبير، قصة رامي كوسا، حوار (ورشة الصبّاح للكتابة)، وإخراج محمد عبد العزيز، موضوع المسلسل ساخن وجديد ويتحدث عن العلاقة التاريخية المعقدة التي تجمع بين سوريا ولبنان، كما يتناول العلاقات التي تربط بين الشعبين أدبياً وفنياً وثقافياً وجغرافياً وتاريخياً، فسوريا ولبنان حكاية تاريخية قديمة، وتدور أحداثه في أحد حارات لبنان القديمة التي يتشارك فيها لبنانيون وسوريون، ويرصد قصص اللاجئين السوريين بهذه الحارة بعد الهجرة، وفترة الحرب في سوريا، بالإضافة إلى المشاكل اليومية التي يواجهها اللبنانيون والسوريون.
سفر برلك
مسلسل (سفر برلك) حلم المخرج العبقري الراحل (حاتم علي)، استطاع أن يخرجه للنور بشكل رائع ودقيق وشبه متكامل مخرج التفاصيل (الليث حجو)، المسلسل يجعلنا نعود دائما إلى محرك البحث (جوجل) لنستعيد الكتابات التى تتحدث عن الفترة التى يتناولها المسلسل الذي تدور أحداثه في فترة صدور قرارات الخدمة العسكرية الإلزامية التي أصدرها السلطان العثماني (محمد رشاد) عام 1914 يدعو فيها كل من هم في عمر هذه الخدمة الإلزامية في كامل المناطق التي تقع تحت سيطرة حكم العثمانيين للإلتحاق بالخدمة.
في تلك الفترة يلتحق أربعة شبان بالخدمة العسكرية العثمانية، وخلال الأحداث يتم تسليط الضوء على حياة هؤلاء الشبان الأربعة أبطال العمل وهم الفنان السعودي (عبدالرحمن اليماني) والسوري (أنس طيارة) واللبنانيان (وسام فارس، وبيو شيحان).
مسلسل (سفر برلك) ) تأليف ورشة كتابة، وإخراج الليث حجو، وإنتاج قناة (Mbc)، وبطولة مجموعة من النجوم ففضلا عن النجوم الذين ذكرناهم يشارك في العمل أيضا (عابد فهد، جورج خباز، محمد بخش، مؤيد الثقفي، خالد يسلم، ميلا الزهراني، هند محمد) وغيرهم صور الجزء الأكبر من أحداثه فى مدينة الأنتاج الأعلامي في مصر، وباقي الأحداث صورت بين لبنان وسورية.
ليلة السقوط
لا تقتصر الأعمال الرائعة فقط على سوريا ولبنان ولكن هذا العام تقدم العراق ملحمة وطنية مليئة بالرسائل المهمة خاصة للشباب العربي، حتى لا ينساق وراء الكلمات المعسولة التى يبثها في أذنه تجار الدين، والإرهابيين بعنوان (ليلة السقوط) تأليف الكاتب المصري مجدي صابر، إخراج السوري ناجي طعمي، حيث يوثق العمل المآسي التي شهدها العراق خاصة مدينة الموصل، بالصورة التى تليق بتوثيق أحداث مهمة حقيقية تظهر دور القوات العراقية فى الحفاظ على وطنهم، وأبرز العمل تكاتف الشعب العراقى بكل مكوناته وطوائفه وقومياته في مواجهة قوى الظلام والطغيان التي حاولت محو تاريخ العراق الجميل.
ويحكى المسلسل فى إطار درامى تشويقى توثيقى الجرائم التى ارتكبها تنظيم داعش الارهابي فى أهل العراق فى 3 سنوات عجاف شهدت خلالها أحداثاً مأساوية دموية.
ويقدم النجم المصري المبدع والمخيف (طارق لطفي) من خلال دور الداعشي (عبدالله حسن عوف) أو (الدباح) واحدا من أهم أدواره على الإطلاق، ويشارك فى العمل من مصر أيضا الفنان أحمد صيام، ومن سوريا النجم باسم ياخور، والفنانة كندة حنا، ومن الأردن النجمة صبا مبارك، إلى جانب كوكبة من نجوم الدراما العراقية وأبرزهم (رياض شهيد، جواد الشكرجي، وخليل إبراهيم، وذوالفقار خضر، وريهام البياتي، وبيداء المعتصم).
………….
كلمة أخيرة
انتظرونا غدا سنستكمل الحديث عن أجمل المسلسلات العربية (وأخيرا، خريف عمر، مقابلة مع السيد آدم، زقاق الجن)، ومفاجأة رمضان المسلسل السوداني (ود المك)، والمسلسل الليبي (السرايا 2).