بقلم: بهاء الدين يوسف
من المسلسلات التي أتابعها منذ بداية رمضان الحالي مسلسل (سره الباتع) للمخرج خالد يوسف، وذلك لأكثر من سبب أولها أنني كنت قارئا جيدا لأدب (يوسف إدريس)، وبالتالي كنت أترقب كيف سيتعامل المخرج مع قصته القصيرة في ضوء ما تسرب عن العمل من إنه يرصد تاريخ الوطنية المصرية من بداية الحملة الفرنسية حتى الآن.
السبب الثاني أنني كنت أريد معرفة كيف سيتصرف (خالد يوسف) مع المأزق الذي وضعته فيه الظروف، بما أنه محسوب على جناح ثورة 25 يناير فضلا عن انتمائه لليسار المصري، لكنه ينتج مسلسلا محكوما بإطار عام يتحكم في كل ما يتعلق بتلك الثورة التي تنقلت بين النبل والشيطنة في أدبيات المصريين طوال الأثني عشر عاما الماضية.
كذلك فإن المسلسل هو أول تجربة تليفزيونية لخالد يوسف بعد أن حقق نجاحات ملفتة في السينما، كان القاسم المشترك فيها كلها هي الجرأة الشديدة في تناول مشاكل المجتمع المصري، وهو ما لم يعد مرحبا به في الوقت الحالي.
لكل ذلك حرصت على متابعة المسلسل، وبعد مرور 14 حلقة منه استطيع أن أؤكد أنني لست سعيدا تماما بالعمل لكنني لست مصدوما منه، وظني أن (خالد يوسف) بشكل عام استطاع أن يسير بخفة ومهارة ساحر على الأشواك الكثيرة التي وضعت في طريق العمل، وباستثناء بعض الهفوات الفنية التي تحسب على المخرج يمكن القول ان المسلسل يصنف ضمن الأعمال الناجحة حتى الآن رغم إنه أقل في المضمون والجرأة بكثير عن أعمال خالد يوسف السينمائية.
فنيا لم يكن اختيار أحمد فهمي مناسبا لبطولة العمل كونه ممثل ذا وجه واحد لا يملك القدرة ولا المرونة الحسية التي تجعله يقدم أدوارا تحمل الكثير من المشاعر والأحاسيس المتضاربة، فكانت النتيجة إنه قدم تلك المشاهد إما ببرود أو بافتعال زائد وفي الحالتين لم يكن مقنعا لي كمشاهد أو قادر على كسب تعاطف الناس مع قضاياه.
أيضا كان تساهل المخرج مع التفاصيل التي تخص فترة الحملة الفرنسية خطأ فادح سواء الجندي الذي كان يرتدي حذاء رياضيا لم يكن معروفا في تلك الفترة، أو الممثلات الفلاحات اللائي يفترض بهن أن يكن بسيطات بينما (الحواجب التاتو) المرسومة على وجوههن تخرج ألسنتها للمشاهدين الطامعين في الفرجة على مصر الحقيقية في زمن الحملة الفرنسية.
يحسب لخالد يوسف كما ذكرت في بداية مقالي قدرته الجيدة على السير فوق الأشواك السياسية التي أحاطت بالعمل، وذلك من خلال تقديم مضمون ظاهري مريح لمن يتربصون به، تجسد في تقديمه ثورة يناير بشكل حيادي يعرض آراء المشاركين فيها من الحالمين بحياة أفضل والمعارضين لها، والذين ينسبون لها كل خراب حل بمصر، لكنه في ثنايا العمل مرر بعض الرسائل المبطنة لمن يريد أن يتفكر فيها أو يستطيع أن يلتقطها، مثل الحوارات بين العالم الفرنسي (كليمونت/ حسين فهمي) المؤمن بالحرية والعدالة والإنسانية، وبين الجنرال الفرنسي (بيلون، نضال نجم) الذي لا يعرف غير القتل والسجن وسيلة للتعامل مع المصريين البسطاء، كما نجح يوسف في التحايل على المتربصين به بالهرب من أي إسقاطات سياسية معاصرة الى تعظيم مشاهد ثورة الفلاحين في زمن الحملة الفرنسية في وجه الاستعمار الفرنسي بما كان يمثله لهم وقتها من ظلم واستبداد وخراب.
باختصار يمكن تلخيص ما قلته في السطور السابقة بأن (خالد يوسف) نجح في تقديم عمل ربما ليس هو الأفضل في مسيرته المهنية، لكنه بالتأكيد يحسب له قدرته على تمرير قناعاته السياسية وسط مشاهد قد يفهمها البعض على إنها تكرس تخليه عنها!