هالة صدقي.. تفوق ملحوظ في الأداء الكوميدي والتراجيدي
كتب: محمد حبوشة
لايختلف أحد على أن النجمة الكبيرة هالة صدقي ممثلة من الوزن الثقيل، ولعل تألقها على شاشة رمضان 2023 في مسلسلي (جعفر العمدة، وسره الباتع)، يؤكد صدقها الفني الذي يفضي إلى إبداع حقيقي، فعلي الرغم من عدم إعجابي الكامل بدورها في أم (محمد رمضان) في مسلسل (جعفر العمدة) إلى أنها استطاعت أن تصنع حالة من الكوميديا عبر لغة جسد ووجه معبرين يجبرانك على الضحك رغم لسانها الزالف في أغلب حوارتها التي ليس لها يد فيه، وإنما يرجع العيب كل العيب على كاتب السيناريو والمخرج (محمد سامي)، الذي تعمد توظيفها وكل شخصيات المسلسل في خدمه بطله (الأسطورة الزائفة) محمد رمضان.
الارتجالات التي تقوم بها (هالة صدقي) تؤكد نضجها الفني، وذلك بفضل تجاربها الكثيرة في الأداء وتلونها بشخصيات، كما يبدو لا تختلف كثيرا عن طبيعتها الشخصية في أنها فنانة محبة خفيفة الظل محبة لفنها، وهو ربما مايشير إلى حد عدم الفصل بين شخصيتها الحقيقية والشخصية التي تجسدها، فحتما هناك خط يربط بينها وبين شخصياتها الدرامية، ولعل هذا يبدو واضحا في معاناتها كأم لـ (حامد في (سره الباتع)، وكأن هناك إسقاط على حياتها الشخصية التي تعتريها بعض الآلام والأحزان التي صاحبتها طوال الفترة الأخيرة من حياتها المضطربة بفعل زواج فاشل أفضى بها إلى حالة الطلاق كما نعرف، وهو ما انعكس بالضرورة على أدائها.
وظني أن الفنانة الجميلة شكلا وروحا وملامح شخصية (هالة صدقي) هى واحدة من نوع الممثلين الذين يعنون جيد بالشخصية قبل الدخول في آهابها، فتقوم بالتحضير لها جيدا من خلال دراسة متأنية لطريقتها في الكلام وحركاتها المميزة، فيأتي أداؤها فائق الجودة عبر إيحاءات وإشارات عرضية، ويبدو التحول خاصية أساسية للتمثيل عند (هالة).. إنه انسلاخ عن الذات وتقمص للآخر (الشخصية)، لذا فهى تتقمص الشخصية بكل سماتها وخصائصها ومميزاتها بحيث يمحو ذاتيتها تقريبا، أى أنها لا تكشف ذاتها إنما تجسد الشخصية وتختفى وتتوارى داخلها، بل إنها تلتحم بالشخصية فى مستوى سيكولوجى عميق، غير أننا نعى حضورها ونشعر بأن هذا الحضور يضاعف ويحدد فهمنا للشخصية التي تجسدها ببراعة فائقة.
ومن خلال متابعتي لمسيرتها الفنية الطويلة ألحظ أن (هالة صدقي) تسعى في كل أدوارها في السينما والتلفزيون والمسرح إلى التماهى والتطابق مع الدور، حتى وإن كان متعارضا مع ذاتها الحقيقة، إنها تكيف ذاتها وتلج الدور ليقطن فى الشخصية، وأثناء ذلك تقوم بتحويل نفسها ليس جسمانيا، كمظهر وانتحال حركى وصوتى، فحسب، بل أيضا ذهنيا وروحيا، بحيث يبدو الدور مختلفا تماما عن ما هو مرسوم له في السيناريو، ويمكنني القول بأن (هالة) تنتمي لنوعية الممثلين الذين يجسدون الشخصية بطريقة مباشرة وغير معقدة، ومع ذلك نحس بالصدق فى أدائها، وتظهر قدرة عالية على فهم الشخصية وتوصلها ببراعة واقناع، وهى ممن يعايشون الأدوار لكن دون القيام بتحريات أو عملية استقصاء سيكولوجى بشأن الشخصيات، بل تعتمد على الخبرة والحدس والغريزة، كما بدا لنا ذلك واضحا جليا في شخصية الأم في كلا المسلسلين (جعفر العمدة، وسره الباتع).
في تواز غير مخل نرى (هالة صدقي) تملك القدرة على الأداء الكوميدي والتراجيدي في آن واحد عبر عملين مختلفين، وبالتأكيد، فإن هذه العملية تقتضى وعيا فنيا ومعرفة ثقافية وسيكولوجية ومقدرة استثنائية لدى المخرج في التعامل مع قدرات (هالة صدقي)، فالشخصيات التى يتعين عليها أن تجسدها ينبغى معرفة خلفيتها الاجتماعية والتاريخية ودوافعها، والمحركات أو المكونات التى تجعلها تفكر أو تشعر أو تتصرف بطريقة معينة، لكن من جانب آخر، فإنها تفرض على نفسها كممثلة أن تتحمل مسؤوليتها فيما يتصل بعملية السبر، فمقابل تجاهل المخرج أو التغاضي عن حرفيتها فعليها كممثلة أن تبادر من تلقاء نفسها، ودون أن يملى عليها أحد ذلك، إلى الكشف عن مخزون الذاكرة وفحص تجربتها الحياتية والثقافية، لعلها تجد تماثلات مع الشخصية التي تؤديها، أو حالات ومواقف تثرى وتعمق الشخصية، وذلك بعد دراستها من جميع جوانبها وعبر مختلف المستويات.
ولأنه يتعين على الممثل أن يدع الشخصية تتعايش مع ذاته، وأن تكون جزءا منه من كيانه، لا أن تكون غريبة وشاذة ومستقلة، فإن الممثل لايستطيع أن يكون صادقا ومقنعا فى دوره إن شعر بنفور أو كراهية للشخصية التى يؤديها، وحتى لو اتخذ موقفا محايدا إزاءها فإن خللا ما سيظهر جليا للعيان، ومن أجل ذلك فإن (هالة صدقي) لابد أن تحب الشخصية أيا كانت (كوميدية أو تراجيدية)، ولابد أن تشعر بأنها تمثل جانبا منه الظاهري أو الخفى، ربما لايشعر الممثل بارتياح، أو لنقل بتماثل مع شخصية شريرة – على سبيل المثال – لكن هناك حتما جوانب مشتركة بين ذاتها وهذه الشخصية ربما ليس فى السلوك، لكن فى حركة ما، فكرة ما، طموح ما، اتصال حميمى بشىء ما، تماما كما تفعل (هالة) في كل حالتها التمثيلية في دور الأم في مسلسلي رمضان 2023.
وعلى كل ما مضي، فإنه لابد من تحية تقدير واحترام للفنانة (هالة صدقي)، فهى فنانة من طراز خاص، تملك منطقة خاصة من الصعب أن نجد من ينافسها بها، فهى شخصية فنية ثرية بالمشاعر والأحاسيس، لديها القدرة على أن تخطفك سواء بخفة ظلها كوميديا أو بالتعاطف معها تراجيديا، ولا تشغلها أبدا البطولة المطلقة، فكل دور تقدمه هو بطل فى نطاقه بحسب وجهة نظرها، ولا يوجد ما يسمى ببطولة مطلقة، ورغم ذلك فقد وصلت لحالة من النضوج الفني التي تجعلها تقدم أدوارا وشخوصا لها تأثير على جمهورها في مختلف أنحاء الوطن العربي، فأصبحت تبحث عن الكيف وليس الكم منذ فترة طويلة، مما جعل ما تقدمه مختلفا عما قدمته من قبل من أعمال درامية، سواء في السينما أو على شاشة التليفزيون.