كتب : أحمد السماحي
نرى في وجه الفنان المبدع صلاح عبدالله رجلا يحمل هموم كسوة الولاد في العيد، عامل باليومية غداؤه كعكة وشريحة جبن وبصلة، بائع عرقسوس يسرح طول النهار بالقدرة النحاسية اللامعة فوق بطنه ولم يبع شيئا يذكر، مدرس ابتدائي أنفق الليل كله في تصحيح الكراريس، راجل واقع في ورطة وراح يفكر في الاقتراض من صديق لكن الحياء يمنعه من فتح فمه، رجل على باب الله ينتظر الحسنة ويتحاشاها في نفس الوقت درءا للحرج، موظف بلدية مخصوم من مرتبه بضعة أيام لمخالفات لم يقصدها بسبب طيبة قلبه.
كل ذلك وغيره نراه في وجه (عم صلاح) الذي يستطيع استيعاب ألوان متعددة من الشخصيات المصرية الأصيلة، ويؤديها ببراعة واقتدار وإحساس صادق ووعي حقيقي بمشاعر عامة الناس، فطريقته في الأداء طبيعية جدا، ليس فيها أي قدر من التكلف، يتحدث كما يتحدث عامة الناس في الشوارع والحارات والبيوت وأماكن العمل، لكنه بذكاء حاد وبخبرة اجتماعية ناضجة ومبكرة يمسك بالملامح الإنسانية والعلامات الفارقة بين الناس والتى تظهر في طرائقهم في الكلام والتعبير والسلوك، فلكل واحد حركاته وإيماءاته وبصماته ولكنته التى تعتبر بمثابة البطاقة الشخصية لكل إنسان في الحياة العامة.
طوال شهر رمضان الحالي يمتعنا بأدائه العفوي البسيط، والعميق في نفس الوقت من خلال ثلاثة أدوار متميزة للغاية، ومختلفة في مسلسلات (سره الباتع)، و(حضرة العمدة)، و(رشيد)، ففي مسلسل (حضرة العمدة) تأليف إبراهيم عيسى، وإخراج عادل أديب، يلعب دور شيخ بلد معمر، عاشق للحياة، يعلم كل خبايا البلد الذي يقيم فيه، ورغم صحته المتدهورة إلا أن ذلك لا يمنعه من الاستمتاع بالحياة.
وفي مسلسل (رشيد) تأليف وسام صبري، وإخراج مي ممدوح، يؤدي شخصية (الحاج فهمي) صاحب الشركة التي يعمل فيها رشيد، والتى تحمل شخصيته سمات إنسانية متناقضة!، فهو محب للرياضة ويشاهد مباريات الكرة في الأستاد، ومتزوج أكثر من واحدة.
أما في مسلسل (سره الباتع) المأخوذ عن رواية الأديب يوسف إدريس، ومعالجة درامية وسيناريو وحوار وإخراج خالد يوسف، فهو يؤدي شخصية جد الشاب (حامد/ أحمد فهمي) الذي يحكي لحفيده بعض من ذكرياته عن السلطان حامد والمقام، وقد تألق بأداء سلس وبسيط وعفوي ووصل لذروة أدائه حتى الآن في الحلقة (11) في مشهد جنازة (نديم) زوج حفيدته (فاطمة)، خاصة وهو يقرأ الدعاء وهو في حالة انهيار شديدة ودموعه على وجنتيه، حيث يقول :
(يا نديم يا ابن زاهية هل تعلم الآن إنك مت، وأن الموت حق، والجنة حق، والنار حق، وسؤال الملكين حق، فإذا سألوك فقل خرجت من الدنيا، على لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، وإنك رضيت بالله رب، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إيمانا، اللهم ما ثبته عند السؤال.. يارب ثبته عند السؤال.. يارب إذا كان محسنا فزده من حسناته، وإذا كان مسيئا تجاوز عن سيئاته).
وبعد أن يختم دعائه الذي أبكنا جميعا بأدائه الصادق العفوي كأنه جد يدعو بالفعل لحفيده يخرج ويتحدث مع السيدات المعزيات ويطلب منهن عدم البكاء ويأمرهن وهو في حالة إنهيار بان يزغردوا فهو بالنسبة له عريس ويجب أن يفرحوا.
وقام المخرج المتميز خالد يوسف بشحن المشاهد من خلال تقطيعاته الذكية للمشهد، وزاد من شحن الناس وتأثيرهم موسيقى (راجح داوود) المليئة بالشجن، والأداء الباهر الملفت للفنانة المبدعة (منة فضالي) التى قامت بدور (فاطمة) والتى قدمت واحدا من المشاهد التى لن تنسى خلال هذا المارثون الرمضاني.