بقلم: محمد شمروخ
لم أهتم بداية بمشاهدة مسلسل (رسالة الإمام)، فقط لأنى علمت أن الفنان خالد النبوى هو الذي سيؤدى دور الإمام.
بالطبع لم أكن متحاملا عليه، كما أننى أشهد بأنه ممثل ذو قدرات ممتازة في أداء الأدوار، وهو من النوعية التى استطاعت أن تقيم علاقة مباشرة مع الكاميرا، فهو من الوجوه التى تجذب الكاميرا إليها ببساطة واقتدار ويعجبنى فيه أداؤه البسيط المباشر وتشربه للدور بشكل استحق به أن يصعد للصفوف الأولى كممثل قدير، ولما لمع نجمه كان بسبب تلك القدرة على أداء الأدوار، ومع ذلك لم أهتم بمتابعة المسلسل في البداية!
– أمرك عجيب.. لماذا بعد كل هذا المدح في (خالد النبوى)، امتنعت عن متابعة المسلسل؟!
الإجابة ببساطة في الفارق ما بين ممثل يقوم بدور فيجيد فيه، وبين ممثل يقوم بتجسيد شخصية فلا ينجح فيها.
– هذه فذلكة وأيم الله.
– بدون فذلكة ولا ادعاء، فكونى غير متخصص في أصول النقد ولأنى خارج الوسطين النقدى والفنى، فإن ذلك يتيح لى الانطلاق من قيود النقد وقواعده، فيسهل التعامل مع العمل الدرامى مباشرة وبدون عقد وكلاكيع.
فقط أمارس فذلكتى هذه من مقعد المشاهد (المأنتخ) على الكنبة، كما تحررني هذه الكنبة من الاعتبارات التقليدية من أي (مجاملات أو محاملات مع أعضاء الوسط) فيما بين عالمى الفن والنقد فأجد نفسي حرا وأنا باتفذلك براحتى، فلذلك أخلع نفسي من الوسط النقدى، كما خلعت خاتمى هذا وأثبت مكانى على كنبة المشاهد (المأنتخ)، كما ثبت خاتمى هذا.
(يعنى من الآخر.. مش هاعمل فيها طارق الشناوى)، وإليك هذه تفاصيل الفذلكة:
فالأستاذ خالد النبوى يجيد تمثيل الأدوار المسندة إليه ولكنه لا يجيد تجسيد الشخصيات وخاصة التاريخية الحقيقية!
لماذا؟:
لأن خالد النبوى لا يندمج إلا مع خالد النبوى، فيعيش الدور معايشة حقيقية حتى يعيد إنتاج نفسه فيندمج خالد الإنسان مع خالد الممثل، لكنه لا يذوب في الشخصيات، يظل خالد حاضراً في المشهد بشكل واضح مع أنه يؤدى الدور باقتدار!
يعنى ببساطة (خالد) اتحط في موقف وعاش الدور كأنه حقيقة، فهو قد التزم بالدور ولكنه لم يلزم الشخصية التى تطغى عليها شخصية الممثل الأساسية، فلابد من بذل مجهود جبار حتى يصبحان متحدين في الجوهر والمظهر.
لكن الممثل عندما يجد نفسه سالكا لطريق النجومية يفضل شخصيته الحقيقية على أى شخصية يقوم بأدائها.
والعجيب أن هذه النوعية من الممثلين يسلكون طريقهم للنجومية بسهولة لارتباط النجومية أساساً بالنرجسية والتمركز حول الذات الذي يصل في كثير من الحالات إلى عبادة الذات والعياذ بالله، وهى صفات النجوم في كل زمان ومكان؛ بل وفي كل مجال؛ وليس شرطا عالم الفن!
ودعنى أصدمك بأن هذا اعتقادي الذي هو أساس انتقادي للنجوم والنجومية معا، فهناك مسافات شاسعة يمكن أن تكون بين ثقل القدرة وحجم النجم.
أنا شخصياً، من مقعدى هذا فوق كنبة المشاهد (المأنتخ)، أستطيع أن اقرر بأن هناك ممثلين أصحاب قدرات عبقرية لم تكتب لهم النجومية السوبرية، كما أن هناك ممثلين بقدرات متوسطة سلكوا طريقهم للنجومية، لأن الكاميرات والفلاشات وعقود الإنتاج أحببتهم دون شرط توافر الاهتمام بالمضمون الحقيقي.
ولأن (خالد النبوى) سبق أن قام بدور السلطان المملوكي (طومان باي) في مسلسل سابق بعنوان (مملكة النار)، لكنى لم أجد (طومان باي) في أى مشهد، بل وجدت خالد النبوى يقوم بدور طومان باي، ذلك لأن (النبوى) طغت شخصيته بأدائه الذي لا يتغير كغالبية النجوم، فذاب طومان باي في شخصيته، فلم نر صورة ولم نسمع صوتا لطومان باي، مع أن شخصية طومان كآخر سلاطين المماليك تعتبر منجم ذهب سكري في الدراما، وتتيح فرصا هائلة للاغتراف منها ومن مواقفها، لاسيما وأن الفترة التى عاش فيها كانت مغموسة في المآسي المتوالية، كما كان؛ له وحوله؛ تجارب تستنفر قدرات أى ممثل لأن يعيد تكوينه داخل شخصيته الدرامية، ليخرج لنا طومان باي بلحمه ودمه، بغض النظر أن يكون مطابقا للواقع التاريخي مطابقة البصمة الوراثية.
فهمتنى يا عم الحج؟!
من الأول تاتى:
أما قالوا لى إن (خالد نبوى) بيمثل شخصية (الإمام الشافعى) بكل ثقله التاريخي والعلمى والفقهى والثقافى والإنسانى، قلت بلاش أظلمه، فلعله استفاد من المماليك وهذه المرة سيعيد إنتاج شخصية درامية تمثل أمامنا الإمام الشافعى الجدير بأن يعاد تمثيل شخصيته مراراً، لكن قلبى كان على حق، فطوال الحلقات التى سارعت بالبحث عنها بين القنوات، لم أجد كما توقعت، الإمام الشافعي ولكن وجدت الأستاذ خالد النبوى لابس أبيض في أبيض ورايج جاى يناكف في خلق ربنا وبيقول إنه الإمام الشافعي.
– لا والنعمة الشريفة ما هو الشافعي ولا يقرب له من أساسه.
– هو أنت تعرف الإمام الشافعى؟!
– يا جدعان افهمونى لأنها مش ناقصة، أنا يا عالم ياهوو جاي أتفرج على الشافعي مش على النبوى!
يعنى مش كفاية (محمد رمضان) فارض نفسه علينا كل موسم بقوة شخصيته الجبارة وهو لابس أم نفس القناع الذي لم ينزعه عن وجهه من أيام (الأسطورة) ويمكن قبلها، والأكادة إنه بنفس درجة التون.. قوم يطلع لنا النبوى كمان.. ومع مين مع الشافعي شخصياً.
طيب هو أنت قد الشافعي يا نبوى؟!
حقا كان خالد يقوم بدور شخصية تاريخية أداه بشكل جيد وربما ممتاز، لكنه أجاد في الدور ولم يجد في الشخصية!
والسر أنه أراد أن يكون نجما أكثر من اهتمامه بأن يظل ممثلا!
ولو كنت نسيت الفرق بين المعنيين ممكن سيادتك تتعب وتقارن بين (فريد شوقي ومحمود المليجي، وعمر الشريف وزكى رستم، وعادل إمام وسعيد صالح).. آه كلهم نجوم لامعة لكن – وأنا راضي ضميرك – أيهم أقدر أداء وأشد تمثيلا؟!
يا سيدى وحياة دى النعمة.. تانى وتالت ورابع.. أنا كنت عايز أكتب مقالا في صالح خالد النبوى وأقول فيه (إنه استطاع باقتدار أن يستدعي من تحت ركام القرون، شخصية عظيمة في حجم وشهرة وأهمية الشافعي، وأنه اشتغل عليها جيداً ودرس صفاتها وعاش فيها وتشربها حتى ذاب فيها وذابت فيه، فصار وكأنما تلبسته روح الإمام العظيم محمد بن إدريس الشافعي).
بس للأسف لم يدع لى فرصة، فإذا هو هو خالد النبوى بذات نفسيته، ماثل أمامى كما رأيته أول مرة في كافيتريا الدور الرابع في مبنى جريدة الأهرام، ولم أعرفه بسبب كاب يغطى راسه وأعلى وجهه، وكان يقف مع عدد من الزملاء لا أذكر منهم إلا الصديق المشترك بيننا الأستاذ محمد البرغوثي، لأنهم كانوا بيناكفوا مع بعض.
– مين ده يا أساتذة يا أفاضل؟!
– معقول ما تعرفهوش ده خالد النبوى!
– الممثل؟!
– لأ.. النجم!.