حادث (كرم القواديس) يعيد وجه الإرهاب القبيح في مسلسل (الكتيبة 101)!
كتب: محمد حبوشة
أعاد المشهد الأخير من الحلقة الأولى من مسلسل (الكتيبة 101) – والذي حظي بمشاهدات كبيرة وسط مسلسلات موسم رمضان الحالي – أجواء الهجوم الأول الدامي وقع في 24 أكتوبر من العام 2014، والذي يعتبر من أكثر الهجمات الإرهابية التي استهدفت الجيش المصري دموية، وكان عبارة عن عملية إرهابية راح ضحيتها عشرات القتلى بصفوف الجيش المصري، وتبنى تنظيم داعش العملية، وبث فيديو يكشف تفاصيلها، وقد بدأ الهجوم في تمام الساعة الواحدة ظهرا، من خلال اقتحام الكمين بشاحنة انتحارية محملة بالمتفجرات وتفجيرها، في أثناء صلاة الجمعة، ما أدى إلى مقتل 18 جنديا، ثم بدأت العناصر الإرهابية بالتحرك لموقع الكمين مستقلة عربات دفع رباعي، واشتبكت مع القوة المتبقية بالأسلحة الثقيلة وقذائف الآر بي جي فقتلت 10 جنود آخرين.
وفي بداية الحلقة الثانية أظهرت القوات المسلحة شجاعة قوية وبأس شديد بدعم من المروحيات التي دحرت فلول الإرهاب وجعلتهم يتقهقرون إلى الخلف على أثر وابل من الرصاص الذي أوقع عشرات القتلي في صفوفهم، وأعقب ذلك الهجوم هجمات أخرى ولكنها أخف وطأة من الهجوم الأول، وكانت تسفر عن خسائر بسيطة، لكن التنظيم كرر هجوما داميا بعدها، وكانت خسائره هذه المرة هى الأفدح، فقد نجحت قوات الجيش في سرعة التعامل مع محاولة اقتحام الكمين وصد الهجوم المباغت، وتدخلت القوات الجوية بسرعة لتحصد أرواح الإرهابيين، وربما نشاهد جوانب من هذا التصدي في الحلقات القادمة.
وتشير الدلائل إلى أن الهجوم قد وقع انتقاما لخلع الرئيس الإخواني محمد مرسي في عام 2013، في محاولة لإظهار قوة الجماعات الإرهابية، خاصة أن كمين (كرم القواديس) من أهم الكمائن التي تقع بين مدينتي العريش ورفع بسيناء، ويقع على مقربة من الطريق الدولي بحوالي 8 كيلومترات، كما أن تجمع (كرم القواديس) يقع بزمام قرية أبولفيته، إحدى قرى الشيخ زويد، ويبعد عن قرية الخروبة 8 كيلومترات، وعن قرية الطويل نحو 4 كيلومترات، وهو الكمين الوحيد المتواجد في طريق فرعي من الطريق الدولي، ولذلك فهو يمثل نقطة محورية مهمة في طرق الإمداد وتقديم الدعم اللوجسيتي لعناصر التنظيم الإرهابي في مدن سيناء.
كما تسير الدلائل أيضا إلى أن الكمين يقع في منطقة مهمة جدا بين مدن سيناء، وكذلك بين قطاع غزة وامتداد الصحراء الشرقية، ويتواجد عناصر لتنظيم داعش في العريش ورفح، ووجود الكمين في هذه المنطقة يمثل عقبة استراتيجية لداعش، حيث يسعى التنظيم للتحرك بسهولة والتسلل بين مدن سيناء المختلفة، ولكن يعوق ذلك وجود هذا الكمين القوي والمحكم.
وعلى أثر رد الفعل العنيف من جانب قوات الجيش تراجعت فلول داعش بعد أن قامت بتدمير الكمين في 24 أكتوبر 2014، الذي كان يهدف من محاولته الفاشلة في تكرار الهجوم على الكمين إلى تحقيق انتصار معنوي وعسكري على الجيش، وتوصيل رسالة أن التنظيم قوي وموجود، ونجح في تدمير أقوى كمين أمني في سيناء للمرة الثانية، ولعل التسجيل المرئي الذي خرج من جانب تنظيم داعش عقب الاعتداء على الكمين في أكتوبر عام 2014 يدلل على نجاح العملية التي قام بها والاستعدادات التي دفعت بهم لهذا النجاح العسكري، ولكن في المقابل وبعد 3 سنوات، وباستعدادات أكبر من قبل التنظيم فشل في ضرب الكمين، بل يمثل الاعتداء عليه ضربة قوية لداعش بعد تدخل القوات الجوية في دقائق معدودة واصطياد المجموعات الإرهابية بالطيران.
جدير بالذكر أن جماعة (أنصار بيت المقدس) المسلح، التي تنشط في شمال سيناء المصرية، وقتخها تبنت سلسلة الهجمات الإرهابية المتزامنة التي وقعت على أكمنة للجيش المصري بمدينة الشيخ زويد شمال شبه الجزيرة، والتي خلفت عشرات القتلى والمصابين بين الجنود، لتكون أكبر العمليات التي تبنتها الجماعة، وبرزت الجماعة بقوة (أنصار بيت المقدس) من خلال تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، استهدفت عناصر الأمن المصرية، من قوات الجيش والشرطة.
وقبل عام واحد من هذا التفجير غيرت الجماعة اسمها إلى (ولاية سيناء) بعد إعلان بيعتها رسميا إلى تنظيم داعش، الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق، ويعد (بيت المقدس أو ولاية سيناء) أقوى الجماعات المسلحة التي تواجهها الدولة المصرية بعدما نجح في تنفيذ بعض العمليات خارج نطاق شبه جزيرة سيناء، التي وصلت إلى العاصمة ودلتا النيل، منها مديريات الأمن في شمال سيناء، والدقهلية والقاهرة، بالإضافة إلى محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق اللواء محمد إبراهيم بعد أسابيع في سبتمبر (أيلول) 2012.
ومن أبرز العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم في مصر (مذبحة رفح الأولى) في أغسطس 2012، وأسفرت عن مقتل 16 ضابطا وجنديا بالجيش المصري، قرب معبر (كرم أبو سالم) الحدودي بين مصر وإسرائيل، حيث استولى الجناة على مدرعتين لقوات الجيش وحاولا اقتحام الحدود مع إسرائيل، ثم (مذبحة رفح الثانية) أسفرت عن مقتل 25 جنديا مصريا بعدما أوقف مسلحون في أغسطس 2013 حافلتين تقل عددا من الجنود العائدين من إجازتهم إلى معسكراتهم في شمال سيناء، وأنزلوهم وقتلوهم، ثم جاء الهجوم الثالث في (كرم القواديس) في أكتوبر 2014، والذي يعد من أشرس العمليات الإرهابية.
رصدت دراسة حديثة صادرة عن (المرصد المصرى) التابع للمركز المصرى للفكر والدراسات، حجم العمليات الإرهابية التى تعرضت لها مصر منذ إسقاط محمد مرسى عام2013، وأشارت الدارسة إلى أن الأسبوعين الذين أعقبا الإطاحة بحكم الإخوان شهدا 39 هجوما إرهابيا في شمال سيناء وحدها، إذ استهدفت المقرات والكمائن والارتكازات الأمنية بمدن العريش والشيخ زويد في هجمات يومية، ولم تستهدف تلك العمليات العسكريين فقط، وإنما طالت المدنيين أيضا، فقد استهدفت أوتوبيس مخصص لنقل عمال شركة أسمنت العريش في 15 يوليو وهو ما أدى إلى وفاة 5 أشخاص وإصابة 15 آخرين.
وأعتبر الدراسة تصريحات القيادي الإخواني (محمد البلتاجي) في 8 يوليو 2013 بأن ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي سيتراجع فيها الجيش عما وصفه بالانقلاب وعودة مرسي إلى مهامه، اعترافا ضمنيا بمسؤولية جماعته عن تلك العمليات الإرهابية فيما مضى من عمليات وفيما هو أت منها بدليل استمرار الهجمات خلال عام 2013 وكان أبرزها استشهاد 25 من رجال الشرطة في 15 أغسطس، عندما هاجمت الجماعات الإرهابية حافلتهم وأجبروهم على الاستلقاء على الأرض وأطلقوا عليهم النار، ثم تفجير مديرية أمن الدقهلية في 24 ديسمبر من نفس العام وأسفر عن استشهاد 16 وإصابة 134 آخرين.
وفي عام 2014 زادت وتيرة الهجمات الإرهابية وبلغ عددها 222 عملية، كان أبرزها هجوم تنظيم أنصار بيت المقدس على كمين كرم القواديس وأسفر عن استشهاد 30 جندي، وتفجير حافلة سياحية بواسطة انتحاري في مدينة طابا وأسفرت عن وفاة 4 بينهم سائق مصري وإصابة 17 آخرين، أما عام 2015 فقد شهد طفرة في عدد العمليات الإرهابية التي وصلت إلى 594 عملية، كان من أبرزها هجوم 1 يوليو والذي يعد ملحمة سطرها أبطال القوات المسلحة، إذ كان هو الهجوم الأكبر والأعنف على قوات الجيش منذ ظهور الإرهاب في سيناء وحتى الآن، وأفشلت الخطة الأمنية المحكمة ومهارة المقاتلين المصريين خطط التنظيم للسيطرة على الشيخ زويد، وتكبدوا خسائر فادحة كانت نقطة تحول في مواجهة مصر مع الإرهاب.
وأدت المجابهة العسكرية والأمنية وتحديدا بعد هجوم 1 يوليو إلى قصم ظهر تنظيم ولاية سيناء بعد أن ظن أنه قد يستطيع السيطرة على مفاصل المدينة ولو لساعات قليلة، تراجعت العمليات الإرهابية في عام 2016 إلى 199 عملية، فى حين لم تتجاوز50 عملية إرهابية فى 2017 كان أبرزها الهجوم الدموي على مسجد الروضة ببئر العبد، والذي أسفر عن استشهاد 305 بينهم أطفال وإصابة 128 آخرين وجميعهم من المدنيين، وخلال عام 2018 شهد 8 عمليات عام ???? لم تشهد مصر سوى عمليتين إرهابيتين وهما تفجير معهد الأورام الذى أدى لاستشهاد 19 شخصا وإصابة 30 آخرون، والتفجير الانتحارى الذى وقع بمنطقة الدرب الأحمر وكان خلال مطاردة أمنية، ما أسفر عن استشهاد ? من رجال الشرطة بينهم المقدم رامي هلال بقطاع الأمن الوطني.
وشددت الدراسة على أن العملية العسكرية الشاملة (سيناء 2018)، نجحت فى تدمير البنية التحتية للعناصر الإرهابية من الأوكار والخنادق والأنفاق ومخازن الأسلحة والذخائر والعبوات الناسفة والاحتياجات الإدارية والمراكز الإعلامية ومراكز الإرسال، واكتشاف وضبط وتدمير أعداد كبيرة من العربات والدراجات النارية وكميات كبيرة من المواد المتفجرة، والأسلحة، والذخائر، والقنابل، وقتل واعتقال المئات من العناصر المنتمية لتلك الجماعات، ولم تكن العملية (سيناء 2018) مقتصرة على سيناء فقط وإنما شملت المحاور الإستراتيجية الثلاث الشرقية والغربية والجنوبية.
وبالإضافة إلى ضرب البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية فقد تكمنت القوات المسلحة من استهداف عدد كبير من قيادات الصف الأول والثاني بتنظيم ولاية سيناء وفي مقدمتهم قائد التنظيم أبو أسامة المصري وخيرت سامي السبكي المسئول الاداري، والإرهابي محمد جمال المسؤول الإعلامي، والإرهابي إسلام وئام مسؤول جهاز الحسبة، وهو ما مثل ضربة قاتلة للتنظيم، هذا بالإضافة إلى تجفيف منابع التمويل المادي واللوجيستي بشمال سيناء، وظني أن الحلقات القادمة من مسلسل (الكتيبة 101) ستستكمل جانبا آخر من البطولات التي جاءت في سياق مسلسل (الاختيار) بأجزائه الثلاثة، كما أنه سوف يكشف لنا فشل داعش في السيطرة على سيناء وخروجها المخزي على أثر تصدي قوات الجيش والشرطة لها.