بقلم: بهاء الدين يوسف
حينما تنتشر الجريمة المنظمة في بلدك وتدور بين العصابات معارك طحن عظام كما يطلق على تلك النوعية من المعارك التي لابد وأن تنتهي بمقتل الكثير من المتعاركين من هذا الطرف أو ذاك، فتذكر فقط أن كل ما يحدث سيكون ورائه غالبا مسؤول فاسد يسعى للانتقام من شركاء فاسدين اختلفوا معه سواء كانوا مسؤولين أو رجال أعمال، فالفكرة البسيطة التي يمكن أن نستخلصها من مسلسل (انفورما أو (Informa) الياباني وربما من الحياة ككل أن وراء كل منظمة عصابية مسؤول فاسد.
تدور أحداث المسلسل حول صحفي شاب يدعى (ميشيما) يحصل على فرصة لمصاحبة مجرم يدعى (انفورما) وقد حصل على هذا اللقب من عمله كمرشد للشرطة وهو لا ينكر ذلك بل يتفاخر به، يقوم (ميشيما) بعمل سائق (انفورما) حتى يتسنى له معايشة المعارك التي يخوضها ويكتب عنها ليحقق سبقا صحفيا مهما للجريدة التي يعمل بها.
تكشف الأحداث أن (انفورما) يكافح الجريمة رغم كونه مجرما عتيدا وهذه أول عيوب المسلسل، فلا يوجد تبرير مقنع أو غير مقنع لما يفعله انفورما، وتتوج رحلته الأولى مع الصحفي الشاب بمشاهدة وزير التنمية المحلية الياباني وهو يُحرق حيا في أحد شوارع طوكيو، ويكشف البحث عن أن وراء الجريمة عصابة للجريمة المنظمة زعيمها شخص يدعى سيكي، وان الوزير المحترق متورط في أعمال غير قانونية مع شخصين آخرين من رجال الأعمال.
في اليوم التالي يحترق بنفس الطريقة واحد من رجلي الأعمال المتورطين مع الوزير ما يدعو (انفورما) لمحاولة إنقاذ الرجل الثاني الذي يملك عصابة من عصابات (الياكوزا) الشهيرة في اليابان، ويبحث الجميع عن الرابط وراء تلك الجرائم أو الشخص الذي يقف ورائها ووراء العصابة التي تنفذها.
يظهر في المسلسل الجرئ مشاهد تكشف فساد الشرطة اليابانية التي يتستر كبار المسؤولين فيها على تلك الجرائم لدرجة استبعاد المفتش المشرف على التحقيق فيها من عمله ونقله للعمل في الإرشيف خوفا من اقترابه من كشف غموض الجريمة.
وبعد مشاهد عديدة تستمر على مدى 10 حلقات يكشف العمل أن من يقف وراء تنفيذ تلك الجرائم هو وزير التنمية السابق وهو شخص مقعد ومريض لا يتحرك إلا على كرسي مدولب وفي أنفه خرطوم الأوكسيجين دائما، ويكشف أيضا أن السبب في عمليات القتل أن الثلاثة المستهدفين كانوا معه في حفل قبل سنوات وعندما انتشر خبر التحقيق في تجاوزاته على مواقع التواصل رآهم وهم يضحكون حتى دون أن يعرف إن كانوا يضحكون عليه أم على شيء آخر.
مفاجاة أخرى يكشف عنها المسلسل أن زعيم العصابة تربى في نفس ملجأ الأيتام مع انفورما بل كان دائم الدفاع عنه وهما طفلين كما أن الوزير الفاسد كان مشرفا على الملجأ وكان يستغل مكانه لاصطفاء المراهقين المناسبين وتحويلهم الى مجرمين ومنهم (انفورما وسيكو).
العمل كما قلت يحفل بالعبر المهمة منها عندما اكتشف (سيكو) سبب تكليف الوزير لهم بعمليات القتل ثار عليه وقتله، كأن مؤلف يقول أن المجرمين المرخصين لديهم من الشرف أكثر مما لدى المسؤولين الفاسدين، وهناك لقطة أخرى أن الصحفي الشاب الذي يظهر طوال الحلقات ضعيفا مرعوبا وينسحب من إكمال مهمته في منتصف الطريق، يقرر في النهاية وأمام انتشار العنف أن يتخلى عن سلبيته ويشارك (انفورما) في القضاء على رجال العصابة، وهى رسالة للسلطات بأن كل مواطن مهما بدا سلبيا لديه نقطة تحول يصبح بعدها ليس فقط شجاعا ولكن ربما انتحاريا ايضا.
المسلسل ثري دراميا بذل فيه المخرج جهدا مميزا لتوصيل رسالته الأخلاقية والاجتماعية، وخرج من القالب السخيف للوطنية الذي يرفعه البعض في دول العالم المتخلف لتبرير التغطية على فساد المسؤولين وجرائمهم التي يشترك فيها رجال الأعمال، ولم نسمع ناقدا يابانيا أو مذيعا خرج لينتقد المخرج ويتهمه بالعمل لصالح جماعة (نيبون كاي كي) اليمينية المتطرفة التي تسعى لتشويه إنجازات الحكومة، ولعل هذا يعطينا فكرة أقرب عن أسباب تقدم اليابان مقابل تراجع الدول الشمولية المتخلفة.