بقلم: محمد شعير
العارف لا يُعرَّف.. والمعروف ليس بكثرة الكلام يُعرَف.. لذا لم أكن أنتوي أن أكتب كلمة واحدة بعد انتخابات نقابة الصحفيين.. كنت أظن الأمور واضحة.. بسيطة.. لكن مهمة.. لمن يهمه الأمر.. إن كان هناك من يهتم.
لكن.. كالعادة فعلها (محمد شمروخ) اضغط هنا لمشاهده مقاله ( محمد شمروخ ) .. اختلف.. كتب عكس ما ظننته واضحا.. وأُعجِب البعض بما كتب.. وأعجبني أيضًا بعض ما كتب.. لكنني وجدتني – كالعادة أيضًا – مدفوعا على يديه إلى حافة الهاوية.. إلى الاشتباك معه.. إلى الاختلاف مع اختلافه.
والمشكلة؛ المعضلة، أن الاختلاف مع (محمد شمروخ) ليس سهلا؛ فهو كاتب صحفي قدير، لايشق له غبار، وفير، غزير، مدافع عن آرائه بالحجة والمعرفة، تختلف معه لكنك كثيرًا ما تعجز عن أن تمسكه، أو تجد ثغرة تنفذ منها لتفككه، والأهم في إشكالية الاختلاف معه أنه (أبو الشماريخ)، الصديق الحبيب، (رفيق السلاح والكفاح) كما يصف هو علاقتنا الممتدة على مدى 27 عاما في (الأهرام)، وإن يكن كثيرا ما يبدِّل بمداعبة (لام) و(فاء) الكلمتين؛ (السلاح والكفاح)، مما لا يمكن كتابته.. فكيف يمكن إذن الاشتباك معه؟!.
لا بأس.. فهو اشتباك المحبة..
كتب السيد (شمروخ) في هذا الموقع المحترم (شهريار النجوم) مقالا بعنوان: (نقيب الصحفيين.. بين 2 كيلو لحمة وبسلة أورديحي!).. يمكن الآن إيقاف القراءة هنا مؤقتا لقراءة مقاله أولا.. لابأس.. (أبو الشماريخ حبيبنا ويسعدنا زيادة قراءة مقالاته) مهما نختلف معه.. وسوف أطالبه حتمًا بالمقابل.. دعوة على إفطار في شهر رمضان في بيته!.
لكن: (تعالَ بقى يا حبيبي) نتسامر سويا، ليس في (شقة الرماية) كما الماضي أو (كافيتريا الدور الرابع في الأهرام)، إنما عبر شاشات المواقع، إذ لم يعد ممكنا الاشتباك على صفحات الصحف، باعتبارنا معا (أبناء الورق)، نحبه ونفضله.. ولعل هذه بداية مناسبة.
يذهب (محمد شمروخ) في مقاله إلى استعراض أوضاع (الصحافة الورقية) التي يراها الصحفيون (كفلق الصبح) لكن بعضهم يصر على تجاهلها، كما يقول قائلا: إن الصحافة (لم يعد لها هذا الأثر في الرأي العام)، وبالتالي فهي (لم تعد تهم الحكومة بل صارت عبئا ثقيلا عليها)، ويعدد جملة أسباب لذلك وأولها أسباب مادية، قائلا إن (أي إقدام على إصدار صحيفة ورقية سيكون مغامرة غير محسوبة العواقب، والخسائر ستكون فادحة)، أما عن مسألة الحرية فقد أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي (وجها قبيحا) لها.
وفي ضوء كل هذا، يتساءل: (إن كان (ميري) نقيب الحكومة الذي أخفق، قد زال من فوق عاتقه هَم ما يتلم، فماذا سيفعل (البلشي) نقيب المعارضة حيال مآسٍ كالجبال الرواسي؟!)، متوقعا أن تكون أكبر أحلام النقيب الجديد (أن يعيد وقفات السلم وهتافات يسقط المطر في الشتاء.. ويعيش السمك في الماء.. والتى لن تلفت حتى نظر سائقى السيارات المكدسة في زحمة شارع عبد الخالق ثروت!)، معبرا عن ظنه أن تنتهز الحكومة أول فرصة لحدوث ما يمكن أن يصبح صداما معها، (فتسحب وعدها بالاتنين كيلو لحمة)، قاصدًا مبلغ الستمائة جنيه الزيادة المنتظرة في البدل الشهري للصحفيين (الذي لم يصل عبر كفاح أكثر من عشرين من السنين إلى 3 آلاف جنيه)، مبشرًا إيانا: (ابقوا اشبعوا بالبسلة الأورديحي!).
ولعلي هنا أؤكد أولا، وهذه إشكالية أخرى في ما يدفعني إليه (شمروخ) دفعًا، أن كلا من (الخالديْن، ميري والبلشي) هما صديقان عزيزان، وزميلا دفعة دراسة واحدة في قسم الصحافة بكلية الإعلام، لكننا تعلمنا جميعا من أساتذتنا أدب الاختلاف؛ تعلمنا من (إبراهيم نافع) و(مكرم محمد أحمد) في جهة، ومن (جلال عارف) و(يحيى قلاش) في جهة أخرى، تعلمنا كيف تكون (الصحافة) كمهنة هى الوجهة والهدف الأسمى عند الملمات مهما تختلف المواقف والتوجهات، ورأينا كيف قاد (إبراهيم نافع) وهو (نقيب الحكومة) – وفقا للتصنيفات – معركة (ضد الحكومة) لإسقاط القانون رقم 93 لسنة 95 المكبل لحريات الصحفيين حتى نجحت المعركة بالفعل، وتم اختيار يوم 10 يونيو ليكون عيدًا سنويًا لحرية الصحافة.
ما علينا الآن من كل هذا فقد مضى.. والوقت صار غير الوقت!.
لكن.. ماذا بها صحافة الورق يا (شمروخ)؟!.. ماذا أصابها؟!.. ماذا ألمَّ بها؟!.. أنا أجيب: لا أحد يقرؤها.. أتفق معك طبعا.. لكنني أسألك: أيكون العيب في (الورق) أم في (الصحافة) ذاتها؟!.. أين هى الصحافة يا (شمروخ)؟!.. ماذا بقي منها؟!.. أين الصحافة التي كنت تمارسها أنت شخصيا وتعلمتها منك؟!.. أما زلت تتذكر؟!.. كنتُ متدربا صغيرًا جوارك وأنت الأستاذ المتحقق.. نغطي الحوادث بأنواعها ميدانيا على الأرض.. جرائم إرهاب وحوادث جنايات.. سقوط عمارات وتصادم قطارات.. وأنت كما أنت.. تسير بيننا لا تمسك بورقة أو قلم.. وإلى الجريدة نعود معًا.. فتكتب تقريرا (يهز مصر).. يفتح زوايا رؤية جديدة تفيد المحققين أنفسهم.. لا أجاملك أو أنافقك.. لكنني أسألك: أين ذهب كل هذا؟!.. من يمكنه الآن أن يفعله؟!.. من أفسده؟!.
لم نعد مؤثرين (هذا الأثر في الرأي العام) كما كتبت.. أتفق معك طبعًا.. وأزيدك من شعر البكاء على أطلال الصحافة بيتًا.. لم نعد مؤثرين – على ذكر (البسلة) – وإن يكن (ببصلة).. لكن.. أحقا لا تهتم الحكومة بأمرنا؟!.. أتمنى.. والله أتمنى.. أتدري؟!.. إن فعلتها الحكومة حقا وتركتنا لشأننا لأفدناها أيما إفادة من حيث لا تدري!.. سوف نفيدها مادةً ومعنى.. وأستطيع أن أثبت لك.
ماديا؛ يمكن جدا لصحافة الورق أن تربح.. تخيل!.. لكن بشرط.. أن تكون هناك صحافة أصلا.. أن تكون هناك إرادة للتنسيق بين الورقي والإلكتروني.. أن يكون هناك من يستهدف الربح من الأساس.. هذه ليست أمنيات أو أضغاث أحلام.. لكنهم فعلوها (في أوروبا والدول المتقدمة) حيث يوجد لديهم مثلنا (موبايلات) جيدة، وسرعة معقولة (للإنترنت) لكنها بالطبع لا تنافس نظيرتها لدينا.. أعانهم الله!.
صديقنا المشترك (حاتم رأفت شلبي) نائب مدير إدارة الإعلانات في (الأهرام)، وهو حي يُرزَق، مهتم بشكل شخصي بالمسألة، وقد أمدني منذ فترة قصيرة بعدة أرقام كاشفة، لعل فيها ما يهم، إن كان هناك من يهتم.
في بريطانيا، بلغت أرقام توزيع الصحف الورقية المدفوعة في شهر ديسمبر 2021 (يوميا) كالتالي: (ديلي ميل) 902 ألف نسخة.. (ذي ميل أون سانداي) 787 ألف نسخة.. (ديلي ميرور) 333 ألف نسخة.. أما الصحيفة الاقتصادية المتخصصة (فاينانشال تايمز) فجاء توزيعها منخفضا بالطبع؛ حوالي 140 ألف نسخة فقط!، وفي الفترة من 2010 إلى 2020 انهار توزيع صحيفة (ذي سان) بنسبة 58%.. أتدري كم نسخة صارت تبيعها مع انهيارها؟!.. مليون وربع المليون نسخة في اليوم!.
وفي أمريكا، وصل توزيع (يو إس إيه توداي) في عام 2021 إلى 534 ألف نسخة يوميا، وحوالي 781 ألف نسخة في عدد الأحد، وفي ألمانيا، هبط إجمالي توزيع الصحف الورقية اليومية بشدة – للأسف! – بعد أن كان وصل في 2011 إلى 18.8 مليون نسخة.. فأصبح في 2021 حوالي 12.3 مليون نسخة فقط.. يا للهبوط!.
هذه الصحف وغيرها، في عالم متغير، قررت البقاء، فتعاملت مع (إنتاجها الصحفي) كحزمة واحدة، تقوم بتسويقه في صورة (باكيدج)، عبر التنسيق بين الورقي والإلكتروني، وفي المقابل، هناك صحف ارتأت إيقاف إصدارها الورقي مبكرًا والتركيز على الإلكتروني، لا بأس، لكلٍّ قراره، لكن المهم هو الاستمرار، والربح.. كيف؟!.. بأن تكون هناك (صحافة) من الأصل.. أن يكون هناك ما يمكن تسويقه.
أعلم يا (شمروخ) أنك تحب مداعبة صديقنا المشترك (حاتم) بمناداته: (توماس)، لكننا الآن نحتاج إلى تسمية الأمور بأسمائها.. لذا أجب: أما زلت ترى العيب في (الورق) أم في (الصحافة) ذاتها؟!.
لكن.. يعني.. أصل.. الصحافة إن تُرِك لها الحبل على الغارب كي تربح – كما أحلم! – فهي.. يعني.. ممكن..!
أتدري؟!.. الصحافة هى أكثر ما يمكن أن يفيد الدولة في.. ضبط الحرية!.. تخيل!.
تلك الحرية المشوهة، ذات (الوجه القبيح)، التي تمارسها مواقع التواصل الاجتماعي، لايمكن ضبطها، إلا من خلال صحافة حرة، تقدم النموذج المثال في الحرية الحقيقية، لا السباب والانفلات، إنما الحقوق والواجبات، الحرية والمسئولية، النقد لا الهدم، الرأي لا الضجيج.. أفي هذا ما يضر الدولة أم يفيد؟!.
أيا صديقي الحبيب.. مضى العمر.. ونضج الكل.. لذا فإنني لا أظن ظنك في أن تكون ذروة أحلام الصحفيين ونقيبهم هى وقفة احتجاجية على سلم النقابة.. إنما كان ما جرى في رأيي هو كلمة؛ الكلمة هي: مهلًا.. عفوًا.. كفى.. تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم.. لأجل هذا البلد.. وليس ضده أبدا.
آه يا صديقي.. ألا ترى؟!.. طال المقال كثيرًا مثل مقالاتك.. وفي الجعبة ما زال هناك الكثير.. لا أحب المقالات الطويلة، لكن هأنذا ما زلت أتأثر بك.. وأحب الاشتباك معك.. فالاشتباك مع الكبار جميل.. يثري ويفيد.. لكن المهم أن نجد كبارًا نشتبك معهم.. بالرأي والفكر والمشورة.. بالصحافة.. بالكتابة.
أما بخصوص مبلغ البدل الشهري الغائم حتى الآن في الرؤية، لا نعرف أيأتي أم لا يأتي!، فإنني يسعدني يا (أبا الشماريخ) أن أخبرك..
راضٍ أنا في كل الأحوال، سواء قدمت لي على مائدة الإفطار (طبق بسلة باللحمة أو أورديحي)، لكن بشرط، أو شرطين؛ الأول أن تكون الوجبة سهلة الهضم، صالحة للأكل، وإلا فإنني سأواجهك بالسؤال فورًا: من أفسد الطبخة؟!.. أما الشرط الثاني فهو.. أرجوك.. أرجوك.. لا أريد أن ألمح (السبانخ) على المائدة أبدًا!.