غفران محمد.. ممثلة واعدة تسير على طريق (روبي)
كتب: محمد حبوشة
التمثيل هو إمكانية الموهبة في براعة فن التقمص، يكون الشخص ممثلا جيدا قدر تمتع موهبته بمدى إمكانات فن تقمص شخصيات وحالات مختلفة، ويكون دون ذلك قدر محدودية هذه الملكات في موهبته، على هذا النحو تنفرز درجات التمييز في شخصية الإنسان الممثل، ويمكن للمثل أن يمثل بموهبته وبراعته اتجاها في فن التمثيل، فيمكن لممثل أن يستقطب شرائح الناس الدنيا بموهبته الفنية، والممثل الجيد هو الذي يملك قوة وسحر التأثير على الآخرين إلى درجة الهيمنة عليهم، نسيانهم بأنهم إزاء مشاهد تمثيلية، والتفاعل المباشر مع وقع الأحداث التي تتمثل أمامهم سواء على شاشة ، أو على خشبة مسرح.
ومن هؤلاء الذين استقطبوا شرائح مختلفة بفضل أدائهم فائق الجودة، الممثلة الشابة (غفران محمد) ذات الملامح المصرية التي تصلح لمختلف الأدوار التي تحولت من الغناء للتمثيل بفضل موهبة تبدو لي أنها فذة إذا ما اتيحت لها الفرصة في إظهار تلك المواهب التي تتمتع بها على مستوى لغة الجسد وتقمص الشخصية التي تلعبها، وعلى قدر محدودية أدوارها فإنها تبدي تطورا كبيرا من عمل لآخر، ولهذا نالت موجة من الإعجاب أحاطت بأداء هذا الوجه الجديد حين جسدت دور (شهد) فى الجزء الثانى من مسلسل (الأب الروحي) رغم أن تلك هى المرة الأولى لها فى الدراما، بل والتمثيل بشكل عام.
تألقت (غفران محمد) في الدراما التلفزيونية بنجاح من خلال دور (سارة) في مسلسل (جمال الحريم) قائلة: (الدور كان يشعرني بالرعب، ولكنني سعيدة من ردود أفعال الناس، ووجدت أنهم بالفعل خائفين مني، وهذا ما يضايقني قليلا، ففي إحدى المرات كنت ذاهبة إلى إحدى المحال، ورآني طفل فقام بالجري وابتعد عني سريعا، ومرة أخرى كنت أقوم بشراء بعض الأشياء، وقال لي البائع: شكلك كيوت أمال مخوفانا ليه؟، وأضافت: (شخصيتي بالمسلسل كانت مركبة ومعقدة، ولذلك قمت بالاستعداد لها لمدة شهور، فذاكرتها منذ أول لحظة تسلمت فيها السيناريو، فهناك العديد من المشاهد الدسمة، التي كان يجب أن أحصل فيها على التوجيه من خلال المخرجة منال الصيفي.
أما عن الدور الذي شكل نقطة تحول في حياتها الفنية فقالت: (غفران) هى شخصية (سكر) في مسلسل (الفتوة)، كانت تجربة مميزة بالنسبة لي، فهي لها ملامح وشكل عكس شكلي تماما، فكنا نستعد وقت طويل لكي يكون شكلي مشابها للشخصية، فلها تفاصيل وذكريات مهمة معي، وأعتقد أن هذا الدور كان البداية لكي يراني الناس بشكل آخر، فهي كانت السبب الذي مهد لترشيحي لدور (سارة) بمسلسل (جمال الحريم).
انضمت الفنانة الشابة (غفران محمد)، بعد ذلك إلى فريق عمل مسلسل (أبو جبل) الذي قام ببطولته الفنان مصطفى شعبان، ومحمود البزاوي، ومحمد علي رزق، وتأليف محمد سيد بشير، وإخراج أحمد صالح، ونالت إعجاب الجمهور وحققت نجاحا كبيرا، ما جعلها أن تكون فنانة مميزة تمتلك موهبة حقيقية، هذا بالتأكيد أمر جيد، وهو ما لفت نظر ملك الفيديو وأحد مبدعي الإخراج التليفزيوني في مصر مجدي أبو عميرة، فقد لفتت أنظاره إليها بموهبتها الفريدة، ولأن (أبو عميرة) له نظرة فنية ثاقبة، فهو يختار أبطال أعماله بدقة شديدة، لذلك فإنه وقع اختياره على (غفران محمد) للمشاركة في مسلسل (قوت القلوب) بطولة للنجمة ماجدة زكي.
وعلى الرغم من أن (غفران محمد) لم تظهر سوى في مشهد واحد من مسلسل (الاختيار 2) للنجمين كريم عبد العزيز وأحمد مكي، إلا أنها استطاعت أن تترك بصمة قوية أثناء تجسيدها لشخصيتها بالعمل، فقد جسدت (غفران) خلال أحداث العمل شخصية زوجة الشهيد الرائد أحمد سمير، التي ما أن تعلم باستشهاد زوجها حتى تنهار من الصدمة، ولقد استطاعت أن تتألق بشدة في هذا المشهد، وأن توصل أحاسيس ومشاعر الزوجة المكلومة على زوجها بشكلٍ رائعٍ ومميز.
مؤخرا شاهدتها في مسلسل (دهب بنت الأوتيل) الذي لعبت فيه ببراعة مطلقة دور (سهير) الشخصية الوصولية التي لديها جانب شرير؛ وكانت شخصية جديدة عليها تجسدها لأول مرة، لكنها أبدت عذوبة في أدائها، فضلا عن غنائها تتر المسلسل الذي جاء مواكبا لأحداث المسلسل، الذي لعبت بطولته النجمة الكويتية من أصل مصري (نور الغندور) والتي جمعت بين الذكاء والرومانسية أمام (أحمد شعيب).
بدت لي (غفران محمد) في هذا المسلسل الخليجي ممثلة واعدة تملك أدوات خاصة بفضل موهبة طاغية، ومن هنا يمكني القول أنها بفضل موهبتها وبراعتها في الأداء أنها تمثل اتجاها في فن التمثيل، وتكون قطب هذا الاتجاه دون منازع، وهو ما مكنها في أن تستقطب شرائح الناس الدنيا بموهبته الفنية، فقد بنت علاقات غير مباشرة مع جمهوره ، فتأثروا حتى بثيابها، وتسريحة شعرها وطريقتها في الحياة من خلال أحداث تتسم بالإثارة والتشويق، ومن ثم أكدت أن الممثل الجيد هو ذلك الذي يملك قوة وسحر التأثير على الآخرين إلى درجة الهيمنة عليهم ، فضلا عن نسيانهم بأنهم إزاء مشاهد تمثيلية، والتفاعل المباشر مع وقع الأحداث التي تتمثل أمامهم سواء على شاشة التلفزيون.
أثبتت (غفران) أن الممثل الخلاق يشعر برغبة فى تحقيق اتصال مباشر وحقيقى مع الجمهور، وهذا الاتصال يتأسس فى المقام الأول على قدرة الممثل على إدهاش ومفاجأة الجمهور وهذه الخاصية لاتتحقق إلا إذا استطاع الممثل أن يدهش ويفاجئ نفسه أولا، وهو ماحدث بالفعل حين أوجدت لنفسها لغة خاصة بها، تتشكل مفرداتها من الحركة والإيماءة والنبرة، وهو لم تعتمد فقط على التقنية، التى هى معرفة مكتسبة من الخبرة ولكن بدرجة أكبر على الحدس والغريزة، وبدا لنا الارتجال عندها عنصرا ضروريا، لكنه تلقائى ومدروس فى آن واحد.
ظني أن (غفران محمد) تعى غالبا دورها فى الدراما التلفزيونية كعنصر بارز ورئيسى وعليها يقع العبء الأكبر فى التحكم فى المشهد وفى شد انتباه الجمهور، وتعى أيضا العنصر الأساسى والمتحكم المباشر فى العملية الابداعية إجمالا، وهو الوحيد الذى يقرر مدى جودة الأداء أو ضعفه، وبدوره يتعين على الممثل أن يثق به، ويبذل كل جهده وطاقته من أجل ألا يخيب توقعاته، لهذا السبب وضعت نفسه تحت تصرف المخرج ( محمد سمير) في مسلسلها الأخير (دهب بنت الأوتيل)، خاصة إذا كان هذا المخرج مبدعا وبارعا فى إدارة وتحريك ممثليه واستنباط أداء استثنائي منهم.
وأخيرا لابد لي من القول بأن (غفران محمد) نجمة صاعدة ستكون بعد قليل من طراز رفيع، وهى تسير على طريق النجمة المبدعة (روبي)، حيث تمتلك حسا فنيا عاليا، حضورها طاغ، رغم ملامحها البريئة لكنها تستطيع أن تبهر مشاهديها حين تؤدي شخصية شريرة، فتقدمها على أكمل وجه، كما جاء في (دهب بنت الأوتيل)، فلم تكن أبدا أسيرة لملامحها، ولم تحبسها في دور بعينه، كدور الفتاة البريئة، لكن يبدو واضحا أن تركيزها ودراستها للشخصية بدقة وتمعن هو ما ساعد على تقديم دورها ببراعة، كما أن أداءها القوي المميز كان جواز مرورها إلى عقل ووجدان المشاهدين، فحفرت اسمها بأحرف من نور في سماء الفن الدرامي، حتى ولو كان (خليجيا)، فقد كان دورا صعبا ومليئا بالأحاسيس والمشاعر، وعلى الرغم من تجربة المتواضعة في التمثيل، ولم تقف طويلا أمام الكاميرا، إلا أن (غفران) استطاعت أن تقدم دور (سهير) بشكل مميز أثار إعجاب الجمهور.