بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
تعد الأحزاب السياسيه شكلا من أشكال التعدديه في الرؤى، وملمحا من ملامح المجتمع الديمقراطي، وصوتا للشعوب التي تمثلها، ورقيبا متابعا وناصحا للحكومات، كما تمثل هى آراءا أخري تثري العمل الوطني عموما.
وقد عرفت مصر الأحزاب السياسية منذ العهود الملكية، وكانت أحزاب نشطة ومؤثرة حتي نالت مصر استقلالها وتحررها بعد ثورة يوليو 1952 وما تلاها من أحزاب، ثم تعطلت الحياة السياسية بعد الثورة وساد المشهد (الاتحاد الإشتراكي) صوت الحكومة وحزبها.
ثم عادت المنابر السياسية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ثم تعالى دور الأحزاب بعد ذلك سواء (الوطني أو الوفد أو العمل أو الأحرار)، وهؤلاء أنشط أحزاب تلك الفترة، وكان للمعارضة الوطنية آنذاك رموزها ودورها مثل أقطاب الوفد ونجوم حزب العمل وقادة حزب الأحرار ثم ساد المشهد الحزب الوطني الديمقراطي وتراجع دور الأحزاب، إما لظروف المرحلة السياسية أو لانقسامات داخل هذه الأحزاب أو لضعف الموارد التي تعطل القيام بأنشطة الحزب للتواصل مع جماهيره.
وكان للمعارضة الوطنية تصنيفها مابين يمين ويسار ووسط، وكان لها رموزها أمثال (ممتاز نصار وإبراهيم شكري والدمرداش العقالي، ومصطفي كامل مراد والبدري فرغلي) وكثيرون من نجوم المعارضة في تلك الفترة، وكان للمعارضة دور ورأي ومكانه في حسبان الحكومات في ذلك الزمن، ثم أضعف الحزب الوطني دور الأحزاب وتحكم هو في الحياة السياسيه والانتخابات والتشريعات وكل شئ، ودخل المال السياسي المشهد فأفسد ما أفسده.
ثم جاء حراك يناير 2011 وما أعقبه من تحول ديمقراطي أعقبه نشاط سياسي وحزبي وأصبح تأسيس الأحزاب بالإخطار وانفجرت ماسورة الأحزاب حتي وصل عددها الآن إلي (104 حزب) وهذا رقم لامثيل له تحت الشمس، فمعظم دول العالم الكبري المتقدمه والديمقراطيه لاتعدو أحزابها عن حزبين رئيسيين، فمثلا أمريكا (الحزب الديمقراطي،والحزب الجمهوري)، وفي بريطانيا (حزب العمال وحزب المحافظين)، وفرنسا وألمانيا وإيطاليا عبارة عن حزبين كبيرين ثم أحزاب صغيرة سواء للخضر أو للمتشددين، حتي إسرائيل بظلمها ونازيتها بها حزبين كبيرين هما (العمل والليكود) ثم أحزاب صغيرة متطرفة.
أما الـ (104) حزبا فهى ظاهرة مصرية خالصة، وأصبح الحزب عندنا عبارة عن برنامج حزبي إنشائي وشقه غالبا إيجار ولافته وعضو أو بدون في المجالس التشريعية والنيابية، وهذا دليل علي الفراغ السياسي الذي نعيشه في ظل إختفاء دور الأحزاب وانعدام تواجدها وندرة مساهمتها في العمل الوطني، حتي أننا لم نعد نري أي فعالية حزبية لأحزابنا الكرتونيه هذه.
ولم نعد نر رموزا لهذه الأحزاب، ولا دورا ولا مساهمة في إثراء العمل الوطني، حتي إن أصوات الأحزاب وصحفها لم يعد لها تأثير أو وجود، ومن كثرة هذا الأحزاب لم يعد يعرف أحد أسماء خمسة أحزاب من المائة وأربعة حزب حتي أهل السياسة والاختصاص، واختفي الرأي الآخر واختفت المعارضة، وأصبح الرأي الآخر خيانة والمعارضة عداء حتي لو كان ذلك لصالح الوطن وأهله، ورغم وجود أحزاب محسوبة على الدولة فلم نر لها حراكا مجتمعيا ولا رأي وطني فاعل ولا معارضة وطنية ناضجة.
واختفي التثقيف السياسي للشباب واختفي دور الأحزاب المجتمعي في ظل ظروف طاحنة ينتظر فيها المواطن دورا ودعما حزبيا يعينه على مواجهة قسوة ظروف الحياة الحاليه حتى أحزاب الأغلبية الحالية، ولا أجد مبررا منطقيا لهذا العدد من الأحزاب المختفية، ولا مبررا لغياب الرأي الوطني الآخر ولا مبررا لاختفاء المعارضة الوطنية، ولا مبررا لتصنيف صاحب الرأي الآخر بأنه خائن وعدو، وهذا ليس معروفا في قواميس وأبجديات السياسه!
ورغم حاجة الوطن في مرحلة التحول والبناء لكل صوت ورأي وطني مخلص، ورغم حاجة الشارع لتثقيف وشروح سياسية وغيرها، ورغم حاجة شبابنا لتنشئة سياسية سليمة تدعم ولائه وانتمائه ومعلوماته، ورغم حاجة المواطنين للدعم من أحزابهم ونوابها ومشروعاتها ودورها التنموي المجتمعي، إلا أن كل ذلك لم يدفع هذا الجيش من الأحزاب الشكليه إلي التحرك وسط الشعب للتخفيف عنه فيما يشهده من معاناة لمواصلة المعيشة بأي شكل وتحت أية ضغوط.
حتي جاءت دعوة الحوار الوطني والتي ضمت محاوره، محورا سياسيا يناقش قانون وقضايا الحزبية في مصر الجديدة، وبغض النظر عن تأخر عقد جلسات الحوار بعد تحديد محاوره وأمنائه، وبغض النظر عن مخرجاته وهل هنسمع عنها ويتم تنفيذها أم ستكون مثل جلسات ومخرجات المؤتمر الاقتصادي التي لم يعلم عنها أحد، وهل مانعيشه حاليا هو من مخرجات وتوصيات ذلك المؤتمر الاقتصادي أم لا؟.
وبغض النظر عما سيدور في محور السياسه في حوارنا الوطني، فإننا نرغب منه أن يراجع برامج المائة وأربعة حزبا، وعدد أعضائها، ونوابها، وتواجدها، ودورها علي الأرض، وأفكارها للوطن وأهله، وأتمني من حوارنا الوطني بعد كل هذه المراجعات أن تخرج توصياته بدمج الأحزاب الكرتونية طبقا لتشابه برامجها الحزبية إلى (أحزاب يمين، ووسط ويسار)، بحيث يكون لكل تيار منهم عدة أحزاب يتم دمجها في كيان سياسي واحد حتي نري حراكا سياسيا، وآراءا وطنية، وتواجدا مصريا، ورضاءا شعبيا، وإثراءا لحياتنا السياسية، وتثقيفا لأهلنا وشروحا وتوضيحات تعين علي فهم الحاصل وما سيحصل ولتفرغ هذه الكيانات الثلاثة كوادرا وأجيالا تحمل راية العمل السياسي مستقبلا، وتجمل صورة مصر خارجيا وتخلصنا من هذه الأحزاب المتقوقعه علي نفسها، ولنسمع صوتا آخر ورأي آخر ومساهمات وطنية آخري.
فهل يفعلها حوارنا الوطني؟، وهل يستنفر ذلك أحزابنا المختفية؟، وهل تعود المعارضة الوطنية، ويعود الرأي الآخر الوطني دون تصنيف أوتخوين أو إقصاء؟، وهل تعود المياه لمجاري حياتنا السياسية؟، وهل نتكاتف جميعا خلف وطن يستحق منا ذلك؟، وهل ندخل جمهوريتنا الجديدة بتعدد حزبي مسئول يدفع بلادنا قدما إلي ماتصبو إليه؟، لنكن جميعا شركاء في المسئولية وأخوة في الوطن، ولتكن كلمتنا شرف ووطننا أمانة، وليعلو صوتنا بـ (حلاوة حزبنا) لعظيم دوره الوطني وجميل مشاركته ورائع فكره.. وليحمي الله مصرنا المحروسة.. وتحيا دوما مصر، وكل عام ومصرنا بخير.. ورمضان كريم، والسلام.