بقلم: محمود حسونة
الأعمال الدرامية مثل الأكلات، لكل منها طعم، تُمتع من يشاهدها مثلما تمتع الأكلات من يتذوقها، وللعمل الدرامي مذاق يستطعمه المشاهد، وقد يحس فيه بزيادة أو نقص طعم البهارات أو المحسنات عن المعدل المناسب، وأدوات تشكيل مذاق العمل الدرامي هم صناعه، من تأليف وإخراج وديكور وتصوير وتمثيل، وقد يكون بعضها مضبوط وبعضها الآخر به نقص أو زيادة مما يضيف أو ينال من مذاقه عند المشاهد.
بعض الأعمال الدرامية قد تتشابه في المضمون أو أساليب الطرح، ولكنها لا بد أن تختلف في المذاق وإلا ستكون سقطت في القاع. مسلسل (الأصلي) للفنانة (ريهام عبدالغفور) لن يكون أول ولا آخر عمل يناقش الصراع على الميراث، وهى القضية التي قتلت تأليفاً وتمثيلاً في الدراما المصرية والدراما غير المصرية.
في ذات الوقت الذي تعرض فيه منصة (watch it) المصرية مسلسل (الأصلي) عن فتنة الميراث، تعرض منصة (شاهد) السعودية مسلسل (أولاد عابد) وهو أيضاً مصري وأيضاً يتمحور حول الميراث، وكلاهما تدور أحداثه حول عائلة يتصارع أبناؤها على الميراث، وفي كليهما فضّل الأب واحدة من بناته على باقي إخوتها، ليشعل ناراً لا تنطفئ بين الإخوة، وليجعل العلاقات بينهم مسمومة، كل منهم يخطط ويتآمر ويدبر المكائد للآخرين، ففي (الأصلي) أوصى سيد الأصلي (أحمد بدير) ابنته فاطمة (ريهام عبدالغفور) بالحفاظ على اسم الأصلي كأكبر تاجر لقطع غيار السيارات، ومنحها التفويض الكامل ببذل المقبول وغير المقبول، والشرعي والمحرم، للحفاظ على الاسم مرفوعاً على يفط محلاته المنتشرة في أنحاء مصر، واتخاذ ما تراه مناسباً حتى لا يبدد أشقاؤها الثروة ولا ينزلون الاسم من عليائه، ولا يبعثرون ما جمعه الأب بالتعب والشقاء وسهر الليالي.
وبعد عام من وفاته يطلب باقي الأشقاء من (فاطمة) تقسيم الميراث حتى يأخذ كل منهم حقه وينشئ ما يشاء من مشاريع تتوافق مع مؤهلاته وأهوائه، وباعتبار أن (فاطمة) كانت الوحيدة التي تعمل بجانب أبيها وسبرت معه أغوار تجارته واكتشفت أسرار السوق وتعرفت على ألاعيب التجار، كانت وحدها الحريصة على تنفيذ وصية الأب والإبقاء على اسمه مرفوعاً في السوق، وهو ما أدخلها في أزمات مع أشقائها واضطرها إلى استخدام أساليب غير مشروعة ومؤذية أحياناً حتى يظلون تحت سيطرتها، وهو ما أشعل نار الفتنة في جسد العائلة التي انصرف أبناؤها للنهش في بعضهم البعض.
نفس الامر وبصيغة مختلفة وأسماء مختلفة تدور أحداث مسلسل (أولاد عابد) والذي يتمحور حول شخصية الرجل العصامي عابد المصري (رياض الخولي) صاحب مصانع السيراميك والذي يعيش مع أولاده وأحفاده من الشباب والفتيات في بيت العائلة، ويتولى الإنفاق على الجميع وتوزيع المصروف على الأبناء والأحفاد كما لو كانوا أطفالاً في الروضة.
(عابد المصري) تزوج عدة مرات، ولديه أبناء غير أشقاء ويفضل ابنته الأصغر، وهو ما يشعل نار الفتنة بين أبنائه وينشر الأحقاد بين أحفاده وهو ما يزداد حدة بعد أن أعلن عن نيته منح ابنته الصغرى هبة (مي الغيطي) نصف ثروته والنصف الثاني لابنيه آدم (محسن محيي الدين) ورياض (إيهاب فهمي) وابنته الكبرى جميلة (انتصار)، وهو ما يملأ البيت غضباً، ليصبح أوهن من بيت العنكبوت، الكل يكره ويتنصت ويتآمر ويحقد على الكل، بيت لا يعرف السلام ولا الأمان النفسي ولا الطمأنينة، وهو مايدفع كل واحد منهم للتخطيط لسرقة والده بعد أن يقنع نفسه أنه لا يسرق، بل يأخذ حقه الذي يخشى أن يؤول لغيره.
القضية واحدة، والشخصيات متشابهة الملامح الدرامية، ولكن لكل من المسلسلين طعمه ومذاقه، ومن المؤكد أن كل مؤلف ساهم في إعطاء شيء من المذاق، سماح الحريري في (أولاد عابد) وأمين جمال في (الأصلي) والذي شرد بعيداً في علاقة (مرام) ابنة شقيقة فاطمة بخطيبها ابن الوزير، ولعلنا في الحياة لم نسمع عن وزير وافق على تزويج ابنه لابنة رجل يقضي عقوبة السجن.
المخرج أكرم فريد ارتكب في (أولاد عابد) الخطيئة الدرامية الأكبر بجعل رياض الخولي أباً لكل من (محسن محيي الدين وإيهاب فهمي) وهو ما يتنافى مع المنطق، والمخرج أحمد حسن في (الأصلي) أعطى بعض المذاق للمسلسل.
الأبطال هم أكثر من منح كل مسلسل طعمه الخاص، ففي (أولاد عابد) اجتهد الفنانون وعلى رأسهم رياض الخولي الذي قدم نموذجاً لأب غير عادل ومتسلط ومغرور، وجد متصابي، ولا أدري كيف لرجل عصامي أن يسلم عقله لسائقه كي يقتاده ويفكر له ويتفنن في أساليب النصب عليه وخداعه.
الفنانة المبدعة المتجددة (ريهام عبدالغفور) أعطت لمسلسل (الأصلي) طعماً ومذاقاً مختلفين، ولعل أكثر ما أمتع المشاهدين هى ملامح القوة في شخصية (فاطمة)، والتي كانت بالفعل سيدة الرجال بكل أشكال التعبير الممكنة.
انتصار في (أولاد عابد) ومنال سلامة في (الأصلي) تفننتا في استفزاز المشاهد بكل ما تحمله شخصية (جميلة عابد المصري) وشخصية (فايزة الأصلي)، وكانت (جميلة) أشد استفزازاً حيث أراد لها المؤلف والمخرج ذلك وهو ما جسدته (انتصار) ببعض المبالغة المقبولة، وقد تميز في هذين المسلسلين عدد من الوجوه الجديدة وكان الأكثر تميزاً (إبراهيم كمال) في دور (حسين) أحد أحفاد عابد المصري الذي أضاف للمسلسل نكهة كوميدية مبهجة، كما تميز مصطفى غريب في دور سيد السائق وإن كان واضحاً جداً محاولته تقليد الفنان محمد عادل إمام.
mahmoudhassouna2020@gmail.com