بقلم: محمود حسونة
ليس أمامنا سوى التسليم بأن الدراما في المستقبل ستكون أصل وصور منسوخة عنه، ومثلما تابعنا في البرامج التليفزيونية عائلات كونية مثل (أيدول) و (ذا فويس) و (ستار أكاديمي)، التي أنتجتها تليفزيونات مختلفة حول العالم بلغات الجمهور المستهدف لكل قناة، تابعنا الابن الدرامي العربي لأعمال تركية مثل (ستيليتو) و(عروس بيروت)، واليوم نتابع من نفس الفصيل (الثمن).
لسنا وحدنا المستنسخين، ولكن من المؤكد أننا وحدنا الذين لم يُستنسَخ عنهم شيء، وكأننا قوم عاجزون إبداعياً عن لفت نظر الآخرين إلى أعمالنا الدرامية وبرامجنا التليفزيونية، وهي حقيقة لا تستلزم نقاشاً، فنحن اعتدنا أن نكون مستهلكين لا منتجين في جميع المجالات، ابتداء من الصناعات الثقيلة وحتى الدراما والتليفزيون، أما الآخرين فهم يستنسخون ويُستنسخ عنهم، (هات وخذ)، وهو نهج يتيح التبادل ويؤكد على قيم العولمة التي تستهدف تذويب الثقافات وصهرها في بعضها البعض، ولكنها مسكينة ثقافتنا النابعة من أعمق أعماق التاريخ، لا تجد من يفرض قيمها على المنتج العولمي والسبب أننا عاجزون عن إبداع ما يجبر الآخر على النقل عنا، ونكتفي بالجلوس على مقاعد المتفرجين المستهلكين المنبهرين!
العالم كله أصبح ينسخ عن بعضه البعض، ولكن من يشاهد النسخ يجدها تختلف بعض الشيء عن الأصل، فكل يأخذ الأصل ويجري عليه تعديلات بما يتوافق مع قيمه ومبادئه وثقافاته، ويجري عليه تنقيحات يتخلص بها من عيوبه الفنية، بينما نحن نأخذه كما هو، ولو أجرينا تعديلات تكون مجرد قشور، وها نحن نتابع الآن مسلسل (الثمن) المنسوخ عن المسلسل التركي (ويبقى الحب) الذي تم عرضه في العام 2006، ورغم أن منصة شاهد تقدمه بعد 17 عاماً من إنتاج أول أجزائه، فلم تجر عليه تعديلات ولا تنقيحات، ولكنها أخذته بأمراضه، مط وتطويل، وبرودة في علاقات حب بدأت ملتهبة ثم أطفأها بطء الإيقاع وجمود الأحداث، أما إصرار المنتج على أن يقدمها في أكبر عدد من الحلقات سيراً على خطى الأصل التركي فهي الرصاصة التي أردت العمل قتيلاً، ولا أعلم كيف سيتحمل الجمهور مساحات الملل والبرود المتزايدة في المسلسل الذي تفيد الأنباء بأنه سيصل إلى 90 حلقة، حيث سيتوقف قبل أول رمضان عند الحلقة الخمسين وسيعود بعد انتهاء الشهر لاستكمال رحلته التسعينية!
الأصل التركي (ويبقى الحب) مأخوذ عن دراما تركية قديمة باسم ( ألف ليلة وليلة)، ومنه نسخة هندية باسم (حكاية لم تروَ)، والنسخة اللبنانية (الثمن)، الأسماء مختلفة والأصل واحد، ورغم ذلك فمن المؤكد أن النكهات مختلفة، ولعل ما أعطى للثمن نكهته هو أبطاله.
(الثمن) تتمحور أحداثه حول شخصية سارة، الأرملة التي تتولى تربية ابنها وحيدة، وهو طفل مصاب بسرطان في الدم يهدد حياته، وهي مهندسة معمارية بلا عمل، ونتيجة حاجة ابنها لجراحة تنقذ حياته، تذهب لجده لوالده تطلب المساعدة فيطردها بعد أن ينكل بها، وتضطرها الظروف للعمل في شركة صاحبها (زين) شاب قاسي القلب حاد المشاعر متسلط في تعاملاته يرفض توظيف النساء المتزوجات أو الأمهات، وهو ما يدفعها للكذب وادعاء بأنها آنسة حتى تفوز بالوظيفة، ووالدة زين زرعت بداخله عقدة من النساء ليتعامل مع كل من تسوقها الأقدار إليه بأنها سلعة رخيصة تباع وتشترى، ولسان حاله يؤمن بأن (كلهن عاهرات إلا أمي)، وتضطر (سارة) لطلب سلفة من الشركة فيرد عليها بالموافقة مقابل قضاء ليلة معها، وأمام حاجتها لإنقاذ حياة ابنها تقبل مجبرة وهي تحمل له كل الكره، وهو الكره الذي يتحول حباً بعد أن يكتشف الحقيقة.
حكاية تروى فيما لا يزيد عن 15 أو 20 حلقة ولكن الأتراك يقدمونها في 90 حلقة وعلى نهجهم يسير المقلدون ليخرج مسلسل ممطوط وممل، يتابعه الناس بلهفة في حلقاته الأولى ثم ينصرفون عنه بعد أن تتحول أحداثه للدوران في حلقة مفرغة.
يؤخذ على المسلسل لا منطقية تطور أحداثه وشخصياته، وعلى رأسهم بطله المهندس (زين) المهووس بعمله، الرافض لتضييع أي دقيقة من وقته، القاسي على موظفيه، الحاسم الحازم الحاد، والذي يتحول إلى مرهف الحس لين القلب بفعل الحب، ولا ننكر أن الحب تأثيره سحري على كل بني البشر، ولكنه لا يقلب الشخص من النقيض إلى النقيض، ويؤديه بتألق الفنان السوري (باسل خياط)، والذي جسد القسوة واللين (كما يقول الكتاب)، واستطاع بأدائه أن يأخذ مشاعر متابعيه إلى حيث يريد، أجبرهم على كراهيته في الحلقات الأولى كما أجبرهم على التعاطف مع حبه الصادق لسارة فيما بعد، أما شخصية (سارة) فقد جسدتها اللبنانية (رزان جمّال) لتكتب من خلالها شهادة ميلاد نجمة في سماء الدراما والسينما العربية، وشاركتها التألق مواطنتها (سارة أبي كنعان) في شخصية (تيما)، أما الفنان اللبناني (نيقولا معوض) فقد قدم شخصية (كرم)، المبتسم واللاهي دائماً بشكل سطحي دون أن يتعمق في أوجاع الشخصية التي تدفعها لهذا اللهو.
من أكثر الفنانين تألقاً في هذا المسلسل (رندا كعدي) في شخصية (حماة سارة)، وزوجها الدرامي (رفيق علي أحمد).
النجاح الجماهيري الذي حققه هذا المسلسل يعود بشكل أساسي إلى قدرات أبطاله التمثيلية، بجانب قصة الحب التي بدأت عداءً وانقلبت عشقاً، ولكن الرغبة في تقديم أكبر عدد من الحلقات أطفأ نار الأحداث الدرامية وأطفأ معها تريند الأكثر مشاهدة، وأثار حول المسلسل كثير من الجدل وعرّضه للكثير من الانتقاد المستحق على السوشيال ميديا.
mahmoudhassouna2020@gmail.com