بقلم: بهاء الدين يوسف
إذا عض كلب إنسانا فهذا ليس خبرا صحفيا، لكن إذا عض إنسان كلبا فهذا خبر يصلح للصفحة الأولى في الجريدة، وهذا ما تعلمه كل الصحفيين في بداياتهم لكن المعلمين الأوائل لم يتوقعوا أن يأتي يوم لتكون عضة الكلب نفسها خبرا مهما ليس فقط على الصفحات الأولى ولكن تنسج حوله عشرات التقارير والمداخلات لمجرد أن الكلب يخص السيدة (أميرة شنب) رائدة فن الطبخ وفيلسوفة الأطباق غير الاعتيادية، حيث افترس كلبها (البيتبول) أحد جيرانها وتسبب في دخوله للعناية المركزة دون أن تتضح حتى كتابة هذه السطور النتائج السلبية التي سيعاني منها الضحية بعد خروجه من المستشفى بسبب هذا الهجوم الكلابي.
الحقيقة أنني في كل مرة أتابع أخبارا تافهة في وسائل الإعلام المصرية أقول لنفسي أننا لا يمكن أن ننحدر إلى مستويات أسفل مما وصلنا إليه في تغطياتنا الإعلامية في السنوات الأخيرة، لكن تلك الوسائل للأمانة تتفوق على نفسها وتفاجئنا كل مرة ببلوغها درجات في القاع المهني والأخلاقي لم يخطر ببال أكثر المتشائمين أن نصل إليه، وكانت تغطية واقعة (كلب أميرة) نموذجا لهذا الانحدار.. عشرات المقالات والمداخلات والتحليلات التي تلف وتدور حول تفاصيل ما حدث، ثم فصيلة الكلب وهل هى آمنة للتربية المنزلية أم لا، ومعاينة للمنطقة التي تسكن فيها سيدة الطبخ الأولى وجارها، وما هى وظيفة الجار وعمره وكيف تعرف بزوجته إلى آخر هذه النوعية من الأسئلة التافهة.
بل إن أحد المواقع تمخض ليلد تقريرا جهنميا عن السيرة الذاتية للسيدة (أميرة شنب) وأين ولدت وكيف ترعرعت وماذا عملت قبل أن تصل للشهرة، ما ذكرني بلقطة شهيرة من فيلم (لعبة الست) حين توجه صحفي تافه بالسؤال لتحية كاريوكا التي كانت تجسد دور راقصة بدأت تعرف طريقها للنجومية قائلا: (أين ترعرعت سيدتي؟!)، فما كان منها إلا أن ردت بإجابة أكثر تفاهة (ترعرعت في بيت papa) كما كان ينطق الكلمة أبناء الطبقة الراقية في ذلك الوقت.
المؤسف بالنسبة لي أنني لم أجد موقعا ولا برنامجا واحدا استغل المناسبة لطرح عدد من القضايا الجادة التي تشكل مشروعات أزمات قادمة في مجتمعنا، منها مثلا الانتشار المخيف لصرعة اقتناء الكلاب في المنازل بما في ذلك عمارات ومناطق لاتملك المساحات ولا الداعي لامتلاك كلب في الشقة، وإنما تمثل فقط شكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية الزائفة، دون أن يعبأ هؤلاء المتباهين بما تمثله الكلاب من خطورة على بقية السكان في العمارة والمنطقة فضلا عن الإزعاج الدائم والمستمر من نباحها الذي لا ينقطع.
كما لم أجد أحدا يتناول قضية القضايا في المجتمع المصري حاليا وهي الازدياد المرعب والمخيف في أعداد كلاب الشوارع أو كما يطلق عليهم البسطاء من أبناء شعبنا (كلاب السكك)، والتي يقول بعض البيطريين إنها تخطت حاجز الثلاثين مليون كلب ضال يعيث فسادا في كل شوارع القاهرة، في ظل غياب كامل للدولة التي كانت تقوم من خلال هيئة ما باصطياد هذه الكلاب ونقلها الى مناطق تجميع تعيش فيها بعيدا عن البشر، ما ترك الأمر بأيدي المواطنين وخلق مساحة مقلقة من الخلافات بين من يقوم بتسميمها خوفا من أذاها على أسرته وأولاده، ومن يدين ذلك من منطلق ديني وأخلاقي.