كتب: محمد حبوشة
يعتبر التنمر من السلوكيات العدوانية المرفوضة، والذين يقومون بهذا السلوك أشخاص مضطربون نفسيا، لأنه سلوك مرضي، والتنمر يكون بعدة أساليب، إما لفظية أو جسدية، والشخص المتنمر يكون دائما في مركز قوة أو كما يعتقد هو وذلك بفرض وصاية مجتمعية كريهة، مما يمكنه من التنمر على الآخرين وللأسف فإن ضحايا هؤلاء الأشخاص يعانون من عدة مشاكل، منها عدم الثقة بالنفس وعدم تقديرهم لذاتهم، وهو بالأساس سلوك عدواني وغير مرغوب فيه، يمارسه بعض الأشخاص ضد آخرين أضعف منهم للسيطرة عليهم وإيذائهم، وهو ناتج عن اختلال في توازن القوى لديهم، من خلال وجود تصور لدى المتنمر بأنه أقوى من الأشخاص الضحايا، ويصبح ذلك السلوك العدواني تنمرا في حال تم تكراره عدّة مرات على الشخص نفسه.
التمر يا سادة هو بمثابة إساءة استخدام مستمرة ومتعمدة للسلطة في العلاقات من خلال السلوك اللفظي أو الجسدي أو الاجتماعي المتكرر، والذي بدوره يهدف إلى التسبب في ضرر جسدي أو اجتماعي أو نفسي أو اثنين منهما معا، ويمكن أن يشمل التنمر أفراد أو مجموعة ممن يسيئون استخدام سلطتهم، والتنمر هو إساءة استخدام الشخص (المتنمر) لسلطته أو نفوذه في علاقاته مع الآخرين، من خلال السلوكيات اللفظية أو الجسدية، بمعنى آخر؛ ينطوي فعل التنمر على تسلط فرد على فرد آخر بحجة أنه يمتلك الأفضلية سواء في البنية أو الشخصية أو مجال العمل أو غيرها.
وآخر حالات التنمر الكريهة هو ما تعرضت له الفنانة (منى زكي) التي نفخر بوجود فنانة مصرية مثلها في حياتنا، وهى التي تخصصت منذ بدايتها بأدوار مهمة تناصر فيها قضايا المرأة وهو ما سوف تفعله حتما في مسلسلها الجديد (تحت الوصاية) الذي سيعرض بعد أسبوعين في موسم رمضان 2023، وهنا يبرز سؤال مهمم: هل يجوز انتقاد العمل الفني قبل عرضه للمشاهدة، أو حتي القول بأن جمهور السوشيال ميديا ينتقد العمل الفني قبل اكتماله أو حتي نقد العمل الفني لمجرد أن الأفيش الإعلاني لايجذب البعض؟، والإجابة بالتأكيد هذا التصرف لا ينتمي للنقد بشي بل ينتمي التنمر البغيض كسلوك مستهجن من جانب رواد السوشيال ميديا الذين يعيثون فسادا في الفضاء التخليلي ليل نهار، وكأنهم أوصياء على المجتمع.
تعرضت النجمة المصرية الرائعة إبداعا وفنا راقيا (منى زكي) لحملة انتقادات شرسة عقب طرح البوستر الدعائي لمسلسلها الرمضاني (تحت الوصاية)، بسبب ارتدائها الحجاب بطريقة اعتبرها البعض مسيئة، وذلك في إطار الغزوة الإيمانية الحالية في مصر، وهى الأحدث في سلسلة الغزوات التي يؤججها بين الحين، هذه المرة المعركة أججتها (حواجب) منى زكي في بوستر إعلاني عن مسلسلها الجديد (تحت الوصاية)، وتظهر فيه زكي ترتدي الحجاب بحاجبين كثيفين وهالات سوداء تحت عينيها ونظرة بؤس ومظهر، يتفق الجميع سواء جاهروا بذلك أو احتفظوا به لأنفسهم، يتشابه إلى حد التطابق مع قاعدة عريضة من النساء والفتيات المطحونات الساعيات وراء أكل العيش أو الوصول للجامعة أو قضاء معاملة هنا أو هناك.
لم تخطئ (منى زكي)، حين عمدت إلى مكياج يبرز حواجبها، والهالات السوداء أسفل عينيها، وملامح البؤس والكآبة على وجهها، والملابس التي تنم عن خليط من الملل والقرف والإحباط التي ترتديها، ربما يكمن ورائها في أحداث المسلسل هدف دفين في الاعتراض على سلوكيات أو ممارسات عنيفة سوف تتعرض لها، وربما نسي هؤلاء المنتمرون أن الأعمال الدرامية أو المسيرة الفنية أو الرسالة الثقافية أو المهمة التوعوية للفن والفنانين قادرة على المضي قدما في معركة (منى زكي) وحواجبها بالقواعد والأسلحة والأدوات التي أشهرها كثيرون دفاعا عن الحجاب والمحجبات وحواجب المحجبات.
وعلى حد قول الكاتبة الصحفية (أمينة خيري)/ فالغريب في الأمر أن جموع المدافعين عن الدين، من وجهة نظرهم، تلقفت بوستر (منى زكي) بحاجبيها وهالاتها وملابسها باعتبارها فرصة ذهبية للدفاع عن الدين، والحجاب في القلب منه، ضد جموع العلمانيين والمنافقين الذين يدافعون عن الفن الحرام والفنانين الفاسدين ويتطاولون على الحجاب والمحجبات، هذا التلقف بات سمة الحراك الشعبي المصري في السنوات القليلة الماضية، سنوات ما بعد انكشافات أحداث 2011، واكتشافات أن التشدد الديني أو الهوس الإيماني أو التدين المظهري ربما تبدأ بجماعات الإسلام السياسي لكن لا تنتهي عندها، بل تمتد وتتمدد وتتوغل وتتغول لدى الجماهير الغفيرة.
أرض المعركة الدائرة حاليا هى (الطرحة)، لا الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو حج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلا أو حتى شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ومن أجل هذه المعركة ترفع أغلظ الاتهامات وأبشع الصفات على أسنة الرماح الموجهة لمنتقدي أو مناقشي أو عارضي (الطرحة) في سياق يختلف ولو قيد أنملة عن تبجيلها وتعظيمها وتوقيرها، بل وأحيانا تقديسها، وظني أن البحث في ما وراء جهود الدفاع الشعبي عن (الطرحة) من قبل من رأى في بوستر (منى زكي) وحاجبيها أذى للدين ونيلا من المتدينين، وأصبح حديث الشارع المصري خلال الأيام القليلة الماضية أنه لا صوت يعلو على صوت (الطرحة) وأولئك الذين يحاولون النيل منها ومن الدين والمتدينين.
ومما لاشك فيه أن كتائب من جماعات الإسلام السياسي – الصريحة أو المموهة في صورة إعلاميين في قنوات ومواقع تلفزيونية تبث من خارج مصر – وهبوا في عمليات بحث وتنقيب تدور رحاها بحثا عن (أول محجبة في ناسا)، و(ألطف محجبة في الشرطة البريطانية)، و(أجمل محجبة في البرلمان الأسترالي)، و(أشطر محجبة على قناة تلفزيونية أميركية) و(أول محجبة في البيت الأبيض)، و(أول بطلة سباحة محجبة)، وقائمة طويلة من (أول، وأقوى، وأجمل، وأرقى) محجبة تملأ الأثير دفاعا عن المحجبات وحواجب المحجبات.
ولعل ما أدهشني أكثر أن المجتمع نفسه استنفر وجرحت مشاعره وتألمت أوصاله بفعل رجيم من جانب رواد السوشيال ميديا، حين فوجئ بـ (بوستر) مسلسل تظهر فيه (منى زكي)، وكأنها ليست واحدة من ملايين النساء والفتيات المصريات في الشوارع والميادين وأماكن العمل والمواصلات العامة والجامعات والمدارس بل ورياض الأطفال، حتى حين كتب أحدهم على (فيسبوك) أنه لا يستطيع أن يفهم السبب وراء حال الغضب الجمعي في مصر لظهور (منى زكي) بهذا المظهر الذي يطابق مظهر زوجته وأخته وخالته وعمته بل وابنته، فقد قوبل بوابل من الشتائم والسباب ضمن الغزوة متهمة إياه بالاشتراك في التنمر بالمحجبات ومحاربة الحجاب.
وعلى فرض أن حجاب منى زكي بدا بائسا، وحواجب منى زكي مشعثة، وملامحها يائسة، وملابسها ظهرت رديئة بعض الشيئ على سبيل الجذب ولفت الانتباه للمسلسل، فإن المفاجأة المدوية أن مسلسل (تحت الوصاية) لا يتطرق لقضية الحجاب من الأساس، ولكنه يناقش قضية المرأة المعيلة بعد وفاة الزوج، والأزمات التي تواجهها سواء من المجتمع بسبب العادات والتقاليد التي تقيد عمل المرأة، ومن عائلة الزوج المتوفى التي ترفض غالباً أن تمنح (الوصاية) على الأبناء للأرملة، وتخوض منى زكي معركة قانونية داخل أروقة (المجلس الحسبي) للمطالبة بحق أبنائها القصر.
أغلب الظن أن منى زكي) منذ أن ظهرت بعد عرض فيلمها المثير للجدل (أصحاب ولا أعز)، يفسر أن ما يحدث للممثلة المصرية، هو أن الجمهور لم يتعود بعد على تقديمها شخصيات درامية خارج إطار الفتاة الطيبة الرومانسية، ونسي هؤلاء أن (منى) تتمتع بموهبة كبيرة تجعلها قادرة على تقديم شخصيات جادة وقوية مثلما يأتي في مسلسل (تحت الوصاية)، وقدمت أدوارا مختلفة مثل (خالتي فرنسا، واضحك الصورة تطلع حلوة) وغيرها من الأعمال التي لايمكن أن تضعها كممثلة بارعة في تصنيف واحد.
جدير بالذكر أن العقود الأخيرة شهدت ظهور العديد من الجماعات المتطرفة دينياً والتي تسببت بتشويه صورة الدين الإسلامي عن طريق استخدام الإسلام كوسيلة سياسية لتحقيق أهداف بعيدة عن الدين، بالإضافة إلى سعي بعض الجماعات للتآمر على الدين الإسلامي، حيث أدى ذلك إلى تشويه صورة الإسلام وجعله يظهر بشكل مخيف وخاصة في الدول الأجنبية مما جعل البعض يبغض الدين الإسلامي بكل مظاهره بما فيها الحجاب جاعلا النساء المسلمات وخاصة المحجبات ضحايا الإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام، وهو ما جعل أغلب النساء المسلمات وخاصة المحجبات تتعرض للعنصرية والتحيز والتمييز في دول تتذرع برفض وتجريم أي تمييز قائم على الأساس الديني لتغدو هذه القوانين على أرض الواقع مجرد شعارات تتغنى بها وتخفي عنصريتها خلف شكلها الديمقراطي مستغلة مبدأ الحياد ومبدأ العلمانية لممارسة جميع أنواع العنصرية ضد النساء المحجبات مما يؤثر بشكل غير عادل على مجالات حياتهم المختلفة.
أرجو من العقلاء في هذا المجتمع ألا يندفعوا اندفاعا أحمقا لمجرد نشر بوست من المغرضين على سبيل التنمر الذي ينتقد شكل حجاب (منى زكي) أو غيرها في سبيل ركوب (الترند) ينال من أعمال فنية لم تعرض بعد مثل مسلسل (تحت الوصاية)، وأن ينتبهوا لسلوكيات الكتائب الإخوانية التي تحاول الاصطياد في الماء العكر في محاولة للنيل من فنون مصر التي تسعي لترسيخ القيم والعادات والسلوكيات التي تبني ولا تهدم، فليس لهم هدف هؤلاء سوى ضرب إسفين بين العامة وأهل الفن ومن ثم محاولة إسقاط مصر في براثن سيناريوهات تدفع نحو إغراق المصريين في قضايا تافهة تشغلهم عن محاربة إرهابهم الأعمى وظلاميتهم الكريهة.