بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
للنجومية – في كُل زمانٍ ومكان – أُسسها الثابتة التي أبرزها الموهبة والشغف والاجتهاد، لكن تلك الأسس الثابتة تجد نفسها أمام شروطٍ جديدةٍ تفرضها مُتغيرات العصر وتطوراته، ومن لا يتمكن من التكيُّف مع تلك المُتغيرات بما يُلبي تلك الشروط سُرعان ما يجد نفسه منفيًا من عالم بريق الأضواء، ولعل إحدى أبرز المُتغيرات المُثيرة للاهتمام في الأعوام الأخيرة ثورة الصعود السريعة لتأثير وسائط التواصل الاجتماعي الإلكتروني في حياة الناس، وتحوُّلها إلى عنصرٍ ملحوظ في صِناعة نجوميةٍ حديثة، أو دعم نجوميةٍ صاعدة، أو المُحافظة على نجوميةٍ مُتألقة، وصولاً إلى ضرب سُمعة نجمٍ في مقتلٍ يؤدي إلى اسقاطه وربما أُفُوله عن الساحة الفنية إلى الأبد.
لقد استطاعت وسائط التواصُل الاجتماعي (السوشيال ميديا) تحويل كائناتٍ مغمورة بمواهب ضيلة إلى مشاهير مؤثرين، بينما بدأت تتضاءل أضواء نجوم يمتازون بمواهب عالية لأنهم لم يجدوا السبيل المُلائم لمواكبة شلاَّل التقنية الهادِر في النزول إلى عامَّة الجماهير بصورةٍ تُبقي أسماءهم مُشرقة في الذاكرة الجمعيَّة مع حفظ مكانتهم التي احتلُّوها بالصعود على مدى أعوام وربما عقود من الحفر في الصَّخر وبناء العلاقات في الوسط الفني، وربما يكون أحد أذكى النجوم تعامُلاً مع (السوشيال ميديا) بأسلوبٍ ملحوظ خلال الفترة الأخيرة النجم السوري القدير (ياسر العظمة).
بدأ الفنان (ياسر العظمة) مسيرته الفنية من على خشبة المسرح عام 1963م حين شارك في مسرحية (شيخ المُنافقسن) المُقتبسة عن إحدى مسرحيات الشاعر والممثل الإنجليزي (بن جُونسون)، ثم توالت أدواره على المسرح إلى أن دخل عالم التلفاز عام 1977م، لكن توهُّج التوق للتعبير عمَّا يدور في ذهنه من أفكار دفعه لتحويلها إلى نصوص مسلسلات منها (شوفوا الناس شوفوا) و(مرايا) الذي توالى عرض أجزائه ذات المضمون الممتع لجميع أفراد الأسرة العربيَّة على مدى أعوام طويلة، وامتاز العظمة بمد رقعة انتشار أعماله إلى خارج الحدود السورية منذ بدء البث عبر الأقمار الصناعية وثورة القنوات الفضائية لتُعرض مسلسلاته على قنوات يشاهدها الناس من مختلف الأقطار العربية وربما بلدان المهجر.
بعد الأحداث المؤسفة التي أدَّت إلى هجرة كثير من السوريين إلى خارج بلادهم ساقت الأقدار الفنان (ياسر العظمة) للعيش خارج أرضِه الأم وتوقف إنتاج أعماله بضع سنوات، لكن بعضًا من أشهر أعماله – لا سيما اجزاء مرايا – ظلَّت تنزل للمشاهدين بين حينٍ وآخرعبر موقع (يوتيوب)، لتحظى بمشاهدين من أجيال جديدة حول العالم، إلى أن فاجأ الجميع بقفزةٍ ماهرة نحو عالم (الشوشيال ميديا) عام 2020م ببرنامجٍ تحت عنوان: (مع ياسر العظمة)، يقدم عبره لجمهوره مواضيع جادَّة بأسلوبٍ ممتع مشوِّق يليق بقامته الفنية ومكانته كمُثقف من الطراز الرفيع.
انتشرت مقاطع البرنامج وروابط حلقاته عبر أجهزة الهواتف الذكية انتشار النار في الهشيم، وحظي بصدىً لا يُستهان به بين الجماهير السورية والعربية ليتضاعف لمعان نجمه سريعًا، والمُلفت في تلك التجربة أن هذا النجم القدير لم يتنازل عن رُقي المستوى الذي يُقدم به أعماله، فرغم كونه برنامجًا ذاتي الإنتاج؛ إلا أن احترام مستوى مُقدم البرنامج وعقليَّة المُشاهِد تجلَّى بوضوح في اختيار المادة المُقدَّمة وأسلوب تقديمها وعرضِها، ثمَّة حِرفية عالية في الإعداد والتصوير والإخراج والمونتاج تترفَّع بها عن مستوى الهواة.
لقد عاد إلى جمهوره بالصورة التي تحترم تاريخه الفني الطويل وتليق باسمه الكبير وتخلب ألباب المشاهدين بسحر ما وراء كواليس الشاشة، لا بصورة عشوائيَّة مسلوقة خالية من السحر والإبهار والذوق الفني.. عاد بعدها إلى جمهور التلفاز بمسلسل (السنونو)، ثم انطلق انطلاقة جديدة ذكيَّة باختيارِهِ باقة من النجوم المحبوبين المشهورين على (السوشيال ميديا) مثل مها المصري وباسل خيَّاط وأحمد فاخوري ليُشاركوه برنامجًا خفيفًا جديدًا مُبدين آراءهم بشأنه وساردين جانبًا من ذكريات علاقتهم الإبداعية به، ما يعني تذكير جماهيره القديمة واجتذاب جماهير جديدة عبر أولئك النجوم، وهى خُطة شبابيَّة ذكيَّة وقفزة تُحسب له وتؤكد درته على التجدد والتكيُّف مع مُستجدات الظروف المؤثرة في صناعة النجومية واستمراريتها بأسرع الطرق وأكثرها تأثيرًا.
إن ذكاء الفنان (ياسر العظمة) وقدرته على التكيف مع شروط كُل عصر ومُستجداته تجعل من تاريخه السابق والحاضر مدرسةً حقيقية لكُل حالم بالنجومية وطامح لاقتحام عالمها والاستمرار بالحياة في سماواتها، فحكمته التي تُدرك أن (من لا يتجدد يتبدد) وأن (لكل عصرٍ دولةٌ ورجالُ) جعلت منه رجُلاً لكل عصور الفن التي مرَّت به ومرَّ بها، لأنه عرف كيف يطوِّع التقنيات الجديدة لتكون دائمًا في خدمة حاضِرِهِ الفني ليظل اسمهُ حاضرًا في ذهن الجمهور وذاكرته.