كتب: محمد حبوشة
يطل (عماد الدين أديب) من جديد من برجه العاجي، برأسه كأفعى سامة رابضة في جحرها، ليعود لكتابة مقال لمح فيه لانهيار نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على وقع الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد حاليا.. أديب عنون مقاله بـ (وَهْم أنّ.. الوضع تحت السيطرة)، وهى عبارة لطالما رددها النظام المصري بقيادة السيسي – على الرغم من ضراوة الأزمة الاقتصادية – وهو ما فتح شهية القنوات الإخوانية للتهليل لهكذا أفكار مسمومة لا تهدف سوى للهدم، وليس للبناء كما يعتقد هذا الأجدب الذي فقد وعية وانتمائه لمصر، وهو لاعب السيرك الذي أجاد اللعب على الحبال قديما وفقد كل مهاراته حديثا.
ذهب (عماد) الذي يبدو مذعورا دائما في أوهامه وخيالاته المريضة التي يفضفض بها الحين والآخر، ولست أدري تحت أي أجندة أو لمن يعمل تحديدا؟، قائلا: إنه في التاريخ المعاصر وهم عظيم يقوم على قاعدة أن التحكم بكل أشكال القوة يؤدي إلى التمكن من إيصال البلاد، في أي زمان ومكان إلى وضع يوصف بأنه (تحت السيطرة)، وهنا أشتم رائحة كريهة في لغة خطابه المستنكر التي تناولها القنوات الإخوانية كنوع من التشفي في ظل إخفاقاتها الكبرى في محاولاتها البائسة لضرب اللحمة الوطنية بين الشعب والجيش والشرطة ومن فوق كل ذلك القيادة السياسية التي لا تكف عن الحنو على شعبها رغم العواصف والأنواء التي تحاصرها.
وأضاف: (غالبا ما يكون الوضع الذي يعتقد أنه تحت السيطرة، والقائم على فرض الأمر الواقع بالقوة الإجبارية، هو وضع مؤقت وهش وقابل للانهيار، طال الزمان أو قصر.. وكان المفكر العظيم مونتسكيو يقول: (السلطة القائمة على الرضا الشعبي والاختيار الجماهيري الحر هى المرجعية الضامنة للاستقرار)، هذا حسب زعمه الأجوف الذي يلمح فيه إلى مابين السطور إلى محاولة تعرية النظام المصري رغم حرصه على مصلحة مواطنيه رغم ما تفرضه الأوضاع القائمة على الأرض.
واعتلى (أديب) منبر الحكيم والمفكر السياسي ليشير بطريقة إنشائية تنم عن جهل واع، إلى (أن السيطرة بهذا المفهوم هى الاستقرار، والاستقرار يأتي من الرضا، والرضا يعبر عن إرادة مجموع غالبية الشعب الذي يمتلك حق الاختيار وحق تقرير المصير وحق المشاركة الفعالة والمتغلبة في صناعة القرارات العليا المؤثّرة في واقعه ومستقبله)، وظني أنه يتحدث عن شعب آخر غير الشعب المصري الذي يفترض أنه ينتمى له، فلايعي أن هذا الشعب هو الذي اختار الرئيس السيسي بمحض إرادته الحرة، ويدرك حجم الأزمة العالمية ويحاول أن يتكيف معها طبقا لفروض العصر وتدعيات المستجدات الدولية.
وكالناسك الأعظم راح يضرب أمثلة ببعض الأنظمة التي وقعت تاريخيا في سوء تقدير مفهوم (تحت السيطرة)، حتى سقطت في النهاية، وقال: (هتلر كان يؤمن إيمانا راسخا بأن بلاده وثلث العالم تحت السيطرة.. موسوليني كان يؤمن بأن المذهب الفاشي سيجعله المسيطر الأول والأوحد على إيطاليا.. صدام حسين، معمر القذافي، علي عبد الله صالح، جعفر نميري وزين العابدين بن علي، رحمهم الله، كان لديهم ثقة مطلقة بأن سيطرتهم نهائية وأن الأوضاع كلها (تحت السيطرة)، وهو في اعتقادي غافل عن حقيقة أن (الزمان اختلف واللبيب احترف) لعبة السيطرة ذاتها على شعوب العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديدا.
أديب أشار أيضا إلى أن واشنطن اعتقدت خاطئة بأنها قادرة بالقوة المسلّحة على السيطرة على فيتنام وإيران وأفغانستان وفنزويلا وكوبا و(القاعدة) و(داعش)، ولفت كذلك إلى صراعات إقليمية كثيرة في العالم وفي الشرق الأوسط قيل عنها إنها لا تدعو للقلق وإنها (تحت السيطرة)، ونسي أو أسقط من ذاكرته عمدا أن مصر استطاعت في حربها للإرهاب – نيابة عن العالم بأسره – أن تسيطر على حدودها وتؤمن مواطنيها من محاولات اختراق التنظيمات اللعينة (داعش) وغيرها، فضلا عن تصديها الشرس لسيناريو (الفوضى الخلاقة) التي حاولت أمريكا نفسها فرضها على شعوب بعينها في المنطقة.
والغريب والمريب في مقال أديب، أنه نوه بأن التعريف القاموسي السياسي لمصطلح (تحت السيطرة) يعني أن (الوضع تتم إدارته) أو أن (الأزمة أو الصراع يتم احتواؤه بنجاح)، وأن (حالة الخطر التي كان يشكلها أصبحت الآن لا تشكل خطرا)، وفي قواميس أخرى يصبح المصطلح مرادفا لحالة الردع أو الضبط أو الكبح أو اللجم، وهو في هذا قد أغمض عينيه تماما عن أن الحكمة تتطلب من القيادة السياسية التصرف وإدارة الأزمة بهدوء وروية بحيث يكفل لها ذلك العبور إلى بر الأمان، خاصة أنه فسر المصطلح على طريقته الخاصة قائلا: (يستخدم ليل نهار في كلّ أوجه حياتنا اليومية، سواء في الحرائق أو الأسعار أو النزاعات أو الخلافات الحدودية والطائفية والقبلية والتظاهرات الشعبية والفئوية).
ربما اعترف (عماد الدين أديب) في مقاله المسموم – ومن ثم غضت القنوات الإخوانية الطرف – عن (أن العالم يواجه حاليا حالة انفلات في شؤون البيئة والطاقة والأغذية والسلع الأساسية وسلاسل الإمداد، وبعد كارثتي تكاليف جائحة كورونا وفاتورة الحرب الروسية الأوكرانية وارتباك علاقات مربع الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يخرج العالم بالأرقام من حالة (تحت السيطرة)، وهنا لم يشر هذا (الفحل) إشارة واضحة على نجاح التجربة المصرية في التحدي لجائحة كورونا التي فشلت فيها أعتى الدول، ولعله كان واضحا كيف كانت الجائحة (تحت السيطرة) فعلا في مصر.
وعاد الكاتب التخين ليناقض نفسه قائلا: (بأن ثلث سكان العالم البالغ عددهم 7 مليارات و750 مليون نسمة، باتوا تحت خط الفقر، ونصف سكان العالم يعانون اليوم نقصا في المياه النظيفة والغذاء الصحي وفرص العمل، وبلغت فاتورة كورونا 3 تريليونات دولار، وبلغت فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية في 12 شهرا 1.7 تريليون دولار، ولن يزيد معدل النمو الاقتصادي العالمي هذا العام على 2% فقط، وهناك تهديد وجودي للطبقة الوسطى وارتفاع متوقع للتضخم لا يقل عن 10%، وهو ما يخلق حالة شديدة الخطورة لأي شعور بالرضا، ويهدد الاستقرار العالمي ويصيبه في مقتل.. إذن مصر ليست وحدها تواجه أزمة بل العالم كله يعيش نفس تداعيات الأزمة.
ولأنه احترف تضمين رسائل سلبية في كل كتاباته في إسقاط على الدولة المصرية فقد استكمل بقوله: (عدم الرضا الذي يصل إلى نقطة انكسار الثقة بالحكومة يظهر في الدول الديمقراطية الصناعية من خلال عدم تجديد التفويض الشعبي عبر الصندوق الانتخابي والانتقال السلمي السلس لاختيار حزب آخر كي يدير الحكم بطريقة مغايرة تحقق رغبات الجماهير)، لكنه عاد لتحميل كلماته تلميحات بانهيار نظام السيسي، باعتباره دائما ما يروج لمفهوم أن الأمور في البلاد تحت السيطرة، ويحرص على طمأنة المواطنين رغم الانهيار الاقتصادي.. عفوا مايريد هذا الأحمق من السيسي أن يفعله؟!
وهذه ليست المرة الأولى من نوعها، التي يكتب فيها عماد الدين أديب مقالا ضد السيسي، إذ كتب في وقت سابق مقالا في أغسطس 2022 تحت عنوان (14 سببا لسقوط الحكام والأنظمة)، وعبر عما وصفه بخوفه الشديد على كثير من الأنظمة والشعوب من الآن حتى منتصف العام المقبل، وعدد أسبابا لسقوط الأنظمة في العالم العربي المعاصر، وذكر منها اعتماد الحاكم على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم في التصدي لمشكلات البلاد والعباد، وهذه الأسباب هى الفساد المطلوب للحاكم، وعدم فساد الحاكم، لكن تغاضيه وسماحه للحلقة الضيقة القريبة منه بممارسة الفساد والإفساد، والاعتماد على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم في التصدي لمشكلات البلاد والعباد، وتحول رجال الثقة بعد تمكنهم من مفاصل الدولة إلى خدمة مصالحهم قبل مصالح الدولة، والولاء لأنفسهم قبل الولاء للحاكم والنظام.
واستطرد قائلا: تشمل أيضا استقواء بعض رجال السلطة وتضحيتهم بالحاكم من أجل بقاء مصالحهم، بمعنى (فليذهب الحاكم مقابل أن يبقى الحزب أو الجهاز أو التيار أو الطائفة)، وقيام بعض عناصر الحكم بالارتباط بعلاقة عمالة مع قوى إقليمية أو دولية للاستقواء بها في معادلة اختطاف الحكم لصالحها، وصراع أجهزة الحكم بعضها مع البعض الآخر بشكل مدمر، وهو ما يجعل حالة العداء بين أجهزة الحكم بدلا من أن يكون العداء أو الخصومة لأعداء النظام الحقيقيين، باختصار أن تكون مشاكل النظام الداخلية ذات أولوية على مشاكله مع الأعداء، وهنا يبرز سؤال: عن أي نظام يتحدث صاحب الوزن الثقيل على مستوى الجسم وليس العقل؟!
وفي النهاية أدعو (أديب) لتأمل قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، والذي يعد منهجا راسخا في ذهن السيسي: (المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة كنزي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا غنيمتي، والفقر فخري، والزهد حرفتي، والصدق شفيعي).. صدق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.