عبدالسلام النابلسي.. أول من كتب النقد الفني بجريدة (الأهرام)، وساهم في تأسيس (آخر ساعة) 1/3
* أرسله والده للدراسة في الأزهر ليصبح قاضيا شرعيا فعمل في اللطائف المصورة
بدأ حياته ناقدا فنيا وانتهى زجالا
* عمله فى الصحافة الفنية والنقد هو الذي قدمه للوسط الفني في مصر
* كتب عن زملائه الفنانيين في مجلة الشبكة اللبنانية
كتب : أحمد السماحي
ولد الفنان (عبدالسلام النابلسي) لأسرة أرستقراطية متدينة بشمال لبنان، وكان جده ومن ثم والده قاضيا أول لمدينة نابلس، ولضمان استمرار ذلك الإرث العائلي، أرسله والده إلى مدينة القاهرة حتى يتسنى له الدراسة في الأزهر الشريف، وبالفعل درس (النابلسي) في الأزهر لمدة ثلاث سنوات، لكن سرعان ما تمرد على هذه الدراسة، وبدلا من أن يغدو فقيها شرعيا، لكنه صار صحافيا فنيا، حيث بدأ يمارس الصحافة الفنية والأدبية، وعمل في أكثر من مجلة كان منها (اللطائف المصورة، والصباح) وكتب مقالاته الأولى بعنوان (ممثل) دون أن يعرف احد من الذي يكتبها، الى أن أسس أول صفحة متخصصة فى عالم الفن (بجريدة الاهرام)، وعمل بمنصب رئيس القسم الفنى.
وفى نفس الفترة كون مع زملائه (أحمد بدرخان وأحمد جلال) أول حركة نقدية فى مصر فضلا عن مجموعة أخرى من الصحافيين، وشارك فى إصدار مجلة (آخر ساعة) مع الكاتب (محمد التابعى)، ثم سكريتر التحرير بجريدة ( صر الجديدة)، وكانت الصحافة الفنية طريقه إلى عالم السينما حيث اكتشفته موطنته اللبنانية السيدة (آسيا) التى عمل معها فى العديد من المهن الفنية المختلفة ثم احترف التمثيل من خلال أدوار الشاب الأرستقراطي اللاهي او العابث الذي يعيش بدون عمل.
وفى الأفلام التى شارك فيها نجم الكوميديا (عبدالسلام النابلسي) كان مصدرا للبهجة، فهو صديق البطل الوفي الذي يقدم له النصائح التي غالبا ما تسبب مواقف كوميديا، أوينقذه من المطبات التى يقع فيها بذكائه وخفة ظله، ورغم نجاحه الكبير في أداء الدور الثاني، لكنه فشل فشلا ذريعا عندما عهد إليه بعض المنتجين ببطولة أفلامهم، مما جعلهم يبعدون عنه بعد بطولات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة.
أسس (النابلسي) مدرسة كوميدية خاصة به، تعتمد على وهم الآخرين بما ليس لديه، الذي يتحدث عن قصوره المتناثرة فى أنحاء العالم، وهو يسكن في غرفة على السطوح، أو يتحدث عن أحدث ماركات السيارات وهو يسير على قدميه.
ورغم الظلم الذي تعرض له فى مشواره الفني إلا أن الزمن أنصفه، وأصبحت كثير من (أفيهاته) الكوميدية تتوراثها الأجيال الجديدة، وبين الحين والآخر نجد من يعيد نشر لقطات من أفلامه أو نجد”الإفيهات” التي اشتهر بها منشوره على مواقع التواصل الإجتماعي.
اليوم لن نتحدث عن موهبته فى الأداء الكوميدي من خلال عشرات الأفلام التى أمتعنا بها، ولكننا سنتحدث عن الوجه الآخر لهذا الفنان وهو الكتابة الصحافية وكتابة الزجل حيث استقر بعد ابتعاده عن مصر ورجوعه إلى لبنان بمجلة (الشبكة) اللبنانية، وما بين أغسطس 1966 و سبتمبر 1967 نشر الفنان (عبد السلام النابلسي) سلسلة مقالات في مجلة (الشبكة) تحت عنوان (نجوم على الأرض) تناول في كل حلقة منها واحداً من زملائه الفنانين والفنانات سنتوقف هنا عند بعضها.
في 5 سبتمبر عام 1966 كتب هذه الكلمات عند العندليب الأسمر:
سبحان من وهب.. حنجرة من ذهب
صوت تصدح الموسيقى في نبراته
وتترنح الألحان في نغماته
وتذوب العذوبة في طياته
الطرب والتطريب صفوة صفاته
والحنين الولوع سمة سماته
والأنين من أناته
والآه من آهاته
هكذا هو.. طول حياته
صوت دخل على الأصوات عنوة
واحتل مكانه غنوة غنوة
وظن الناس إنه نزوة
وقالوا دخان أو هو نشوة
وفاتهم إنه تجديد لا ترديد
وأصالة معدن فلا تشبيه ولا تقليد
بل إحساس وشعور
وتشنيف آذان وتغريد طيور
بل قل إنه مثل باقة من زهور
يختار من ألوانها ألحانا.. ويشدوها حباً
وغراماً وأشجاناً
إنه دمعة.. بل هو شمعة
تراه دق ورق حتى لتحسبه
خيال.. خيال أو ظل إظلال
يكاد من شفافيته لا يبين
وتسمعه روحاً وتراه حيناً بعد حين
لا يعرف الاعتدال إلا في قامته
دائم الحرب بين نفسه وعافيته
يهمل الطب والطبيب ويحفل بالحب والحبيب
يجمح أحياناً جموحاً ويأبى إلا طموحاً!
هو كالزئبق وهل يمسك الزئبق باليدين؟!
إذا وعد فأين منه وعد عرقوب
فأصبر، ألم يصبر من قبلك أيوب
لكن صداقته صداقة صدق
ووفاءه وفاء رق
وحفاظه للود معروف
كأنه من بني معروف.
…………………………………………………………………………………………..
وقد رسم بكلماته بورتريها رائعا للدنجوان رشدي أباظة جاء فيه:
سأروي الرواية وأحكي الحكاية
دون مبالغة ولا تهويل إلا القليل
تقابلنا يوما، وكنت أنا في سيارة وهو في سيارة
فسارع وقرأ السلام وقدم الاحترام
فسلمت عليه بالإشارة مثل أمير إمارة
فاغتاظ وهاج، وخدعني بلباقة، وسبقني بحذاقة
وغطاني بالتراب و(الهباب) فثارت ثائرتي
كيف تسبق سيارته سيارتي، ثم هذا التراب كأنه السحاب
فقد جعل شكلي كبائع الدقيق لا يرى الطريق
ونزلت وكان نزولي كنزول الصاعقة الماحقة
فارتعد المسكين من الخوف، واصطكت أسنانه من الهول
فهجمت عليه هجوم الأسد، أو مثل (عاشور قلب الأسد)
وخلال دقيقة أو دقيقتين أوثقت منه اليدين والقدمين
وكممت فمه وتركته لا أدري سنة أو سنتين
ومازال يستغيث حتى الآن ويذرف العبرات
وهيهات قلبي أن يلين هيهات
فى مقدمة النجوم أشراقا وشهرة
ومن أظرفهم فى جلسة أو سهرة
يحترم مواعيده، ويحب فنه، وبيته وأصدقاءه
أول انتاج له كنت بطله ويقول أنه أجزى عمل عمله
ومن يدري قد نلتقي ثانية أو لا نلتقي
ولكن الصديق هو الصديق والذكرى هى الذكرى
…………………………………………………………………………………………..
تحية كاريوكا
انتشلت الفن من الشارع
كما تنتشل اليد الكريمة لقيط الصدفة
وأدخلته إلى القصور فناً
وجمالاً تقر به العيون !
بل واسبغت عليه من المفاتن
والتجديد ما جعله ملازما
لها ومنسوبا إلى سمات الشرق
ذخيرتها تفيض طاقات
وطاقات من التعبير والتمييز
السينما أغرتها فأصغت إلى إغرائها
والمسرح غازلها فبادلته الغزل
ولها في السينما والمسرح
صولات وجولات ولمعان وبريق
صعدوا بها إلى عالم النجوم
اثبتت أن الفن الأصيل وحدة متماسكة
وإن اختلفت ألوانه وتعددت مسالكه
إنها رمز الرقص بل وهدف كل راقصة
بل هى نبراس للفنانة التى تأكل فنا
وتشرب فنا وتعيش فنانا لتبقى فنانة
أدخلت إلى عالم الكرم، ضرباً من السخاء
هو عندها لباب المتعة !
وعندما لا تملك ما تعطيه تحس
بنشوى السكرى وهي تبيع حلياً
أو خاتماً لكي تعطي !
سيدة حب وسيدة زواج وطلاق وانعتاق
عندما تصاب بحمى الحب
تفقد ذاكرتها وتنسى حريتها
وعندما تعود إليها الذاكرة
تتذكر حريتها وتنسى الحب!
تعيش في دوامة من قلق الفنان
تحب كل شيء وتمل كل شيء
أحيانأً تحب حتى عدوها
وأحياناً تكره حتى نفسها
لا تملك من الدنيا غير شهرتها ومحبة الناس
تدفق عليها المال كما يتدفق الشلال
وشح عنها كما يشح الغيث
ورأت من التكريم والاعزاز ما ندر لهما المثيل
ورأت من الجفوة والمتناقضات ما يقصر عنهما الوصف
وظلت كما هي، لم تتغير فيها عادة
ولم تتبدل فيها أصالة معدن
ولا صلة صداقة ولا تضحية في سبيل صديق.
…………………………………………………………………………………………..
وكتب كلمات مؤلمة مليئة بالحزن فى وداع صديقه الموسيقار المبدع محمد فوزي قال فيها :
هوى النجم وانطفأ السراج
واستكانت الروح واستجارت روحه بالله
أجارها الله وطهرها بآلامها
واعتقها من قفص الجسد
وأعادها اليه روحا زكية كأرواح الشهداء
الله الله الذي خلق ودبر وقدر وحكم
فمن يعلم علمه؟ ومن ينقض حكمه؟
الله الذى يعطي والله الذي يأخذ
ولا يسأل كيف أعطى؟ ولا يسأل لماذ أخذ؟
واحسرتاه يا صديقي! الناس يموتون مرة
أما أنت فقد مت ألف مرة
كنت فى أبهى شبابك، وفى نور نهارك
وفى اسعد أيامك
وإذا بالشباب يذوي، وإذا بالنهار يظلم
وإذا بالأيام تخون وتحطم وتدمر
يا ويلها من أيام يا ويلها
نخرت منك العظم وأوهنته
بل فتته وطحنته بل اذابته
كما أذبت حياتك في الفن
غناء ولحنا وعملا وأملا
أما وقد قضى الله فيك القضاء
وأمات فيك الحياة، فلا تأسف على دنيا تغر
وأبشر بآخرة تسر
فإن الذي عانيته لا يعانيه غير الأولياء الصالحين
وما أنت إلا قريب من هؤلاء أو تكاد تكون
أو أنت من المؤمنيين المقربين يا صديقي
والله لم تبرحني يوما، ولم تبرح ناظري
والله إنى بكيتك كما تبكي النساء
والله إني صليت عليك في محراب قلبي
صلاة الغائب الحاضر فى خاطري
والله إني حزنت عليك حزنا
أذبل عودي وهد كياني وجعلني فى مأساة
عزاء يا أخوته، وزوجه وأهله
عزاء يا مصر، عزاء يا أصدقاء
وإلى اللقاء