بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
أصبحت كورة القدم وأحداثها والشغف بها تستدعي مني أن أتذكر وأفكر فيما حدث وكيف ولماذا أصبحت فعلاً قمة الإثاره وأهم لعبة جماعية في العصر الحديث لها أكاديميات وفنون ودراسة وشركات واستثمارات بمليارات وتساعد على زيادة الدخل القومي أحيانا، وهنا سوف استعرض بعض ملاحظاتي علي تلك اللعبة فإعمال العقل مطلبي وخاصة بعد إن سيطر الشعر الأبيض علي رأسى – اعتراف – لم تكن لي طوال حياتي أي علاقه بكرة القدم وللحق أصبحت أتابع الآن وبشغف وقد اعتذر عن بعض الارتباطات لو هناك مباراة لصلاح أو الفريق القومي المصري.
منذ الطفوله لم ألعب كرة القدم ولم تشغلني ولم يكن والدي يوافق أن ألعب كورة القدم مع الأصدقاء خوفا على مستقبلي وإهمالي للدراسة، فقد كنت وسط أسرة معظم اهتماماتها بالعلم والفن والسينما والمسرح والقراءة وأكيد الموسيقي فالأخ الأكبر (محمد نوح) مشغول بالموسيقي والتمثيل وأخي الاخر شاكر مهتم بالفيزياء و بالمسرح والموسيقي وأنا بالمثل وإخوتي البنات بين الدراسة وشغل الكنافاه والرسم، وبعد وفاة الوالد في الستينيات انتهت أي علاقه لنا بالكرة فهو الوحيد من كان يتابع في الراديو وبعده التليفزيون الضيف الجديد وانشغلت أنا أتابع المسلسلات مثل (هارب من الأيام، والساقية، والرحيل)، وانتظر وجود فيلم جديد تأتي به بعض دور العرض فبكل الحيل أذهب وأحياناً أشاهد ثلاث أفلام في بروجرام واحد.
مرت السنوات وأول مرة أدخل (ستاد القاهرة) في حياتي كانت حين غني محمد نوح في ماتش مصر و تونس سنه 1977، وكنت أعزف في (فرقة النهار) واندهشت من حماس الجماهير، ومن ذلك اليوم حاولت فهم ما يحدث بعد أن سألت وعرفت أن الأهلي يرتدي تيشرت أحمر والزمالك يرتدي اللون الأبيض بالخطين الأحمر، ومرت الأيام وتابعت بعدها الفريق القومي وكل ماتش لمصر، أشاهد بكل حماس لعشقي لمصر وأحيانا كان في حال انتصر الفريق القومي يأخذني بعض الأصدقاء لنحتفل بالعربات في شوارع مصر الجديدة مع جموع من عشاق كرة القدم والانتصار.
ظل الوضع فقط أتابع الفريق القومي إلى أن ظهر كائن الصلاح والاجتهاد والانتماء (صلاح.. بسمة مصر وبسمتي) أصبحت أتابع كل مبارياته وزاد تعلقي بالكرة خصوصا بعد انضمامه مع فريق (ليفربول) العريق وعرف قدره المدرب (يورجن كلوب) وجماهير بريطانيا وأصبحت عاشق لصلاح وللكره كما يلعبها المحترفون، وفكرت لماذا كرة القدم بتلك الجماهيريه وتصل الي درجه تقترب من العشق والجنون والحماس والرهانات والتبرعات، وكل ما يحدث فالبعض كل آماله أن يحصل على توقيع لاعبه المفضل أو صوره، ويحدث ذلك مع نجوم كل المجالات وإنما ما يحدث مع لاعبين كرة القدم فهو مختلف ويقترب من الخيال وأتابع وأعرف ما حققه مارادونا وميسي والأرقام الماليه التي يحصلون عليها واجدها عن استحقاق، فالنجاح والتفرد لا يأتي إلا بالمجهود والإخلاص والمثابرة.
وأفكر وأنظر حولي مسترجعاً مشوار بيليه وأشاهد أفلام تسجيليه عنه ثم (ماردونا وليوناردو وميسي) وصولا لـ (الخطيب وحسام وإبراهيم حسن وفارق جعفر وحسن شحاتة)، وحكايات عن نجوم نقلتهم الكره إلى الصفحات الأولي في الجرائد في العالم وفي مصر وتتابع أخبارهم ملايين من الناس.. ما هذا الشغف؟، أعتقد وقد أكون علي صواب أنها فلسفة الانتصار الشخصي علي المعاناة من خلال الانتصار على الفقر لللاعب مثل ما حدث لبيليه فمن فقير يساعد أسرته فيمسح الأحذيه وينجح ويتحول إلى أسطورة ويقابل الروساء وكبار الشخصيات في العالم، وأصبح مثال للنجاح وبيفتخر وحين يقدم نفسه في فيلم تسجيلي يضع صندوق التلميع أمامه ويطبل عليه متباهياً فخورا.. نعم إنه النجاح وقدرة الإنسان أن يفتخر بذاته وليس بميراثه من أموال.
إنه انتصار الإنسان بشخصه ومجهوده ووعيه وتوازنه وإخلاصة وعطائه وقد تصبح قصص تلك النجاحات ملهمه لفكرة انتصار العمل والمثابره والتمرين.. الانتصار حاله ملهمة عملت عليها السينما في كل العالم فأفلام الوسترن الأمريكي وحين ينتصر المظلوم والضعيف إنما هو تكريس لمعني عدم اليأس والاجتهاد بكل الطرق.. ابذل مجهود واتمرن وصابر تنتصر وتنجح، ومن هنا كان نجاح (صلاح) الفتى ابن (نجريج) الأصيل المنتمي المصري المخلص لناسه وبلده.
ومن تلك الأمثله يأتي تعاطف البعض وإعجابه وانبهاره بتلك النوعيه من البشر المثابر المجتهد والذي يكون ملهم للعقل الجمعي، ولي ولكل شاب يفكر في كيفية النجاح: النجاح يا سيدي نتاج لمجهود ووعي وعمل وأن تنظر لما تقدمه أولاً لنفسك وليس ما يقدمه الآخر إليك، في كره القدم تأكيد لكل ماسبق فالفريق قد يهزم في أول المباراة ولكن بالمثابره والتعاون والاجتهاد وعدم اليأس يسجل ويفوز ويفرح الملايين ليسعد اللاعب ويحمل على الاعناق وتسعد الجماهير فقد انتصر الاجتهاد والعمل والنتيجة لصالح فكره (لا آمال بدون الآلام) no gains without pains .
وأيقنت أن كرة القدم والشغف العالمي بها فلأنها عالمية اللغه تشبه الحياة بكل مفرداتها وتأكيد لما أكدته السنين والمعارف، فالنجاح يأتيك حين تسعي وتجتهد، العمل الجماعي أضمن طرق الوصول للهدف والتسجيل، أنت رغم أن كل شيئ تحت سيطرة القادر الكريم رب العرش العظيم والحظ يلعب دورا فقد تصاب قدمك وتتعظ وتحاول التسجيل ولا تدخل الكرة الشباك وقد تكون الجيد والممتاز، ولكن النتيجه لغيرك فالفريق غير متجانس النجاح لا يسآلك من أنت ومن كنت؟، ولكن كيف أنت وكيف تستمر، وماذا لديك لتقدمة؟.. قد تستطيع أن تؤجل الاعتزال ولكنه قادم لا محالة إنها مواصفات صراع الحياة من نجاح وهزيمة وتألق وقدر وبدايات ونهايات.. تلك هى كرة القدم.
أعترف أن كرة القدم أصبحت مصدر للسعاده وتأكيد قيم الانتصار ولكم أن تسترجعوا جنون الجماهير وصراخ المعلقين وأحدهم يقول فيه: جون جوووووووووووووووون، ويصرخ وآخر الجنرال (مدحت شلبي): روعة روعة روعة نهار أبيض.. ينهار أبيض.. حلوة حلوة، والعفيف الشريف المخيف يا لطيف، وأيضاً رؤف خليف حين يقول: شنو هذا يا صلاح انت أعظم من خوفو ومنقرع.. شنو هذا يا مصريون.
وها أنا أقول انتبهو يا مصريون العالم يتغير فقد كان الأهل في السابق يمنعون الأبناء من لعب الكرة، ولكن الآن يحاولون وبكل الطرق تشجيعهم وإلحاقهم بالأكاديميات، فقد أيقنا أن النجاح يأتي من كفاحك وإخلاصك وقدرتك على التفرد والتميز والإبداع.. يا ابني الشاب: اجتهد فأنت داخل ملعب الحياة ومرحله تسجيل الأهداف في الحياة فتحقق ما تتمناه وتعيش السعاده وسيأتي وقت تقف خارج البساط الأخضر وتجلس لتشاهد فقط ولا تسجل.. إنه وقت الاعتزال القادم لا محالة.. عليك أن تتمسك بالإنسانية وتذكر ماذا فعل (مو صلاح) مع (مؤمن زكريا) في حجرة الملابس مع لاعبين ونجوم (ليفربول)؟، وماذا يفعل (كائن الصلاح) مع الأطفال في إنجلترا؟، وكيف خدم الإسلام وفكرة الانساني؟.
كن إنسان يا ابني: صلاح أيقن أن لغة كرة القدم عابرة للقارات والأديان والجنسيات والأيدلوچيات والحدود إنها لعبة الحياة في شكل مصغر، وأدعوكم إلى القراءة فهي طريق المعرفة والمعرفة طريق الخلق والإبداع.. العالم حولنا متغير ولانعرف القادم فالأحداث حولنا تؤكد أن قوتك سر انتصارك ومصر تنطلق وبمحبيها ستقف في مصاف الدول العظمي مصر تستحق.