بقلم الناقد والمؤرخ الكبير الدكتور: عمرو دوارة
يحتفل العالم كل عام باليوم العامي للمسرح في يوم 27 مارس، حيث تقام مجموعة من الأنشطة والاحتفاليات الخاصة بهذه المناسبة، كما جرى العرف خلاله أن يتم اختيار شخصية إبداعية ومسرحية لكتابة كلمة خاصة بهذه المناسبة تلقى في اليوم ذاته، ويتم تعميمها على جميع المؤسسات المسرحية في العالم، وجدير بالذكر أن مبادرة الاحتفال وتحديد هذا اليوم قد تمت من قبل (المعهد الدولي للمسرح) عام 1961، حيث بدأت الفكرة أثناء انعقاد المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح بمدينة (فينا)، وذلك باقتراح من رئيس المعهد آنذاك بتكليف (المركز الفنلندي) – التابع للمعهد – في اختيار وتحديد يوم سنوي للاحتفال في العام الذي تلاه، فتم تحديد يوم 27 مارس موعدا للاحتفال.
هو تاريخ افتتاح مسرح الأمم بباريس عام 1962 (وذلك بعد تجديده وهو المسرح الذي كان يطلق عليه قبل ذلك (مسرح سارة برنار)، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى ذلك النشاط المتميز الذي كان يقوم به المركز المصري للمعهد الدولي للمسرح (I.T.I) بصفة عامة وأثناء الاحتفال بهذا اليوم بصفة خاصة، والذي كان يتضمن نشر بعض الدراسات النقدية عن المسرح المصري العربي بأقلام كبار النقاد بالإضافة إلى نشر بعض المترجمات، وذلك أثناء تولي بعض كبار المسرحيين لمسئولة رئاسته (وهم بالترتيب الزمني الأساتذة: (توفيق الحكيم، نبيل الألفي، أحمد زكي).
والحقيقة أنني حرصت طوال مسيرتي المسرحية التي بلغت نصف قرن على المشاركة في الاحتفال بهذا اليوم، وأيضا على تنظيم احتفال خاص من خلال (الجمعية المصرية لهواة المسرح) منذ عام 1982 مع اختيار رمز مصري كبير لإلقاء كلمة المسرح العربي – بجانب كلمة المسرح العالمي – وبالفعل شارك خلال السنوات المتتالية بعض الرموز المسرحية في كتابتها وإلقائها وفي مقدمتهم الأساتذة: (حمدي غيث، سميحة أيوب، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، د.محمد عناني، يسري الجندي، نور الشريف، محمود ياسين)، ولكنني للأسف الشديد أجدني مضطرا هذا العام إلى إعلان الحداد ورفضي للمشاركة في الاحتفال بعيدنا المسرحي السنوي المهم (اليوم العالمي للمسرح) لثلاث أسباب أساسية، أرى ضرورة مواجهة وعلاج كل منهم بحسم وبأسرع ما يمكن.
السبب الأول: يرتبط بأحوال المسرح في مصر الذي مازال يعاني – برغم بعض الاجتهادات الجادة والمحاولات الأخيرة – من كثير من المشاكل والمعوقات ومن أهمها: غياب النجوم، ونقص الدعم، وضعف الاعتمادات المالية، وعدم قيامه بدوره المنشود بالمشاركة الفعالة في معارك التنمية!!، والسؤال الذي يطرح نفسه في البداية هو: هل يمكننا بالفعل الاحتفال كمسرحيين باليوم العالمي للمسرح وهناك غياب شبه كامل لجميع فرق القطاع الخاص – فيما عدا عروض الفنان (محمد صبحي) – وكذلك في وجود تلك الظاهرة المؤسفة بفرق مسارح الدولة والتي أصبحت تقدم عروضها ثلاثة أيام فقط أسبوعيا!
بالإضافة إلى تقلص عدد فرق الأقاليم (الهيئة العامة لقصور الثقافة)، لدرجة أن مسرحنا المصري أصبح يعتمد فقط على تلك التجارب المشرقة والمشرفة لفرق الهواة التي تعتمد على جهود الفردية، تلك العروض التي تفوز غالبا كل عام بالجوائز الكبرى بالمهرجان القومي للمسرح المصري!، ورغم ذلك لا يوجد أي اهتمام حقيقي بفرق الهواة بمختلف تجمعاتهم (المسرح المدرسي، الجامعي، العمالي، مراكز الشباب، الفرق الحرة والمستقلة والمشهرة).
السبب الثاني: يتعلق بأحوال (المسرح العربي) الذي أصبح غارقا في الاحتفاليات والمهرجانات التي تتوازى وتتداخل في مواعيد تنظيمها كنتيجة طبيعية لكثرة أعدادها، لنكتشف في النهاية أننا ندور في دائرة مفرغة تتكرر فيها موضوعات الندوات وتتشابه فيها العروض وخاصة باهتمامها بالشكل دون المضمون، كما تتكرر فيها كل عام أسماء المشاركين والمدعويين من الكائنات المهرجاناتية!! وذلك بخلاف تلك المحاولات المتعمدة لتشويه صورة المسرح المصري سواء بتزييف تاريخه بهدف نفي ريادته وتقليص دوره المؤثر والفعال، أو بالتركيز على الوجه المظلم وغير المشرق به بتقديم أسوأ النماذج لعروض الفرق التجارية المتواضعة فنيا مع الحرص على اجتذاب بعض نجوم الكوميديا للمشاركة في عروض الترفيه والتسلية!
السبب الثالث: أن هذا (المعهد الدولي للمسرح (I.T.I) الذي أسسته منظمة اليونسكو (UNESCO) بالتعاون مع بعض الشخصيات المسرحية العامة عام 1948 وأصبح يضم ما يقرب من مائة فرع موزعة في كافة أنحاء العالم – وهو من أهم المؤسسات الفنية الدولية غير الحكومية التي تهتم بالتعاون والتبادل الثقافي والفني الدولي – لم ينجح خلال مسيرته الطويلة في تغيير الوضع المسرحي القائم منذ سنوات طويلة، كما لم ينجح في تحقيق أي منجز حقيقي للمسرح العربي على أرض الواقع.
وذلك بالرغم من أن لائحته الأساسية تضمنت أهداف تأسيسه ومن بينها: تنشيط التبادل الثقافي العالمي في مجال الفنون والتشجيع على الارتقاء بالإبداع مع زيادة التعاون بين العاملين في مجال الفن المسرحي. ولكن المعهد الدولي نفسه أصبح حاليا يعاني من الأزمات المادية ونقص الدعم، وللأسف قد تقلص نشاطه السنوي كثيرا حتى أنه قد انحصر تقريبا في الاحتفال فقط باليوم العالمي للمسرح في 27 مارس من كل عام!
جدير بالذكر أن الكاتب الفرنسي (جان كوكتو) كان أول شخصية تم اختيارها عام 1962 لكتابة الكلمة في احتفال الأول (بباريس)، ثم توالى على كتابتها عدد كبير من الشخصيات المسرحية من مختلف دول العالم، من بينها على سبيل المثال: (أرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيجارت، يوجين يونسكو، أدوارد ألبي، جان لوي بارو، الكاتب التشيكي فاتسلاف هافل، الفنانة الفرنسية أريان منوشكين (2005)، المخرج البرازيلي أوجست بوال (2009)، الممثل والمخرج الإيطالي داريو فو (2013).
كما قام بكتابتها أيضا أربعة من الأدباء والمسرحيين العرب وهم الأساتذة: نجيب محفوظ (1988)، سعد الله ونوس (1996)، فتحية العسال (2004)، سلطان القاسمي (2007)، وذلك بالإضافة إلى تكليف الكاتبة اللبنانية مايا زبيب لكتابة الكلمة ليتم توجيهها للمسرح العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وذلك عندما تم تقسيم العالم (عام 2018) – كتجربة جديدة – إلى عدة مناطق لتكتب عدة كلمات بلغات مختلفة، وبالطبع فإن تكليف أكثر من مسرحي من مختلف مناطق العالم إذا كان يعد إضافة إيجابية لتقديم مزيد من الأفكار والإقتراحات والآمال إلا أنه بالطبع لا يحقق هدف التجمع حول كلمة واحدة، كما قد يتسبب في وجود تباين في مستوى الأفكار والصياغة بين منطقة وأخرى طبقا لقيمة وتجربة المسرحي الذي تم اختياره، وأقترح في هذا الصدد أن تكون هناك كلمة مركزية للجميع مع وجود كلمة أخرى إضافية لكل منطقة.
أخيرا أتمنى أن يكون العام الحالي أفضل من العام السابق، وأن يتم التغلب على كثير من المعوقات الإدارية مع تحقيق بعض الإنجازات الحقيقية للمسرحيين في كل بلاد العالم، خاصة بعدما أعلن عن اختيار سيدة المسرح العربي (سميحة أيوب) بإلقاء كلمة هذا العام، وهو في الحقيقة اختيار جيد جدا وإن تأخر كثيرا، ويكفي أن أذكر أن هذه الفنانة المثقفة والمبدعة المتميزة قد شاركت في عروض خمسة مخرجين أجانب بعروض: (دائرة الطباشير القوقازية للمخرج الألماني كورت فيت، الخال فانيا للمخرج الروسي لسلي بلاتون، فيدرا للمخرج الفرنسي جان بيير لاروي، عرض أنطونيو وكليوباترا للمخرج الإنجليزي برنارد جوس)، وقدمت بعضها على أكبر مسارح أوروبا والدول العربية، كما تم تكريمها بكثير من المهرجانات المسرحية العربية والعالمية، بالإضافة إلى حصدها للعديد من الأوسمة وجوائز الدولة ومن بينها: (وسام الجمهورية من الزعيم عبد الناصر عام 1966، وسام باي من تونس عام 1954، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس السوري حافظ الأسد عام 1972، وسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان عام 1977، وسام اللجنة المصرية للتضامن الأفريقى الآسيوى عام 1984، جائزة الدولة التقديرية عام 2006، جائزة العلوم والفنون من الرئيس عدلي منصور عام 2013، جائزة النيل عام 2015).
وأخير يظل حب الجمهور وتقديره لها ولأعمالها حتى الآن هو أكبر وأهم الأوسمة التي منحت لهذه الفنانة الحقيقية الأصيلة.