كتب: محمد حبوشة
كلمة السر هى باسل خياط، أداؤه وطبيعة دوره، والأهم من كل ذلك ما يتمتع به من (كاريزما) تبدو لي هى السبب وراء انجذاب الجمهور تجاه العمل التلفزيوني المبهر على مستوى القصة والأداء والإخراج (الثمن)، والذي تصدر في الأيام الأخيرة محركات البحث و(الترند) على منصات التواصل الاجتماعي، بينما أصبح الأعلى مشاهدة على منصة (شاهد)، فعلى الرغم من اقتناع كثيرين بأن شخصية البطل سامة ونرجسية أو (توكسيك) – بحسب الوصف الذي صار دارجا على منصات التواصل – فإنهم لم يخفوا إعجابهم به، بل ثمة من شعر بالغبطة تجاه البطلة (رزان جمال) أيضا جراء أدائها الناعم والسلس.
سام أم معقد؟.. هذا هو التساؤل الذي اختلفت المتابعات حول إجابته، فبينما وصفته بعضهن بالشخصية المؤذية التي لا تتوانى عن كسر خاطر المحيطين بها، وجدت أخريات أن خيانة والده لوالدته والأفكار المسمومة التي زرعتها أمه في عقله ووجدانه جراء ذلك هى المحرك الرئيس لشخصيته والسبب الكامن وراء كل ذلك الغضب والقسوة في تصرفاته مع من حوله من النساء، وأيا كانت الدوافع الدرامية، فقد نجح (باسل خياط) في لفت الأنظار إليه، وأثبت مجددا أنه أفضل من يلعب الأدوار المركبة بمنتهى السلاسة والتلقائية، وبالمقابل نجحت (رزان جمال) في مجاراته بأداء ناعم وسلس.
تدور أحداث المسلسل حول أرملة تسعى إلى العمل في شركة لا توظف المتزوجات، فتضطر إلى الكذب بخصوص حالتها الاجتماعية، وذلك يجعلها تجد صعوبة شديدة في التوفيق بين حياتها العملية والشخصية، قبل أن تفاجأ بأن طفلها المصاب بسرطان الدم بأمس الحاجة لإجراء عملية جراحية عاجلة في سبيل إنقاذ حياته، وحين تعجز عن جمع المبلغ اللازم لذلك، تحاول الاستنجاد بأهل زوجها الراحل لمساعدتها ماديا في علاج الطفل، فيرفضون، هنا لا تجد بدا من طلب قرض ضخم من المؤسسة التي تعمل فيها، ولأن رئيسها لديه فلسفته الخاصة ورأيه المتجني على النساء، يشترط عليها أن تكون النقود مقابل قضاء ليلة واحدة معه، ظنا منه أنها مجرد امرأة أخرى سيئة السمعة.
لكن الأحداث تنقلب رأسا على عقب حين يكتشف الحقيقة بعد أن يكون قد وقع في حبها بالفعل، ويبدو هنا تفوقا ملحوظا لـ (الثمن) فنيا ودراميا، فقد صُنّف الأكثر جاذبية للجمهور، سواء بسبب التغييرات التي أجراها صانعو العمل في بعض تفاصيل الحبكة الرئيسة من دون اللجوء إلى ما عهدناه سابقا من (قص ولصق)، أو لما تمتع به باسل خياط من (كاريزما) خاصة أضفت سحرا رومانسيا على العمل، وينتمي (الثمن) موضوعا وقالبا وتفصيلا إلى ما يعرف بتلك المسلسلات الممتدة الحلقات التي تكون فيها النساء محور الأحداث.
وظني أنه تتوفر في (الثمن) معظم مقومات نجاح المسلسلات الطويلة أو الممتدة مغلفة في إطار ملون يخطف العين: نساء ينعمن بالجمال والأناقة، ورجال يتمتعون بالوسامة والثراء (على أحدث موديل)، وقصص حب مليئة بالعواطف والعواصف، وسرد متشعب الخطوط يدور بلا نهاية بين الحاضر والماضي والمستقبل حول حدث درامي صغير ولكنه قوي مثل الأسطوانة التي تلتف حولها الخطوط في انتظام محكم، ومتابعة الجمهور، واعتماد على المصادفات القدرية، والتحولات الشديدة في الشخصيات عبر أحداث تتسم بلإثارة والتشويق.
ومن خلال المتابعة للحلقات التي أذيعت حتى الآن والتي لم تصل بعد إلى نصف عدد الحلقات، إلا أنني يمكنني القول براحة تامة: الفنان باسل خياط، أصبح رقما صعبا في معادلة الدراما العربية، بل هو الممثل المفضل لكثير من صناع الدراما العربية في الفترة الأخيرة، خاصة في الأدوار المركبة والسيكودراما، وعادة ما يختلف المشاهدون حول طبيعة أداءه الذي يتسم بالمبالغة، لكن أهم ما يميزه، كما يظهر في مسلسل (الثمن) هو قدرته على إثارة النفور والانجذاب، الخوف والتعاطف في آن واحد، وتلك قدرة خاصة لايملكها أي ممثل غيره الآن، ويبدو من خلال الحلقات التي عرضت حتى الآن من العمل يؤكد خياط هذه القدرة، ويتنقل بين وجه الرجل القاسي والعاشق المسكين بمنتهى السلاسة بلغة جسد فائقة الجودة.
أما (رزان جمال) والتي شاركت في بطولة الكثير من المسلسلات والأفلام من قبل، فإنها هنا تختلف هنا شكلا وأداء، فعلى العكس من أدوارها السابقة فإنها تملك حضورا طاغيا، يشيع إحساسا في أي مشهد تظهر فيه، تماما كما كان حال (برجزار كوريل) في شخصية (شهرزاد) في المسلسل التركي (ويبقى الحب) المقتبس منه (الثمن)، فشخصيتها هنا هى محور الدراما التي تلتف حولها بقية الشخصيات (رغم أن المسلسل يبدأ بصوت باسل خياط كراوٍ للأحداث)، وهناك جهدا مبذولا من قبل مخرج العمل (فكرت قاضي)، وفريق التصوير والملابس والماكياج، لتأكيد حضور رزان: دائما في أبهى حلة، وفي أفضل إضاءة وزاوية تصوير لتبدو مبهرة على مستوى الأداء.
وهى تبدو معظم الوقت كما لو كانت تمثالا إغريقيا أو لوحة لأميرة من عصر النهضة، جميلة ولكنها بعيدة، جذابة ولكن بملابسها العابرة للجندر، غالبا في بنطلون وجاكت، أو ملبس من لون واحد، وغالبا شعرها ملموم في جديلة واحدة على هيئة ذيل حصان، وبجانب (باسل ورزان)، هناك ثنائي جذاب من نوع آخر، أكثر بساطة وواقعية هما (نيقولا معوض) في دور (كرم) شريك وصديق (زين/ باسل خياط) الطيب والمرح، و(سارة أبي كنعان) في دور (تينا) صديقة (سارة/ رزان جمال) المقربة وزميلتها في العمل.
ويبدو التقارب بين مسلسلي (الثمن) و(ويبقى الحب) أن المسلسل التركي بالأساس كان توليفة شرقية غربية، على عادة الأعمال التركية، مستلهمة من أفلام الميلودراما المصرية والتركية، ورغم أن (ويبقى الحب) شوهد على نطاق واسع في العالم العربي 2006، إلا أن (الثمن)، وهو بالتأكيد أقل جرأة من النسخة التركية، فاجأ الكثير من المشاهدين في حلقاته الـ 3 الأولى، التي تصور الحدث الرئيسي بصدمة ربما زال أثرها مع تطور الأحداث فيما بعد، وربما يأتي نجاح المسلسل لأنه من إخراج التركي اللبناني فكرت قاضي، الذي تخصص على ما يبدو في نقل الأعمال التركية إلى العربية، كما فعل في (عروس بيروت، ع الحلوة والمرة) إن لم يكن اقتباسا مباشرا، فروحا وموضوعا وأسلوبا يؤكد براعته.
هناك بعض الاختلافات بالطبع بين النسختين التركية والعربية، حيث قامت الكاتبة (يم مشهدي) بتعريب وتعديل الشخصيات قليلا لتتناسب مع البيئة التي تعيش فيها، لكن بشكل عام، كان يمكن أن يدور المسلسل في تركيا، بممثلين وشخصيات تركية، ولن يلاحظ المشاهد الفرق، خاصة وأنه يخلو (على الأقل في الحلقات التي عرضت حتى الآن) من تفاصيل تخص لبنان أو أي بلد عربي آخر، فيبدو الديكور مشابها جدا لأجواء تصوير المسلسلات التركية.
هذا العالم الخيالي من خصائص (الميلودراما) التي توفر لمشاهديها، ومشاهداتها بالأساس، هروبا من الواقع اليومي، إلى عالم تتجسد فيه تخيلات مستمدة من الواقع، ولكن لا تشبهه، ولذلك يركز (الثمن) مثل معظم أعمال المطولات الدرامية على حياة الأثرياء، حيث يبدو المال وكأنه يسقط من السماء، ويستعرض فخامة ورفاهة حياتهم التي لا يفسدها شيء سوى الخيانات الزوجية ومشاكل الحب، (كما يظهر في العائلات الثلاث المحيطة بالبطلة، عائلة (زين) وصديقه (كرم) وهما أقرب لعائلة واحدة بحكم قرابة الأمهات وصداقة الابنين، وعائلة (إبراهيم حما سارة الذي رفض قديما زواج ابنه منها، وقاطعهما.
وعن بقية الشخصيات فهى تبدو لي مجرد كواكب تدور في فلك العائلتين الرئيسيتين، إما طيبون مخلصون يحبون سادتهم بلا تحفظ (مثل تينا صديقة البطلة أو مربية طفلها) أو حاقدون متآمرون (مثل زوجة ابن إبراهيم الثاني وأخوها المبتز)، وربما من السابق لأوانه أن نتحدث عن الشخصيات وتحولاتها والعمل لم يزل في منتصفه الأول، لكن على أية حال فإن انتقال الجد إبراهيم (رفيق علي أحمد) من كراهية (سارة) وغضبه من ابنه الراحل إلى شخص في غاية الطيبة فجأة، لم يكن مقنعا على نحو منطقي مقبول، كذلك تحول (زين) من القسوة والغلظة تجاه النساء إلى النقيض بعد علمه بمرض ابن (سارة) وسبب قبولها لعرضه (غير المهذب) كان يحتاج إلى مزيد من الوقت كي تتلاشى تلك الأحداث الملتبسة.
وفي النهاية لابد أن أذكر أن أفضل ما في (الثمن) هو قدرة المخرج وفريق عمله التمثيلي على صنع لحظات عاطفية مؤثرة، تدفع بالدموع إلى المآقي، وقيادته الجيدة بشكل عام لفريق الممثلين وتوظيفهم في أماكنهم الصحيحة، وبلاشك فإن الأغنية الرومانسية التي أدتها بإمتياز (إليسا) بإحساس عال حيث تم إرفاق الأغنية بمشاهد مؤثرة جدا في العمل الذي يحمل عواطف قوية، وجاء في مطلعها: (ما تندم ع شي/ كل شي بهالحياة/ تجربة اعتبرو/ ما تستصغر شي/ الله بأضعف خلقو حطلك سرو/ في خطايا بريئة/ ما بينحسبوا بشرع الحب بينغفروا)، لقد كان لهذه الأغنية وقع كبير في التعبير عن المشاعر الداخلية لفريق التمثيل، وربما يكون لها أثر أكبر في الصف الثاني من المسلسل الذي استطاع جذب المشاهدين في عالمنا العربي.