بقلم: محمد حبوشة
كثيرون منا يعتقدون أن الممثل البارع هو من يلعب دوره بشكل طبيعي ودون اصطناع واضح، لكن الحقيقة، وفقا لكثير من المخرجين والمشرفين الفنيين، أن أداء الدور بعيدا عن الاصطناع بل عن طريق التقمص أي أنه سيكون تقريبا من الشخصية التي سيمثلها أمام الجمهور، والتميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به، لأنك ببساطة عندما تقف أمام إنسان في الحياة وقع في مأزق نفسي أو اجتماعي أو لن تعرف ما ستكون ردود أفعاله في أغلب الأحيان، ورغم معرفتك الجيدة بذلك الشخص وأنك ستندهش لما سيبدر منه لأنه صار تحت ضغط الأزمة، ومن هنا فالممثل الناجح هو الذي يدهش الجمهور المتلقي بإيصال مشاعره وفعله الدرامي بكل جديد، يقدمه لأنه كاد أن يجعلهم يصدقون أنهم أمام أشكال حقيقية من الحياة.
تملك (ريهام عبد الغفور) مجموعة واسعة من المهارات التي تعتمد بشكل أساسي على قدرة الشخص على تطويرها وتطويعها لطبيعة الدور، مثل الخيال والتقمص العاطفي واستخدام لغة الجسد، بالإضافة إلى وضوح مخارج الحروف والقدرة على فهم الدراما، وهو ما يحتاجه الممثل أو الممثلة عبر الوقت والممارسة بالوقوف على المسرح أو أمام الكاميرا، حتى يصلوا إلى مرحلة الراحة بالوجود أمام مجموعة كبيرة من الناس، أما في حالة ضعف الثقة بالنفس عند الوقوف أمام الكاميرا أو الناس، فإن الممثل يندفع إلى حالة يمكن تسميتها (حماية النفس من الانكشاف العاطفي) أي يصاب بعقدة الخجل التي يصاب بها معظم الناس، وهذا ما يميز (ريهام) بعد أصبحت مخضرمة في التمثيل إذ يساعد تراكم الخبرة لديها بزيادة ثقتها بعملها، حتى إن أخطأت في بعض الأماكن أو تعرضت للمعوقات في أثناء العمل.
ومن خلال متابعتي لأداء الممثلة الموهوبة (ريهام عبد الغفور) أستطيع القول أنها من الممثلات الجيدات اللاتي تعملن على تدريب حنجرتها ولسانها على أداء أكبر عدد ممكن من هذه الأصوات، خصوصا أن الصوت أداة رئيسية في مهنة التمثيل، وبالتالي القدرة على التحكم بالصوت تعني القدرة على ضبط إيقاع كلمات النص بما يناسب اللحظة الدرامية، ورغم وجود بعض المعايير التي تحدد جودة الممثل أو الممثلة، يبقى الموضوع مسألة تفضيلات شخصية، فمن الطبيعي جدا أن لا تتوافق كل الآراء بخصوص الممثلين وحسن أدائهم، من جهة أخرى تؤثر الحياة الشخصية للممثلين والممثلات بشكل كبير جدا على تقييم الجمهور والنقاد لهم خصوصا ما بعد استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار المعلومات والأخبار، لكن ريهام عادة ما تبعد حياتها الشخصية عن عملها داخل أو خارج اللوكيشن.
تبدو ريهام طبيعية جدا بلا مكياج وملابس بسيطة تناسب الشخصية التي تلعبها، كما ظهرت في مسلسلات الأخيرة (ربع قيراط، وش وضهر، منعطف خطر، الغرفة 207، أزمة منتصف العمر، الأصلي)، لتجسد ببراعة وتلقائية عجيبة دور الممرضة البسيطة أو الراقصة في الأفراح، أو الأم المكلمومة على ابنتها القتيلة في ظروف غامضة، أو الزوجة المعذبة، هذا مثال بسيط على أهمية الملابس، فالممثل الموهوب كـ (ريهام) هو الذي يعرف كيفية اختيار ملابس الشخصية، والتشبه بها تماما، فهذا يساعده على تقمص نفسيتها، وطريقة تصرفها وتفكيرها، هذا بالإضافة لعدة عوامل أخرى بالطبع مثل المكياج وطريقة الكلام الدارجة، أو ما يسمى باللهجات المختلفة، ولكن تبقى الملابس من أهم المكونات الّتي تعبر عن الشخصية.
ظهرت الممثلة البارعة (ريهام عبد الغفور) مؤخرا في عدة أدوار استطاعت من خلالها الإلمام بمختلف العواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى تصبح تأديتها لأدوار وشخصيات مختلفة، ممكنة، على أنها يجب أن تكون أفضل من (الممكنة) لتكون قادرة على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم، دون أن ننسى التبدلات النفسية، ومن هنا يصبح ضروريا على الممثل المتقن لعمله أن يطور ذاكرة عاطفية تمكنه من استرجاع الموقف الذي أوجد عنده رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يود تصويره، إلا أن هذه طريقة تمثيل معقدة لاتقوم (ريهام) باستخدامها إلا بعد أن تطور فهما شاملا وعميقا لها، وتتعلم فهم الآخرين بفهم ذواتهم وقدراتهم العاطفية قدر المستطاع، إنها تتصور الآخرين باستعمال معلوماتهم عن أنفسهم وتطوير نوع من التحكم بالاستجابة بعواطفهم.
واحدة من الملكات التي تتمتع بها (ريهام عبد الغفور) هى قدرتها على ضبطها لنفسها، فعلى الممثل أن يكون باستطاعته وضع نفسه في مواقف خيالية، حاجبا عنه خلالها جميع المؤثرات الخارجية، مقنعا ذاته بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي، وهنا يأتي دور التركيز لديه، ومدى قدرته على استحضار كل ما هو ضروري لعوالم الشخصية وترحيل كل ما يعيق وجودها الحقيقي من حولها، وألحظ أن أول ما تقوم به (ريهام) عند تحضيرها لتقديم شخصية ما، هو تحليل الخصائص المختلفة للشخصية، مثل: المظهر، الوظيفة، المكانة الاجتماعية والاقتصادية، والسمات العامة؛ يأتي بعد ذلك فهم هدف الشخصية وتصرفاتها في العمل الدرامي بشكل عام، وفي كل مشهد واحد على انفراد، فعندما يصور العمل الدرامي زمنا معينا، فسيتحتم يتحتم عليه دراسة ذلك العصر من أكثر من ناحية، وفهم ثقافته الحياتية عموما.
ريهام عبد الغفور واحدة من أهم فنانات جيلها حاليا، فقد تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تقديم مجموعة من الأدوار التي أبرزت جانبا كبيرا من موهبتها العريضة، واستطاعت أن تثبت أنها فنانة قادرة على التلون والتشخيص المتنوع وأن تخرج من عباءة الفتاة ذات الملامح البريئة والناعمة، وحجزت ريهام مكانها باعتبارها واحدة من كبار النجوم على شاشة التلفزيون في مصر، وحققت نجاحا كبيرا، وعلى الرغم من بداياتها النمطية، شكلت البراءة التي تكسو ملامحمها إلى جانب كونها ابنة الفنان أشرف عبد الغفور، بوابة مرورها إلى الجمهور، وجاء الظهور الأول لها على الشاشة في دور صغير في مسلسل (العائلة والناس) في العام 2000، وفي العام ذاته قدمت شخصية ابنة الفنانة فردوس عبد الحميد في الجزء الثاني من (زيزينيا) للراحل أسامة أنور عكاشة، وتعاملت الممثلة الناشئة مع أدوارها بصبر وتحفز انتظارا للفرصة الحقيقية، فلم ترفض الأدوار النمطية في أعمال مثل (مسألة مبدأ، أميرة في عابدين، الحقيقة والسراب، العمة نور) للفنانة نبيلة عبيد، لكنها اقتنصت الفرصة حين واتتها.
في عام 2002 خاضت تجربة العمل السينمائي للمرة الأولى مع المخرج فخر الدين نجيدة في الفيلم الكوميدي (سحر العيون)، كما بدأت بالحصول على أدوار أكثر أهمية فشاركت بدور رئيسي في مسلسل (الرقص على سلالم متحركة) مع المخرج مصطفى الشال، مسلسل (فارس بلاجواد)، ومسلسل (أميرة في عابدين)، وفي العام التالي تقاسمت البطولة مع (نبيلة عبيد وعزت أبو عوف وعبدالله مشرف) في المسلسل العائلي (العمة نور)، وظهرت بشخصية (نيفين) في فيلم (شمس يوم جديد)، ومسلسلي (الحقيقة والسراب، ومسألة مبدأ)، وعام 2004 شاركت في مسلسلي (بنت من شبرا، والعميل 1001).
وكان عام 2005 حافلا بمختلف الأعمال التلفزيونية والسينمائية ومنها المسلسل الكوميدي مثل فيلم (ملاكي اسكندرية، وحريم كريم)، و (من غير ميعاد) مع النجم أشرف عبد الباقي، والفيلم الدرامي (كان يوم حبك) مع (خالد سليم وداليا البحيري، والفيلم الكوميدي (جاي في السريع) مع الفنان الكبير (حسن حسني وماجد الكدواني)، مسلسلي (أماكن في القلب، ومن غير ميعاد)، وفي عام 2006 تألقت ببطولة الفيلم الدرامي الغنائي (عليا الطرب بالتلاتة) مع الفنان محمد عطية وأفلام (زي الهوى، وبالعربي سنديلا، وجعلتني مجرما)، ومسلسل (بنت بنوت) مع (مي عز الدين وحسن حسني)، ومسلسل (العندليب – حكاية شعب).
في السنوات التالية ظهرت ريهام في العديد من الأعمال المتنوعة ومنها مسلسل فيلم الإثارة (عجميستا) مع المخرج طارق عبد المعطي في عام 2007، ومسلسل (لحظات حرجة)، ومسلسل (هيمة أيام الضحك والدموع) في عام 2008، وفيلم (الغابة)، والمسلسل الدرامي (أفراح إبليس) في عام 2009 مع المخرج سامي محمد علي، ومسلسل (علشان ماليش غيرك)، وفيلم (الأكاديمية) والمسلسل الخيالي (مش ألف ليلة وليلة) في عام 2010، ومسلسل (شيخ العرب همام، رحيل مع الشمس)، في عام 2011 تقاسمت مع (خالد صالح وباسم سمرة وأحمد صفوت) بطولة مسلسل السيرة الذاتية (الريان) الذي كان من إخراج شيرين عادل، وكذلك مسلسلي (الإخوة أعداء، وادي الملوك)، وتبعه في العام التالي مشاركتها مع الفنان مصطفى قمر في فيلم الجريمة والإثارة (جوه اللعبة)، وعام 2013 في مسلسلي (الداعية، وقصص النساء في القرآن).
كما لعبت دور (سلمى) في المسلسل الرومانسي (سيرة الحب) الذي عرض في عام 2014، وكان من بطولة (مكسيم خليل وسيرين عبد النور وخالد سليم)، وبنفس العام تألقت بدور البطولة مع (شريف سلامة) في المسلسل الدرامي (الخطيئة) مع المخرج أحمد سمير فرج، ومسلسلي (عجائب القصص في القرآن، تفاحة آدم)، بعد ذلك شاركت مع مجموعة من نجوم الدراما المصرية في مسلسلي (حارة اليهود، ومريم) اللذين عرضا في عام 2015، وفي العام التالي عادت إلى السينما في فيلم الدراما والتشويق (الهرم الرابع) الذي كان من إخراج وتأليف بيتر ميمي، كما ظهرت في نفس العام بالمسلسل الإثارة والأكشن (القيصر) مع المخرج أحمد نادر جلال، وفي عام 2017 ظهرت بدور (شروق) في الفيلم الدرامي (الخلية)، كما لعبت دور رئيسي في مسلسل (لاتطفئ الشمس) مع المخرج محمد شاكر خضير، ومسلسلي (رمضان كريم، والزيبق)، وفي العام التالي قدمت أداء مميزا للغاية مع الممثل السوري (باسل خياط) في بطولة مسلسل الدراما النفسية والتشويق (الرحلة) وأيضا شاركت في مسلسل (أنبياء الله)، بالإضافة إلى الفيلم الدرامي (سوق الجمعة) مع المخرج سامح عبد العزيز.
في عام 2019 شاركت مسلسل الجريمة والإثارة (زي الشمس)، حيث ظهرت بدور (فريدة) مع المخرج سامح عبد العزيز، بعد ذلك شاركت في المسلسل الدرامي (حتى لا يطير الدخان) مع الفنان مصطفى شعبان والمخرج محمد جمال العدل، مسلسل (قصر النيل)، بالإضافة إلى مشاركتها في الفيلم الكوميدي والفيلم الدرامي (صاحب المقام) في عام 2020، وفي عام 2021 في مسلسلي(قصر النيل، ربع قيراط)، وفي عام 2022 تألقت بمزاج خاص في مسلسلاتها الأخيرة (وش وضهر، ومنعطف خطر، الغرفة 207، أزمة منتصف العمر، الأصلي) والأخير ماتزال تعرض حلقاته حتى الآن.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للنجمة المتألقة (ريهام عبد الغفور)، صاحية وجه ملائكي جميل وموهبة فنية متميزة لم تكن وليدة المصادفة، وإنما نتاج أسرة فنية أهم أفرادها والدها الفنان القدير (أشرف عبدالغفور)، وهى فوق كل ذلك تتمتع بالكاريزما الخاصة والموهبة المميزة التي ساعدت في لفتت الأنظار إليها وحصولها على العديد من الأعمال المتنوعة، واشتهرت بتقديم الأدوار المركبة وتميزت بحضورها اللطيف وشخصيتها المرنة أمام الشاشة، فأدوارها تصل إلى قلوب الناس بسهولة ودون استئذان لأنها عفوية وتلقائية جدا في أدائها وإحساسها، لذا شاركت خلال مسيرتها المهنية الممتدى لأكثر من عشرين عام في الكثير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، ولا تزال مستمرة في تقديم الفن الجميل وتحقيق النجاح والشهرة التي تمنحها بجدارة لقب (سيدة الشاشة التلفزيونية) بلا منازع.