بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
برغم مشاهدتى لمعظم حلقات قناة (History) عن الكائنات الفضائية القدامى التي تقول أن تلك الكائنات قد زارت الأرض من قبل وعاشت عليه وبنت لبنى البشر كل هذه المعجزات الهندسية كالأهرامات المنتشرة في طول الأرض وعرضها، إلا أننى لم استطع قبول الفكرة لأسباب عدة، أولها أنها لا تجيب عن الأسئلة التالية: أين ذهبت تلك الكائنات؟، ولماذا لم تزل الأرض ثانية ؟ بل لم تحاول أن تتواصل معنا مرة أخرى؟، وربما كان الأمر أيضا رفضا من داخلى لمقولة أن (الأهرامات) ليست من صنع المصريين!، فلقد حاول الكثيرون سرقة هذا الإنجاز من تاريخ المصريين القدماء، ونسبوه لليهود أو للكائنات الفضائية، فلقد عز عليهم أن تكون أحدى عجائب الدنيا السبع صناعة مصرية خالصة.
لذا عندما شاهدت البرنامج الوثائقى (النهاية القديمة للعالم) الذى قدمه (هانكوك) على نتفيلكس أثارتنى فكرة وجود حضارة قديمة انتهت و زالت بسبب مذنب عملاق ضرب الأرض مع نهاية العصر الجليدي، وأن هذه الحضارة صنعها بشر وليس كائنات فضائية أتت من خارج مجموعتنا الشمسية، فهذا أقرب للتصديق برغم رفض معظم العلماء لتلك النظرية، واعتبارها (قطعة خيالية من العبث التاريخي، مثيرة للاهتمام ومسلية) فلقد رأيت – مع آخرين منتشرين حول العالم – أن هانكوك يملك حجة قوية تجعلنا نقف طويلا لنفكر، خاصة وأن بعض كبار العلماء يقولون الآن أن مذنبا عملاقا ضرب الأرض بالفعل منذ 12.800 عام.
وأثناء بحثى خلف (هانكوك) و نظريته فوجئت بكم ضخم من الفيديوهات التي تتحدث عن الحضارة المفقودة، وهالنى كثرتها وإقبال المشاهدين عليها وكأنهم يبحثون عن أصولهم الأولى، و منها فيديوهات استمرت لمدة ثلاث سنوات عن الحضارة المفقودة في مصر – أصبحت الآن تريند – يقول فيها صانعها المهندس الشاب (أحمد عدلى) أن كل الأبنية الضخمة في مصر كالأهرامات وأبو الهول تم بناؤها في عصر تلك الحضارة منذ أكثر من 11 ألف سنة، وأن من جاءوا بعدها نسبوا تلك الأبنية لأنفسهم، ودليله على ذلك أن المصريين القدماء لم يكن يملكون المعدات ولا التكنولوجيا التي تتيح لهم إتمام تلك الأبنية، فهى ليست معجزة فقط في الهندسة بل معجزة أيضا في الفلك، فموقع الأهرامات وأبو الهول يعكس موقع بعض النجوم في السماء قبل 10500 سنة قبل الميلاد، وبالتالى فقد صنعت تلك الأبنية صورة للأجرام السماوية على أرض مصر!
و الحقيقة أن نظرية الحضارة المفقودة موجودة منذ العصور القديمة منذ أن كتب (أفلاطون) في محاوراته عن (قارة أطلانتس) التي حدثها عنه جده (سولون) بعد رحلته الى مصر ولقاء الكهنة فيها الذين وصفوا له تلك القارة التي اختفت بكل ما تحمل من إنجازات حضارية وإنسانية تشبه المدينة الفاضلة التي تمناها أفلاطون، وألهمت من بعده خيال الكثيرين من الفنانين والكتاب ومنتجي الأفلام لإنتاج عدد ضخم من أعمال الخيال العلمي التي تدور حول هذا الموضوع.
ولكن كان دهشتى كبيرة عندما وجدت تفسيرا آخر لتلك الحضارة المفقودة يستند إلى منطق دينى – فمعظم ما صادفته كان نقلا عن مصادر أجنبية – أما هذا التفسير فينطلق من التسليم بما أجمعت عليه الكتب السماوية بأنه كان هناك (طوفان) أغرق الجميع من بشر وحيوانات – إلا من كانوا في سفينة نوح – وأن هذا الطوفان أغرق كل منجزات البشر الذين طغوا وبغوا وخرجوا عن الفطرة السليمة التي خلقهم الله عليها، فعاقبهم بمحو ما وصلوا إليه والذى كان سببا في أصابتهم بالكبر والغرور، وحتى الأساطير الشعبية – بعيدا عن الديانات – تتحدث أيضا عن الطوفان سواء كانت تلك الأساطير لشعوب متقاربة جغرافياً كشعوب آسيا وأفريقيا.. أو متباعدة كشعوب أمريكا الجنوبية وأستراليا.
وإذا كانت الكتب السماوية كلها قد ذكرت الطوفان وعلى أن هناك بشر كانوا موجودين قبله إلا أنها لم تذكر نوعية الإنجازات المادية التي قام بها هؤلاء البشر، ولا قيمة الحضارة التي صنعوها ولا كيف صنعوها! عدا إشارات صغيرة الى مدى قوة وجبروت هؤلاء البشر، أما الأساطير فتتحدث عن (عصر ذهبي يملك إمكانيات هائلة كان موجوداً منذ زمن بعيد جداً، صنعه بشر يملكون قوة وجبروت، وأن هناك حروبا طاحنة دارت بينهم بأسلحة مخيفة).
ويأتي عصرنا بعلمه الحديث لينكر كل ما أجمعت عليه الكتب السماوية، وكل ما تحدثت عنه أساطير الشعوب، ليقول أنه لم يكن هناك طوفان عم العالم، وأن الطوفان المذكور في الكتب السماوية وفي الأساطير ليس أكثر من حكاية رمزية ضخّمت صورة فيضان أحد الأنهار المحلية، وقبله لم تكن هناك حضارة متقدمة، فوجود الإنسان بدأ منذ مائة ألف سنة خلالها لم يعرف أي حضارة قبل عشرة آلاف سنة ماضية!
غير أن ما لا يستطيع العلم الحديث إنكاره، هو كل تلك المنجزات المادية الباقية من آثار الأولين والتي لا نملك القدرة على تقليدها بإمكاناتنا المتقدمة الحالية، فهناك مئات المواقع الأثرية المبنية بأحجار ضخمة مقطوعة بدقة هندسية عالية، ومئات من آثار المدن التي يبدو واضحاً أنها كانت مبنية بأسلوب متحضر يدل على عقلية علمية، وبقايا كثيرة لأبنية ذات ديكور جميل يدل على أن أصحابه كانوا على مستوى عال من الذوق والرقى.
هذه الدلائل وغيرها يناقشها مؤلف صدرت له عدة كتب يدعى (علاء الحلبى) منها: (العالم قبل الطوفان.. التاريخ المحرم، الأصول الغامضة للإنسان)، و فيها يوضح أن الإمكانات الهندسية العالية في البناء لدى الإنسان القديم ليس في بناء البيوت والمعابد فحسب، وإنما التخطيط الشامل للمدن والطرق والجسور والترع والأنفاق، كما يقدم أدلة كثيرة عن مدن تقبع حالياً تحت البحر، والتي لا تزال مبانيها صامدة رغم كل هذا الوقت الطويل.
كما تتحدث كتبه عن الإنجازات العلمية لإنسان ما قبل الطوفان، سواء على مستوى الطب أو الخرائط الجغرافية أو الطاقة أو الأسلحة أو غيرها – كما يقول ناشر كتبه وبعض المقالات عنه – و أن كل تلك الإنجازات انتهت بسبب حرب نووية في العصر القديم أدت الى قيام تسونامى كبير (فيضان) لم يبق منه سوى أقلية بدأت الحياة من جديد على الأرض أو لنقل من الصفر.
فمن هو ذلك المؤلف؟ إنه للأسف شخصية غامضة، البعض يقول أنه مولود في سوريا في الثانى من يناير عام 1970 واشتهر بترجمة وإعداد وتأليف الكتب التي تجاوزت 30 كتابا – و البعض يزيدها إلى 40 – تتحدث عن علم الكون والمعرفة السرية أو الطاقة البديلة – و كلها علوم باطنية تنتمى إلى ماوراء الطبيعة – مما يجعله الكاتب الأكثر جدلا في العالم العربى، في حين يرى آخرون أنه لا وجود لهذا الشخص وأن الاسم يعبر عن شخصية رمزية لمعني باطني أو ربما مجموعة من الأشخاص يهتمون بالعلوم التي لا تدرّس أكاديميا، فمن الصعب أن يصدر شخص واحد كل هذا العدد من الكتب، كما أن المؤلف لا يظهر في المحافل العامة وليس له سوى صورة وحيدة على كل المواقع، ولا يتحدث بنفسه أو يرد على متابعيه، بل يقوم اشخاص آخرون بذلك عنه!
ويظل الأمر غامضا كغموض الإجابة على سؤال: هل كانت هناك حضارة سابقة؟