في ذكرى عبقري الأداء زكي رستم.. تعرف كيف سخر منه بيومي فؤاد!
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام ذكرى الفنان الكبير زكي رستم الذي رحل عن حياتنا في مثل هذه الأيام وبالتحديد يوم 15 فبراير عام 1972، ويعتبر هذا الفنان واحدا من الرواد الأوائل في الفن المصري، حيث بدأ مسيرته في بداية العشرينات من القرن الماضي، وبالتحديد عام 1924، وتنقل بين العديد من الفرق المسرحية مثل (فرقة جورج أبيض)، و(فرقة رمسيس)، و(فرقة عزيز عيد)، وقدم العديد من الروائع المسرحية المترجمة والمأخوذة من روائع المسرح العالمي، وفي هذه الفترة بدأت علاقته بالسينما من خلال فيلم (زينب) الصامت الذي قدم عام 1930، وتوالت بعده الأدوار المحفورة بالوشم في ذاكرة محبي الفن السابع.
وعن أداء هذا العبقري يقول الناقد الفني الكبير عبدالغني دواد في كتابه (مدارس الأداء التمثيلي): (يعد زكي رستم من مدرسة الرواد في عالم الأداء التمثيلي التى تقوم على الأداء المسرحي الذي يعتمد على المبالغة في الحركة وارتفاع الصوت و(التجعير) إلا أنه بذكائه وثقافته ووعيه استطاع أن يطور هذا الأداء المسرحي في السينما إلى الأداء التلقائي الطبيعي من خلال تجاربه وإحساسه، فهو لم يدرس في أكاديمية أو معهد للمسرح أو السينما، لكنه استطاع بجهده الشخصي وحسه الفطري أن يدرك الفارق الكبير بين التمثيل للسينما والتمثيل في المسرح، من خلال مشاهداته واستبطانه لذاته واطلاعه على التطورات التى طرأت على فن التمثيل السينمائي في العالم.
وبالتالي هجر التمثيل في المسرح بعد خمسة عشر عاما من بداياته في السينما، والتزم بالتمثيل في السينما فقط، وكرس حياته للتمثيل السينمائي، ولم يتراجع في قراره إطلاقا مهما كانت المغريات والدعوات للتمثيل على خشبة المسرح، ومن خلال هذا التركيز في السينما، تميز بقوة الأداء وخصوبة الموهبة، وسطوة الشخصية الفنية وقدرته الفائقة على امتلاك زمام المواقف الدرامية دون مبالغة أو افتعال، وقدرة على أداء الشخصيات المركبة متعددة الأوجه بعيدة الأغوار، وكأنه قد فطن إلى ما قاله المخرج الإنجليزي (سيدكول): من أن ممثلي المسرح يميلون أحيانا إلى أن يبثوا مشاعرهم في أدوارهم أكثر مما يجب كما يحاولون أن يفعلوا كل شيئ أكثر من المطلوب تأديته عندما يقفون أمام كاميرا السينما).
اعتمد زكي رستم على أسلوب (ستانسلافسكي) في (الذاكرة الانفعالية) واسترجاع الأحاسيس والعواطف السابقة، ولم يكن يتقمص الشخصية تقمصا كاملا بل كان يدرب نفسه تدريبا روحيا يتخلص فيه من الشوائب بحيث يستقبل الدور، وهو أشبه بالمصفاة البللورية فتكون الانفعالات صادقة على قدر الدور المرسوم فلا مبالغة ولا تصنع ولا افتعال، وإنما يؤدي أداء بسيطا سهلا يتسق مع الشخصية التى يؤديها).
قدم زكي رستم العديد من الأدوار السينمائية الخالدة التى لا تنسى، وطبق من خلالها مقولة (في المسرح أنت تشع، وفي السينما أنت تفكر)، وكتبت عنه مجلة (لايف) الأمريكية عام 1956: (أنه أعظم ممثل في الشرق وشبهته بالممثل البريطاني شارلز لوتون)، وقال عنه المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول عندما شاهد أحد أفلامه: (إنني أرى نسخة مصرية من أورسلون ويلز الذي يعتبر قمة في الأداء التمثيلي، ملامح معبرة ونبرة مؤثرة).
وقد أشاد بموهبته الدكتور (محمد صلاح الدين باشا) وزير خارجية مصر في حكومة حزب الوفد، من خلال مقال في جريدة (الأهرام).
وللأسف ها العبقري الذي نفتخر به تعرض للسخرية من قبل الفنان (بيومي فؤاد) في الفيلم المعروض حاليا (أخي فوق الشجرة)، حيث ظهر بيومي في الفيلم مجسدا لدور أب يدعى (بيبرس) لكلا من (علاء، وبهاء) الذي جسدهما النجم رامز جلال، وفي المشاهد القليلة التى ظهر فيها الفنان الكوميدي المخضرم استعار صوت الفنان الكبير (زكي رستم)، وأدى المشاهد الذي ظهر فيها وهو يتحدث بطريقة وأداء زكي رستم، بشكل مفتعل لايثير الضحك بقدر ما يثير الشفقة!
الشفقة! لأن هذا إن دل على شيئ فيدل على الإفلاس، حيث يبدو أن كثرة الطلب على (عم بيومي فؤاد) لا تجعله يبتكر، أو يفكر في طرق جديدة مختلفة لأداء أدواره، فلم يجد أمامه إلا الاستسهال، والتقليد الساذج الأبله لأحد رموزنا الفنية الكبيرة، وأعتقد (عم بيومي) أنه سيسعد الجمهور، ويجلب له الضحك في المشاهد القليلة والحمد لله إنها كانت قليلة التى ظهر فيها!، لكن للأسف الشديد خرج الجمهور من دور العرض وهو يتندر على إفلاس بيومي فؤاد، ويتحسر في الوقت ذاته على أعظم ممثلي الشرق على الإطلاق (زكي رستم).