كتب: محمد حبوشة
استطاع مسلسل (موضوع عائلي) أن يجذبنا إليه طوال 12 حلقة من المتعة التي تخلط الكوميدي بالتراجيدي في آن واحد، وتمكن من لم العائلة المصرية والعربية حول الشاشة من جديد، على جناح سيناريو فائق الجودة وأداء تمثيلي مبهر على كافة المستويات من جانب كل أفراد فريق العمل بقيادة المايسترو (أحمد الجندي) المخرج الذي وضع كل واحد من الممثلين في مكانة الصحيح محققا جاذبية وبراعة متقنة، ناهيك عن إحداث حالة من الدفء والشجن المحبب في موسم شتاء قارس، لتصبح الحلقات طيفا جميلا يقوى على ترميم جدران العائلة التي تصدعت بفعل دراما العنف والقسوة والرعب السائدة في هذا الموسم المشحون بالغضب.
بلاشك أصابتنا متعة أداء العملاق (ماجد الكدواني) في ذهابه بسلاسلة وعفوية إلى نفوسنا محملا بالمشاعر الفياضة والحب والحنين الجارف نحو ترابط وتماسك العائلة التي أصابها العطب والضيق بفعل تداعيات جنون الأسعار والاقتصاد المتعثر، ومن ثم قفز بنا هذا الممثل القدير إلى آفاق رحبة من الراحة والتمدد على بساط سحري طبطب على النفوس المتعبة، وفجر بلتقائيته المعهودة الضحك القادم من عمق المأساة الإنسانية والغربة والضياع الذي نعانيه في وقتنا الحالي، وبحق أمتع الجمهور في كافة مشاهده التي عزف فيها ببراعة مطلقة على المشاعر معتليا قمة الإداء التمثيلي من خلال مواقف ومفارقات مذهلة أصابتنا بمعتة خاصة في انسجام تام مع باقي فريق العمل التمثيلي الذي تفوق على نفسه.
قدم لنا (الكدواني) تابلوهات تشكيلية مفعمة بألون قوس قزح وبتنوع رهيب خاطب الروح والقلب في قلب مشاهد كلها ترقي إلى مستوى (الماستر سين) في كل الحلقات، لكني أتوقف عند مشهدين شديدي الروعة، وهما مشهد مناجاته التي تصل إلى حد التجلي في حديثه مع الله في المسجد، وأعقبه بمشهد دافئ للغاية يدور حول التفاف العائلة حول (إبراهيم) لمؤازته في محننته الكبرى التي ألمت به، وجاء المشهدان على النحو التالي:
يجلس (إبراهيم) في صحن المسجد وصحبة حالة من التجلي والسكون يناجي ربه في خشوع يسبق إجراء عملية خطيرة في القلب قائلا:
يارب.. أنا آسف اني اتأخرت في الكلام معاك.. أنا آسف اني شيلت جوايا كتير ومطلعتش.. مع اني عارف ومتأكد اني ماليش غيرك أتكلم معاه.. بس انتا عارف أنا بانسى.. أنا خبيت على ناس كتير كل اللي أنا فيه.. كل اللي أنا حاسس بيه.. بس لا يمكن أخبي عليك حاجة.. لأنك الوحيد اللي فاحص القلوب.. ومفيش حاجة تستخبى عنك أبدا.. أنا ضعيف يارب ومش عارف أعمل ايه؟.. أنا تايه وخايف.. خايف جدا.. مش باطلب منك غير طلب واحد بس انك تهديني للاختيار الصعب.
يارب.. لو عايز تزيح عني التجربة دي زيحها.. ولو عايز تكملها كملها.. أنا عارف انه اختبار .. عارف.. وعارف انك لايمكن تحمل حد فوق طاقته.. بس الاختبار صعب عليا قوي يارب.. بس أنا راضي.. أنا راضي.. وعزتك وجلالك أنا راضي بأي حاجة.. لو أردتلي اني أموت عندي طلب واحد ورجاء واحد.. تاخد بالك من (سارة).. سارة دي بتاعتك قبل ما تكون بتاعتي.. سارة دي هديتك ليا.. وانتا لو مكنتش رايد انك تعرفني بيها مكنتش خليتني ألاقيها.. ولا كنت خليتني أحبها الحب ده كله.
لومت خد بالك منها.. خفف عنها كسرة القلب.. خليها تنسى زعلها عليا بسرعة.. طبطب على قلبها.. سارة صغيرة متستحملش.. هون عليها اللحظة دي يارب.. متوجعهاش بيا.. يارب .. قويني على اللي أنا فيه.. عيني يارب.. الحمد لله والشكر لله.. الحمد لله والشكر لله.. الحمد لله والشكر لله.
ثم يدخل البيت ليجد كل أفراد الأسرة مجتمعين في منزله ومعهم الدكتورة (مريم) قائلا: فيه ايه .. انتوا ما سفرتوش ولا ايه.. فيه حاجة؟.. ثم تهم سارة لتدخل في حضن والدها إبراهيم باكية بحرقة.
الدكتورة مريم (نور): أنا آسفة يا إبراهيم.. أنا حاولت أمنع نفسي ما ادخلش بس مقدرتش.. مكنش ينفع أفضل ساكتة وأنا حاسة اني ممكن أخسرك ومعملش أي حاجة.. انتا ما سيبتليش حل غير اني أعرفهم.. يمكن همه اللي يقدروا يقنعوك انك تعمل العملية.
زينب(سما إبراهيم) باكية بكاءا مرا: انتا مقولتلناش ليه يا إبراهيم؟
إبراهيم: عشان كنت خايف من اللحظة دي.. مكنتش عايز أشيلكوا الهم.. ولا كنت عاوز اشوفك متضايقة كده.
سارة في حضن أبيها: بس انتا كده ضايقتني أكتر.. عشان مكنتش جنبك وانتا تعبان.
زينب: فيه ايه كان حيحصل لو قلت لنا ياحبيبي.. كنا حنعيط شوية.. الدنيا يا حبيبي فيها الفرح وفيها الحزن.. ولا احنا في الفرح مستمرين.. تخبي عليا يا إبراهيم؟.. محدش يطبطب عليك يا حبيبي وانتا تعبان؟.. دا انتا كنت سايبنا نشكيلك يا حبيبي وانتا اللي تشيل همنا.. وانتا لوحدك محدش شايل همك يا اخويا.. ليه؟.
رمضا حريقة(محمد رضوان): خلاص بقى يا زينب .. الله.
حسن(طه دسوقي) : خلاص ياماما مش احنا قلنا حنمسك نفسنا ومش حنعيط.
إبراهيم: خلاص يازينب.. خلاص يا زينب اهدي..اهدي.. سيبها يا حسن سيبها.. أمك عندها حق.
يجلس إبراهيم وبتنهيدة يقول: ياااااااااااااه .. دي أكتر لحظة كنت حامل همها.. كان كل همي أجل فيها.. بس أقولكم على حاجة: أنا حاسس اني مرتاح جدا.. أكتر لحظة حاسس اني مرتاح فيها.. انتوا عارفين أنا خبيت عليكم ليه؟.. جيه في بالي سؤال: شغلني.. مكنتش لاقيله إجابة!.. دلوقتي أنا لو مت.. حابقى سبتلكم ايه؟.. كان كل خوفي ان ما يفضلش مني غير شوية زعل عشان أنا مشيت.. كنت خايف.
حسن: سيبتلنا ايه؟.. هو انتا بجد متعرفش؟.. انت حاجة كبيرة قوي بالنسبة ليا.. مش حاقولك قدوة ومثل أعلى.. انتا أهم وأكبر من كده بكتير.. انتا علمتيني حاجات كتيره قوي من غير ما تاخد بالك.. علمتيني أختار اللي باحبه واعمله.. وقفت جنبي وشجعتني في وقت أنا أصلا مكنتش عارف أنا باعمل ايه؟.. أصلا علمتيني ازاي أثق في نفسي وأحبها.. انتا كنت أول واحد باحب أبص في وشه لما أعمل حاجة صح.. عشان اشوف في عينيك نظرة (جدع يالا).. انتا علمتيني أخاف على الناس اللي بتحبني وأقدرهم.. يا إبراهيم انتا مش خالي انتا صاحبي.. صاحبي وضهري.. وعارف ان الدنيا لو اتعكت عليا حاجي اتحمى فيك.. يمكن أنا ما قولتلكش الكلام ده قبل كده.. انت جزء كبير قوي مني وحافضل اتعلم منك طول حياتي.
إبراهيم : الحمد لله.
سارة (رنا رئيس): انتا عارف أنا يمكن معرفكش وأنا صغيرة.. وبعدين احنا مابقلنش كتير مع بعض.. بس اللي أنا اتعلمته منك من دلوقتي بعمري كله.. انت علمتني ازاي أسامح وأنا كنتش باعرف أسامح.. علمتيني يعني ايه عيلة.. ناس بيحبوني من غير أي شروط.. حضنهم لوحده أمان.. بيخافوا على وبيحبوني مش عشان أي حاجة في الدنيا غير اني أنا سارة.. بنتهم.. وعوضتني بحبك عن كل اللي أنا اتحرمت منه.. ودلوقتي علمتني أعذر.. أعذر الناس اللي بحبهم وبيحبوني.
إبراهيم: ياااااااااااااااااااه.. الحمد لله.. مكنتش متخيل انها بالسرعة دي.. ربنا حنين قوي.. أنا كنت تايه.. كنت تعبان.. وهو بحنانه ما أردش يسيبني تايه كتير.. أراد ان اسمع الكلمتين اللي محتاج أسمعهم عشان اطمن.. الحمد لله.
أكتفي عند هذا الحد بالمشهدين اللذين أبكيا ملايين المصريين والعرب على حال (إبراهيم) الذي استطاع لم شمل العائلة في أحلك الظروف المحيطة به. ليجعل من المحنة منحة ربانية يجود بها الخالق العظيم على أبنائه في الأرض. فتحية تقدير واحترام لكل صناع مسلسل (موضوع عائلي).