خص الروائي والإعلامي اللبناني الكبير (أحمد علي الزين) بوابة (شهريار النجوم) بهذه الخواطر الشعرية المعبرة، من وحي مشاهد المأساة السورية المذاعة على الهواء مباشرة، جراء الزلزال الذي خلف الرعب والدمار الأسبوع الماضي، وهى الآثار التي أحزنت طوب الأرض، وغرست هذه المأساة الإنسانية عميقا في ذاكرة أطفال البراءة في زمن العار.
بقلم الروائي والإعلامي الكبير: أحمد علي الزين
أيتها البلاد ، أيتها الارض
أين أمشي؟ أين أروح ؟
أين أنام ؟
وحدي خرجت قبل سنوات حيًا من حينا القديم، يومَ انحنت مئذنةُ الآمويين في حلب وبكت الشام، كنت طريَّ العود، أخرجوني بلا ملامحَ مغطى بالغبار والدخان، كأنّ يداً خفيةً موهتني كي تضلّل العدو، إذ بدوت دميةً من تراب، تحرّكها الدهشة، هكذا شاهدت وجهي على الشاشة في تلك الأيام، كانوا يتحدثون عن المعجزات، والنجاة، نسيتُ يومها اسمي، كأني نسيت الكلام!!!
حين سألوني ما اسمك؟ لم أقل اسمي قلت سهواً اسمَ أبي الذي بقي تحت الركام، تظهرُ منه يدُه التي كانت تضمّني قبل أن تذبلَ وتتركَني، كان يسند فيها سقف البيت، حولّها لأجلنا من يدٍ إلى وتدٍ، وكان صوت أمي وهي تناديني، يجيء من بئر غائر في العتمة كأنّه من زمان .
أما صراخ إخوتي فتحوّل إلى جرحٍ في حنجرتي، نشيج كمان .
يومها، وجدتُني يا بلادي مقيماً على الحدود هناك بيني وبيني، أبحث في وجوه العابرين عنك وعنهم وعنه، قلت لعلّه كان مشهداً في منام .
ومرت الأبام وفي فجر باردٍ بعد سنين، شيءٌ لا أعرفه رجّني جعل الأرض تحتي تمور والناس تحبو، أعاد الكائنات إلى بدائية المسعى والصوت، ومحا اللغة محا الكلام، حولها كلها إلى حطام .
سمعتهم يقولون، وأنا محمولاً على شيء رجراجٍ، هذا مابقي من البلاد، وهذا ما بقي مني .
كنت ممدداً على نصف مهد نصف نعش..
لمحت في السماء سرباً ملتاعاً من طير الحمام..
لا برج له ولا مئذنة ولا سطوح..
وسمعت ندابة الحي تنوح..
أين أمشي يا بلادي أين أروح؟!.
.. إلى الطفل الذي نجا هناك!